تسببت الحرب التي يشنها النظام السوري منذ 12 عامًا، في إحداث دمار واسع النطاق، وقتل أكثر من 500 ألف شخص، بينما أجبر ملايين على الفرار من منازلهم.
ومثل غيرها من الصراعات الحديثة، فقد خلفت إرثًا مميتًا من قذائف المدفعية غير المنفجرة والألغام وغيرها من الذخائر على الأراضي الزراعية، وعلى جوانب الطرق، وفي المباني، مما يشكل تهديدًا عشوائيًا للأرواح على المدى الطويل.
وتناولت صحيفة "نيويورك تايمز"، مخلفات هذه الحرب وتأثيرها القاتل على الأطفال في سوريا، حيث يتسابق الأطفال للبحث عن كرات معدنية، اعتقادًا منهم، أنها صالحة للبيع في سوق الخردة، لتنفجر في وجوههم، وتتركهم مشوهين وبلا أطراف، وتعتبر هذه الذخائر العنقودية، أسلحة محظورة على نطاق واسع، والتي تتفكك في الجو وتطلق العشرات من القنابل الصغيرة على مساحة واسعة، هي أسلحة مميتة بشكل خاص، ووصفتها الشبكة السورية لحقوق الإنسان بـ"التهديد المفتوح لحياة الأجيال القادمة في سوريا".
ضحايا أطفال
وقالت الصحيفة الأمريكية: إن إدارة بايدن وافقت على إرسال هذا النوع من الأسلحة إلى أوكرانيا، مع أن "واشنطن أدانت استخدام روسيا للقنابل العنقودية والأسلحة العشوائية الأخرى في سوريا. وكان الدعم العسكري الروسي للديكتاتور بشار الأسد، حاسمًا في مساعدته على البقاء في السلطة، واعتمد نظامه على الضربات الجوية المكثفة والعشوائية لاستعادة الأراضي".
تشير "نيويورك تايمز"، إلى أن القنابل العنقودية أدت إلى مقتل ما يقرب من 1500 شخص في سوريا
وتشير "نيويورك تايمز"، إلى أن القنابل العنقودية أدت إلى مقتل ما يقرب من 1500 شخص في سوريا، بينهم 518 طفلًا، منذ عام 2011، وتسببت الألغام الأرضية في مقتل 3353 مدنيًا، من بينهم 889 طفلًا، وفقًا للشبكة السورية لحقوق الإنسان.
قصص عن ضحايا القنابل العنقودية
وجمعت مراسلة صحيفة "نيويورك تايمز"، مجموعة من القصص المروعة عن ضحايا هذه القنابل في شمال غرب سوريا.
وفي إحدى القصص، كانت الشقيقتان روعة 11 عامًا، ودعاء 10 أعوام، في طريق العودة إلى المنزل، عندما رصدتا كرة معدنية بحجم الكرة اللينة. لم يعرفوا ما هي عندما حصلوا عليها، لكنهم توقعوا أن مشتري الخردة المعدنية، حيث يعيشون في شمال غرب سوريا قد يدفعون حوالي 30 سنتًا مقابلها.
قالت دعاء: "لقد كانت رمادية"، وهي تمد أصابع يدها اليسرى إلى أقصى حد ممكن: "كان الأمر بهذا الحجم". وتذكرت كيف سلمتها شقيقتها روعة، بينما كانت تحمل شقيقها متعب، البالغ من العمر 7 أشهر، وبعد ثانية انفجرت فبترت يد دعاء اليمنى، لقد كانت قنبلة عنقودية حية. فيما فقدت روعة عينها اليسرى، ولا تزال ندوب الانفجار على خدود متعب.
وتركت الحرب ندوبًا على هذه العائلة التي تعيش في مخيم للنازحين على أطراف مدينة إدلب شمال غربي سوريا.
وقبل أقل من عام، قُتل والدهم في مأساة مماثلة عندما سلمه أحد أبنائه ذخيرة غير منفجرة. قتلته على الفور.
وعلى الرغم من المخاطر، لا يزال الكثير ممن يعيشون في شمال غرب سوريا، وسط الفقر المدقع والبطالة المرتفعة، يبحثون عن الخردة المعدنية لبيعها، بما في ذلك القنابل والقذائف، وتقول الصحيفة: "بالنسبة للبعض، فهذا مصدر دخلهم الوحيد".
ونظمت منظمة الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء"، مئات ورشات التعليم لتثقيف الناس حول الذخائر غير المنفجرة، ويعزو السكان تراجع الإصابات في السنوات الأخيرة إلى تلك الورشات.
وتنقل مراسلة "نيويورك تايمز"، قصة نور الحموي التي لم تكن تسمع بالقنابل العنقودية عندما أصابتها عام 2015 عندما كانت تبلغ من العمر 14 عامًا، وقت عودتها من المدرسة في الغوطة الشرقية بريف دمشق، التي كان يسيطر عليها الثوار، وتحاصرها قوات النظام.
وقالت نور، إنها عندما "سمعت صاروخًا، احتمت بالحائط، وبعد ثوانٍ، سمعت انفجارًا، واعتقدت أن الخطر قد انتهى".
وتذكرت نور البالغة من العمر اليوم 21 عامًا: "عندما واصلت طريقي، سقطت قذيفة ثانية"، تصفها بأنها قنبلة صغيرة، سقطت أمامها على بعد بضعة أقدام وانفجرت، مما أدى إلى تمزيق ساقها اليمنى، وعند مرور سائق شاحنة شاهدها وهي تنزف، وهرع بها إلى مستشفى ميداني قريب، حيث تمكن الأطباء من إنقاذ طرفها.
تقول نور الحموري عن القنابل العنقودية: "إنها تستهدف الساقين. انفجرت على الأرض، وفقد الكثير من الناس أرجلهم". فيما لا تزال نور غير قادرة على الوقوف على ساقها المتضررة، وتسافر إلى تركيا، لإجراء العمليات على أمل أن تعاود المشي مرة أخرى يومًا ما.
زلزال سوريا المدمر
في شباط/ فبراير الماضي، ضرب زلزال مدمر شمال غرب سوريا، وأدى إلى تفاقم المخاطر في منطقة غارقة بالفعل في أزمة إنسانية، يقطنها حوالي 4.2 مليون شخص، أكثر من نصفهم هربوا من مدن أخرى في البلاد بسبب الحرب، فيما كان الكثير منهم يعيشون في مخيمات أو منازل مبنية على عجل.
وقالت الأمم المتحدة، إن الزلزال قتل الآلاف في سوريا، ودمر نحو 10 آلاف مبنى، وشرد نحو 265 ألفًا، ولجأ الكثيرون إلى الحقول المفتوحة أو على جوانب الطرق بعيدًا عن المباني المتداعية.
وتحدث خبير المتفجرات في منظمة الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء"، محمد سامي المحمد، لصحيفة "نيويورك تايمز" عن التهديد الذي تسببه الذخائر غير المنفجرة، قائلًا: "مع كل موجة نزوح جديدة، يتزايد هذا الخطر بشكلٍ أكبر".
نظمت منظمة الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء"، مئات ورشات التعليم لتثقيف الناس حول الذخائر غير المنفجرة
وعمل رجال الدفاع المدني ولسنوات، في منطقة شمال غرب سوريا، والتي تسيطر عليها المعارضة السورية المسلحة، بجد لإزالة الذخائر غير المنفجرة. حيث تنتشر حقول الألغام في مناطق عديدة من سوريا، خاصة في المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام في السابق. لكن "الخوذ البيضاء" لا تملك القدرة التقنية على إزالة تلك الألغام.
فيما ذكرت الصحيفة الأمريكية، أن منظمة عالمية لإزالة الألغام، تدعى "HALO Trust" ستتولى هذه المهمة هذا الشهر في حقول الألغام في شمال غرب سوريا.
كما أشرفت وكالة الأمم المتحدة لمكافحة الألغام على تطهير حوالي 500 فدان من الأراضي الزراعية في سوريا، مما أدى إلى تدمير أكثر من 500 قنبلة متفجرة.
ومع ذلك، تشير "نيويورك تايمز"، إلى أن الشمال الغربي، لا توجد فيه منطقة آمنة تمامًا، لأن طائرات النظام السوري والطائرات الروسية، لا تزال تشن غارات جوية، فيمكن لمنطقة تم تطهيرها من القنابل اليوم، أن تتعرض للقصف والتلوث مرة أخرى غدًا.