25-أكتوبر-2024
هجوم أنقرة

(Getty) ضرب عملية السلام الجديدة في تركيا في المهد

كشَف وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، عن وجود أدلةٍ قوية على وقوف حزب العمّال الكردستاني وراء الهجوم الذي استهدف مركز الصناعات العسكرية الجوية والفضائية التركية في العاصمة أنقرة. وقد أسفر الهجوم عن مقتل 5 أشخاص وجرح آخرين، والقضاء على منفذيْه (رجل وامرأة).

تطرح تصريحات وزير الداخلية التركي العديد من التساؤلات حول خلفيات الهجوم وتوقيته، خاصةً أنه جاء وسط أجواء تهدئة سياسية ووسط مؤشرات بفتح التحالف الحاكم صفحةً جديدة مع حزب "ديم" الكردي الداعم لحزب العمّال الكردستاني الانفصالي، فضلًا عن ذلك جاء الهجوم بالتزامن مع سماح السلطات التركية لزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان المعتقل منذ عام 1999 بلقاء أحد أفراد عائلته، وهو ابن أخيه عمر أوجلان النائب في البرلمان التركي عن حزب "ديم"، ويعدّ هذا هو اللقاء الأول لزعيم حزب العمال الكردستاني مع العالم الخارجي منذ 4 سنوات بعد وضعه في السجن الانفرادي.

وأبدى أوجلان استعدادًا للتعاطي مع الطلب غير المسبوق الذي وجهه له قبل يومٍ من الهجوم زعيم حزب الحركة القومية، دولت باهتشلي، بدعوة مسلحي حزب العمال الكردستاني لترك السلاح مقابل الحصول على العفو. مع الإشارة إلى أنّ أوجلان محكوم عليه بالسجن المؤبّد.

لا يمكن فصل توقيت الهجوم عن جهود عملية السلام الجديدة في تركيا، ولا يمكن فصل مكانه عن استهداف الصناعات الدفاعية التركية المتطوّرة.

ضرب سياسة الانفتاح

 هذا هو أول السيناريوهات المحتملة كخلفية للهجوم، إذ يُعتقد أن ثمة من يريد وضع العصي في عجلة مسار سياسة الانفتاح الجديدة من الحكومة على الأحزاب الكردية، والدعوات لتأسيس السلام بينها.

وفي هذا الصدد يذهب مراقبون إلى القول بوجود خلافات داخل حزب العمال الكردستاني "بين الزعيم أوجلان المعتقل الذي صدرت عنه تصريحات إيجابية وفق ابن أخيه، وبين قيادة الحزب في جبال قنديل التي رغم معرفتها بحساسية المرحلة سمحت بحصول هذا الهجوم أو أعطت التعليمات لتنفيذه".

يشار إلى أنّ حزب "ديم" الداعم لحزب العمال الكردستاني الذي رحب بمرحلة السلام الجديدة، انتقد الهجوم الأخير قائلًا إنه "تحريض"، ولا يصب في مصلحة جهود بسط السلام والتعايش السلمي، لافتًا إلى عدم براءة توقيته.

حيث قال رئيس الكتلة النيابية للحزب، سيزاي تيميلي، خلال جلسة برلمانية: "إني حزين للغاية بعد الهجوم وأتمنى الرحمة لمن فقدوا أرواحهم والشفاء العاجل للجرحى". معتبرًا أنّه "لا ينبغي النظر إلى هذا الحادث في هذا السياق فقط، لقد كان هناك نقاش مهم للغاية يدور في البلاد خلال الأسابيع القليلة الماضية، وتستجيب معظم هذه المناقشات لتوقعات المجتمع التركي، نحاول التخلص من الحرب والعنف والقتل منذ فترة طويلة، ونحن نواجه مثل هذا الحدث، وبالتالي التوقيت مهم، الاستفزاز واضح من جميع الأطراف، علينا الرد بعناد وإصرار لتحقيق تطلعات الشعب في التعايش السلمي".

ذات الفرضية المتعلقة بعدم براءة التوقيت أكّد عليها وزير الدفاع التركي، يشار غولر، لكنّ تصريح غولر يستشفّ منه اتهام جهة خارجية لم يسمّيها، عندما قال أمس الخميس إنّ "الهجوم ليس صدفةً، نعرف جيدًا نوايا التنظيمات الإرهابية التي هي مجرد أدوات، تركيا لم ترضخ قط لأي تهديد".

 وبحسب الصحفي التركي أحمد هاكان فإنّ أصابع الاشتباه تتوجه أساسًا لإسرائيل وأميركا، وفق تعبيره.

ويرى هاكان أنّه ما دام "أوجلان حاليًا ضمن نطاق الخط نحو السلام فمهما كانت معارضة قنديل كبيرة فإنها ستذوب أمام الإرادة الحالية وهو ما يحرر حزب ديم الكردي" وفق قوله.

استهداف الصناعة الدفاعية التركية

ركّزت بعض التحليلات على المكان المستهدف بدل التوقيت، فاستهداف الصناعات الدفاعية ليس صدفة، إذا تم الأخذ بعين الاعتبار وجود الرئيس أردوغان في قمة بريكس بروسيا، والمكانة التي وصلت إليها الصناعات الدفاعية التركية، خاصةً في مجال المسيّرات، وفي هذا الصدد يرى الصحفي التركي أوكان أوغلو أنّ "من نفّذ الهجوم محترف، كما أنه يأتي بعد فترة من البحث والترتيب".

معتبرًا أن المستهدف هو "رمزية المكان والصناعات الدفاعية التركية" وليس ما يُذكر من "عملية السلام" التي يرى البعض أنها تكتيك سياسي من التحالف الحاكم لتمرير تعديل الدستور تحت قبة البرلمان.

ومع ذلك لا يختلف أوكان أوغلو مع القائلين بفرضية التحريك الخارجي لحزب العمال الكردستاني، فـ"المعطيات التي لدينا تُظهر أن هناك من حرك حزب العمال الكردستاني من أجل هذا الفعل، من أجل تغيير قواعد اللعبة، من خلال استهداف الصناعات الدفاعية، فمن جهة هناك خطط إسرائيل، وهناك التعاون مع منظمة بريكس، وأيضًا مساعي حل مشكلة الإرهاب في البلاد، فهناك محاولات لضرب هذه، حيث تسعى تركيا لبداية جديدة ويمكن توسيع اللائحة"، على حد قوله.

وفي هذا الصدد ركّزت صحيفة "صباح التركية" على إنجازات شركة توساش، التي تعرضت للهجوم، "فخلال عامين حققت الشركة نجاحات كثيرة في تصنيع المسيرات، وأهمها مسيرات العنقاء، وتطوير مقاتلة قان من الجيل الخامس، وطائرات "حر جيت"، فضلًا عن مروحيات غوك بي".

وعلى العموم يمكن القول إنّ المستهدف بالهجوم "الانتحاري" هو كل ما ذُكر نظرًا للتوقيت والمكان، بحيث لا يمكن فصل التوقيت عن جهود عملية السلام الجديدة في تركيا، ولا يمكن فصل مكان الهجوم عن استهداف الصناعات الدفاعية التركية المتطوّرة.