15-سبتمبر-2024
طالبان

دول آسيا الوسطى طبعت العلاقات التجارية مع طالبان لدواعٍ أمنية واقتصادية (لوموند)

تقود أوزباكستان وكازخستان جهود الدول في آسيا الوسطى للتقارب مع حكومة طالبان في أفغانستان لأسبابٍ ترى صحيفة "لوموند" الفرنسية أنها اقتصادية وأمنيةٌ بالدرجة الأولى.

ومهدت تلك الدول للتطبيع والتقارب مع طالبان برفع الحركة من قائماتها للمنظمات الإرهابية، على أمل أن يُسهم ذلك كله في دفع الحركة المتشددة التي تحكم أفغانستان إلى التغيير من سياستها الداخلية والخارجية ولو بشكلٍ تدريجي.

وفي هذا الصدد، ترى "لوموند" أن زيارة رئيس وزراء أوزبكستان عبد الله أريبوف إلى كابول، في 18 آب/أغسطس، تكتسي أهمية كبيرة لنظام طالبان الذي لم تعترف به أي دولة، حسب الصحيفة الفرنسية. فقد شهدت تلك الزيارة توقيع أفغانستان وأوزبكستان نحو 35 بروتوكول اتفاق تجاري واستثماري بقيمة 2.5 مليار دولار، مع تطلعاتٍ لزيادة حجم التبادل التجاري إلى 3 مليارات دولار في المستقبل.

ومع ذلك، تؤكد "لوموند" أن هذه الزيارة لا تثير الكثير من المفاجآت على الساحة الدولية، ذلك أن العلاقات التاريخية بين أفغانستان وأوزبكستان استمرت في التطوّر بعد وصول طالبان إلى الحكم، إذ ترى طشقند أن تعزيز علاقاتها التجارية مع حكومة طالبان هو السبيل الوحيد نحو "تطبيع" التبادلات مع أفغانستان، التي ستتمكن من استيراد الوقود والمنتجات الزراعية ومواد البناء والكهرباء من آسيا الوسطى التي تمثل أوزبكستان بوابتها الرئيسية.

تأمل دول آسيا الوسطى أن يدفع تطوير العلاقات التجارية مع أفغانستان حركة طالبان إلى تغيير سياساتها داخليًا وخارجيًا

وتنقل "لوموند" عن الخبير في شؤون آسيا الوسطى، حمزة بولتاييف، قوله: "إنّ طشقند تفضّل التأثير الاقتصادي على العلاقات الدبلوماسية الرسمية والهدف من ذلك خلق رافعة اقتصادية لدفع البلاد نحو تعزيز المناقشات الإقليمية ودبلوماسيةٍ أكثر شمولًا"، مضيفًا: "لكن محاولة دفع طالبان تدريجيًا نحو تغييرات هيكلية في السياسة الداخلية والخارجية من خلال الاعتماد التجاري لا تزال تواجه صعوبات في تحقيق نتائج ملموسة".

وعلى الرغم من هذا التقارب بين طشقند وكابول، إلا أن التوترات بينهما ما تزال قائمة خاصةً فيما يتعلق بمسألة المياه، حيث لم تتمكن أوزبكستان من منع بناء قناة "قوش تيبه" في ربيع 2023 التي تمر عبر محافظة بلخ في شمال أفغانستان، والتي يتم من خلالها تحويل خُمس مياه نهر أمو داريا.

وتعاني أوزبكستان وتركمانستان من انخفاض مستوى المياه في هذا النهر، مما يؤثر بشكل كبير على ريّ الأراضي الزراعية في كلا البلدين. مع ذلك، أصبحت أفغانستان حاليًا تكتسي أهمية خاصة من حيث المبادلات التجارية مع دول آسيا الوسطى وفي مقدمتها أوزباكستان وكازخستان وتركمانستان.

أما بالنسبة لكازخستان التي تعدّ أكبر دول آسيا الوسطى، فهي الأخرى تبذل أيضًا جهودًا حثيثة للتقرب من طالبان، حيث قررت أستانا في كانون الأول/ديسمبر 2023 شطب طالبان من قائمتها للمنظمات الإرهابية، لتتبعها في ذات الخطوة قرغيزستان التي أزالت الحركة الحاكمة في كابل من سجل المنظمات المحظورة في 5 أيلول/سبتمبر الجاري. وبحسب تحليل "لوموند"، فإن هذه الخطوة كانت لدواع تجارية وفقًا لما صرح به ممثل عن وزارة الخارجية الكازاخستانية.

وسبق أن استقبلت العاصمة الكازاخية، العام الفائت، وفدًا كبيرًا من رجال الأعمال التابعين لطالبان بحفاوة، حيث تم توقيع عقود بقيمة 200 مليون دولار تتعلق أساسًا بتوريدات الحبوب والدقيق إلى أفغانستان.

ونقلت الصحيفة الفرنسية عن الخبير في شؤون آسيا الوسطى، حمزة بولتاييف، قوله إن: "الحرب في أوكرانيا كانت واحدةً من الأسباب الرئيسية لتقارب كازاخستان من أفغانستان، مما ساعد على تنويع مبادلاتها التجارية".

كما نقلت الصحيفة الفرنسية عن السفير السابق لكازاخستان في كابول من 2005 إلى 2011 أغويباي سماغولوف، قوله إن "دول آسيا الوسطى تعتبر سلطة طالبان فرصةً على المدى القصير لإنهاء الصراع الطويل داخل أفغانستان وتعزيز الأمن الإقليمي".

يشار إلى أنّ وزارة الخارجية الأفغانية أشادت بخطوات قرغيزستان وكازخستان برفع اسم الحركة من قوائم الإرهاب، واصفةً المبادرة بأنها "خطوة إلى الأمام".

وقالت في بيان لها: "إننا نرحب بقرار قرغيزستان وكازخستان الذي ينسجم مع الإجراءات الودية لعدد من الدول الأخرى. إن ما يحدث يدل على الاعتراف المتزايد بحكومتنا على المستويين الإقليمي والدولي، ويزيل حاجز تعزيز العلاقات الثنائية".

وفيما يخصّ طاجيكستان المعروفة بحظرها لأنشطة الحركات الإسلامية فوق أراضيها، فتجد صعوبةً في إقامة حوار مع طالبان. ومع ذلك، تلاحظ "لوموند" أن العلاقة بين البلدين لا تخلو من التناقضات. فعلى الرغم من أن القنصلية الأفغانية في خوروغ، الواقعة في منطقة طاجيكستان الحدودية مع أفغانستان، قد انتقلت إلى يد طالبان في عام 2023، فإن السفارة الأفغانية في دوشنبه لا تزال تحت سيطرة الحكومة السابقة.

وممّا يجعل هذه العلاقة شائكةً أكثر أن أفغانستان تتشارك أطول جزء من حدودها مع طاجيكستان، التي تُعتبر الدولة الأكثر محدودية في علاقاتها مع الحركة الإسلامية.

وفي ذات الصدد، تؤكد لوموند أن تركمانستان، التي تُعدّ واحدةً من أكثر الدول انغلاقًا في العالم، تبذل هي الأخرى أيضًا جهودًا نحو التطبيع مع طالبان، حيث تم إطلاق مشروع سكك حديدية يهدف إلى ربط البلاد بأفغانستان لإنشاء مسار بديل عن ذلك الذي يمر عبر أوزبكستان.