بعد أن قمت بالتبرع بوجبة دم، وبعد انقضاء الدقائق التي كان علي أن أنتظر لأقف مجددًا بأمان، نهضت كما جميع المتبرعين. شربت كوبًا من الماء في غرفة الانتظار، ولكنني بدأت أشعر بألم خفيف في معدتي، لم أعره أي اهتمام. خرجت إلى الخارج لأرى صدفة شخصًا كنت أعرفه، فجلست نصف واقف على الطاولة أمامه وبادلته الحديث لإشغال نفسي عما يلم بها. شيئًا فشيئًا صار الألم يزداد وبدأت أشعره خفيفًا في رأسي، رافقه شعور رغبة بالاستفراغ. انتقلت إلى الجلوس على كرسي كان قريبًا، واستمر من حولنا في حديثهم ومزاحهم.
انسحبت بهدوء وتراجعت الى الخلف وأسندت ظهري إلى الكرسي وحنيت رأسي، أصبحت أصواتهم فجأة حادة تنخر في أذنيَ ووددت لو طلبت منهم أن اصمتوا! استجمعت قواي وقلت لأحدهم بصوت خافت بأنني أشعر بشيء من الغثيان، فأخذني من تحت إبطي ليدخلني إلى السرير. وفي طريقنا القصير كانت خطواتي تتثاقل أكثر فأكثر، وكان احتياجي بالاتكاء عليه يزداد مع كل خطوة. واستطعت بصعوبة أن أشير إليه لأن نذهب إلى سرير في الغرفة غير المكتظة.
هدوء..
فراغ..
صمت..
لا شيء..
سكينة..
لا حدود..
انسياب..
سمو..
صوت موسيقى عذبة تنبعث من آلة لم أعرفها بعد..
رمادي، عنابي وأصفر..
راحة.. راحة.. طمأنينة..
أبتسم في أعماقي..
يا لهذا الشعور المطلق!
لا أعرف ما الذي يدغدغ وجهي.. ولكنه مريح.. هل أنا هنالك خلف الأفكار؟ في ساحة الكون الخلفية؟ حيث لا شر ولا خير؟ هل...؟
إنه لطم على وجهي..
وجوه ناعمة أراها لأول مرة.
إلى أين انتقلت؟ من هؤلاء كلهم ولمَ هم محدقون وهل كانوا بانتظاري رغم أنني لا أعرفهم..؟
أهااااااااااا
ابتسمت...!
لم أسأل لكي لا أعرف كم من الوقت دام استغراقي متلذذًا مثل روح متصوف في الحضرة الإلهية. لا أخبار حيث كنت، لا طغاة، لا جشع ولا طمع ولا ظلم ولا قلق ولا آلام.. ولا شهداء..
راحة.. راحة.. طمأنينة.
اقرأ/ي أيضًا: