مات محمد الحنشي، في ساعة متأخرة من ليلة الجمعة 26 شباط/فبراير 2016. مات جريح تونس وشهيدها في آن. يقول كل من عرف الحنشي وتابع وضعه ومعاناته لأكثر من خمس سنوات، إنه "شهيد وطن جحود، تنكر له وأهمله".
مات محمد الحنشي، في ساعة متأخرة من ليلة الجمعة 26 شباط/فبراير 2016. مات جريح تونس وشهيدها في آن
الحنشي مواطن تونسي، تحول يوم 13 من يناير/كانون الثاني سنة 2011، إلى جريح ثورة إثر إصابته برصاص أمني في جهة حمام الأنف، إحدى ضواحي العاصمة التونسية، ضمن أحداث الغضب والاحتجاج التي عرفتها مختلف محافظات تونس تقريبًا والتي مهدت لهروب الرئيس السابق بن علي. أصيب محمد الحنشي برصاصة على مستوى الحوض، رصاصة بقيت في مكانها، إلى تاريخ وفاته، وتعذر على الأطباء في تونس إزالتها.
اقرأ/ي أيضًا: برهان القاسمي.. الثورة التونسية تأكل أبناءها؟
هكذا، بين ليلة وضحاها، تحول الحنشي إلى جريح يعاني آلامًا حادة وتغيرت حياة من كان يعيل عائلته. رافقت الرصاصة محمد لسنوات وحولته تدريجيًا إلى شبه معاق وأصيب بشلل نصفي، وزاد الإهمال الطبي، الذي تؤكده محاميته وعائلته وكل من تابع ملفه من الحقوقيين، في تدهور وضعه.
قضى سنوات طريح الفراش لكنه لم يستسلم لتلك الرصاصة اللعينة، وقرر الاحتجاج ولفت الانتباه إلى وضعه الصحي والاجتماعي، هدد الحنشي بالانتحار وأضرب عن الطعام، أخاط فمه في كانون الثاني/يناير 2013، استقبل وسائل الإعلام في أكثر من مناسبة رغم تردي حالته الصحية ولم يتوقف عن الاحتجاج مذكرًا بغياب المتابعة الصحية لوضعه، ومبديًا مخاوفه من الرصاصة، رفيقته خلال السنوات الخمس الأخيرة.
لم يتوقف محمد الحنشي عن الاحتجاج مذكرًا بغياب المتابعة الصحية لوضعه، ومبديًا مخاوفه من الرصاصة، رفيقته خلال السنوات الخمس الأخيرة
كان الحنشي متعلقًا بالحياة، تزوج منذ أشهر قليلة، كان الزواج تحديًا للمرض والألم والإهمال، لكن الموت لاحقه. أجرى الحنشي عملية جراحية على مستوى عموده الفقري يوم 9 كانون الثاني/يناير الماضي، تعكرت إثرها حالته الصحية أكثر، حسب ما ذكرت محاميته لمياء الفرحاني لوسائل إعلام محلية.
أصاب الحنشي وصدقت شكوكه ومخاوفه، ومؤخرًا تم اكتشاف إصابته بمرض السرطان، وذلك عن طريق الصدفة، إثر تعكر حالته الصحية وتحوله للمستشفى ليتم اكتشاف المرض الخبيث في مرحلة متقدمة وصعبة، مما يبرز نقص المتابعة لملف الشهداء والجرحى من قبل اللجنة الطبية المشرفة.
وقد صرحت لمياء الفرحاني، محامية محمد الحنشي، في أكثر من مناسبة أن "هناك محاولات لتهميش ملف شهداء وجرحى الثورة"، واستدلت "بالمماطلة في إصدار قائمة الجرحى والشهداء إلى الآن رغم جهوزيتها وتكرار العمل عليها لسنوات"، وفق تعبيرها.
في الأثناء، كان تعامل مختلف مؤسسات الدولة والحكومات المتعاقبة بعد الثورة مع الملف "مريبًا"، حسب المتابعين لأطواره. كان ملف جرحى وشهداء الثورة ملحقًا بشكل دائم بملفات أخرى، وهو ما ساهم في تهميشه، ومنها ملف المنتفعين بالعفو التشريعي العام أو ملف ضحايا العمليات الإرهابية الأخيرة من أمنيين وعسكريين. وضاع الملف بذلك بين مزايدات وسجال طويل.
رحل محمد الحنشي ولم يحاسب من أصابه برصاصة مقيتة دمرت حياته لسنوات وكانت مخلفاتها قاتلة، كما رحل دون أن تعترف به الدولة جريحًا لثورتها بعد، إذ لم تصدر قائمة إلى اليوم واضحة في جرحى وشهداء الثورة التونسية. مات الحنشي، ومن قبله جريح الثورة حسونة بن عمر، الذي توفي في تموز/يوليو 2011، وكان قد تلقى عدة رصاصات خلال احتجاجات الثورة مستهل 2011 وأهمل لأشهر في المستشفى الجهوي بجندوبة، وكلها انتكاسات وصور سلبية للثورة التونسية.
اقرأ/ي أيضًا:
خمس سنوات من الثورة التونسية.. مسار الالتفاف
ثورة تونس بعد 5 سنوات.. تخنقها الرداءة والتهافت