انتهت مرحلة الحبيب الصيد في تونس، وذلك إثر سحب الثقة من حكومته في البرلمان التونسي من خلال رفض 118 نائبًا تجديد الثقة لها من مجموع 217. تحولت بذلك حكومة الصيد إلى "حكومة تصريف أعمال"، إلى حين تكوين الحكومة الجديدة. ووفق القانون التونسي، يقوم رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في أجل 10 أيام بإجراء مشاورات مع عدد من الأحزاب والمنظمات الوطنية، ضمن مبادرته "اتفاق قرطاج"، لتكليف الشخصية التي يعتبرها الأقدر من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر.
اقترح الباجي قائد السبسي اسم وزير الشؤون المحلية في حكومة الصيد يوسف الشاهد ليكون رئيسًا للحكومة القادمة
في الأثناء، ومنذ الإعلان عن التخلي عن الحبيب الصيد تعددت الأسماء المقترحة لخلافته من كل الفاعلين في المشهد العام وتناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي بسرعة، لكن اجتماع قصر قرطاج الإثنين 1 آب/أغسطس ليلًا، وهو أول اجتماع تشاوري منذ سحب الثقة، كشف الستار عن الاسم المقترح من الباجي قائد السبسي، إنه يوسف الشاهد، وزير الشؤون المحلية في حكومة الصيد الأخيرة.
ويوسف الشاهد، هو قيادي في حزب نداء تونس ومن المقربين من الباجي قائد السبسي، إذ سبق أن عيّنه رئيسًا للجنة الـ13 في حزب نداء تونس، وهي لجنة صلحية لحل الخلاف حينها داخل الحزب، وقبل أن يشغل منصبه الحالي، شغل في حكومة الصيد الأولى منصب كاتب دولة للفلاحة. والشاهد من مواليد أيلول/سبتمبر 1975 وهو أستاذ جامعي وخبير دولي في السياسات الفلاحية، متحصل على الدكتوراه في العلوم الفلاحية من باريس. واشتغل قبل الثورة خبيرًا دوليًا في السياسات الفلاحية لدى عدد من المنظمات كالاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة واشتغل أيضًا في تخطيط سياسات التعاون في مجال الأمن الغذائي والشراكة الفلاحية بين تونس والولايات المتحدة.
طرح اسم الشاهد لم يكن مفاجئًا إذ سبق تداوله في كواليس السياسة التونسية منذ فترة باعتبار سنه والتوجه المعلن نحو التعويل على الشباب في الحكومة القادمة، كما أنه من قيادات حزب نداء تونس، وقد تتالت دعوات مؤخرًا لأن يكون رئيس الحكومة، هذه المرة، من الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية الأخيرة، دون نسيان كونه يحظى بثقة قائد السبسي.
وجاء إعلان اسم الشاهد إثر اجتماع قصر قرطاج أمس بين رئيس الجمهورية وممثلي الأحزاب والمنظمات المشاركة في الحوار حول مبادرته في تشكيل حكومة وحدة وطنية، أو هكذا أطلق عليها. ومن الحضور ممثلين عن الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري وممثلين عن أحزاب نداء تونس، النهضة، أفاق تونس، الاتحاد الوطني الحر، المسار، الجمهوري، حركة الشعب، المبادرة الوطنية الدستورية وحركة مشروع تونس.
اقرأ/ي أيضًا: في جلسة سحب الثقة من الصيد.. قليل من الصراحة
المعارضة: لا للأقارب ووزراء الصيد
ردود الفعل اختلفت من ترشيح قائد السبسي لاسم يوسف الشاهد رئيسًا للحكومة القادمة، وحسب مصادر لـ"الترا صوت"، لم يبد رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، الحليف الرئيسي لنداء تونس في الائتلاف الحاكم حاليًا، أي تحفظ واكتفى بطلب مهلة للتشاور مع مؤسسات حزبه. من جانبه، صرح حسين العباسي أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر منظمة نقابية في تونس، أن اسم رئيس الحكومة غير مهم في حد ذاته والأهم هو الاتفاق على برنامج هذه الحكومة.
وأكدت مصادرنا تحفظ بعض الأحزاب المعارضة المشاركة في المشاورات، وخاصة حزب حركة الشعب القومية، التي عبرت عن رفضها للمرشح باعتبار وجود صلة قرابة له، وإن كانت غير مباشرة، مع رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي. وجاء في تصريح لرئيس كتلة الاتحاد الوطني الحر طارق الفتيتي، لأحد وسائل الإعلام المحلية، أن "مقترح قائد السبسي فاجأ حزبه"، مؤكدًا تواصل المباحثات حول اسم الشاهد أو غيره.
أما المعارضة التي رفضت المشاركة في مشاورات تكوين هذه الحكومة فكانت ردة فعل عدد من قياداتها سريعة وواضحة في اتجاه معارضة اسم الشاهد. وقد جاء في تدوينة للقيادي في الجبهة الشعبية اليسارية الجيلاني الهمامي، على صفحته الرسمية في موقع فيسبوك: "الصفة المطلوبة والمعيار الحاسم في اختيار رئيس الحكومة القادمة هو انتماؤه للعائلة، ما زاد على ذلك خطاب للاستهلاك والتمويه والكذب".
وفي مواقع التواصل الاجتماعي، استغرب البعض ترشيح وزير كان في حكومة سحبت منها الثقة لفشلها، مؤكدين ضرورة أن تكون الأسماء المرشحة لرئاسة أو عضوية الحكومة القادمة من خارج حكومة الصيد. البعض الآخر رأى في ترشيح الشاهد غياب ثقة رئيس الجمهورية في قيادات الحزب الذي أسسه، أي نداء تونس، وتعويله بشكل واضح على عناصر من عائلته فقط خلال الفترة القادمة.
واقتداء بمناسبات سابقة، رجح آخرون أن يندرج إعلان اسم الشاهد في إطار المناورة وجس نبض الشارع التونسي لا أكثر مؤكدين احتفاظ قائد السبسي بأوراق أخرى سيعلنها في الوقت الذي يراه مناسبًا. كما ذكّر البعض الآخر بانتماء الشاهد إلى عائلات "أرستقراطية" تونسية، من العائلات التي تواترت على مناصب الحكم في تونس منذ زمن بورقيبة وهو الأمر الذي يزعج جزءًا من التونسيين منذ عقود.
اقرأ/ي أيضًا: مبادرة السّبسي ومشكل التّشخيص
"ولدك في دارك".. دعوات للقطع مع التوريث السياسي
ترفض المعارضة التونسية ترشيح يوسف الشاهد لرئاسة الحكومة القادمة وتحذر من تأثير عائلة الرئيس على سير دواليب الحكم في تونس
ليلة سحب الثقة من حكومة الصيد، انتشر هاشتاغ #ولدك_في_دارك بشكل ملحوظ، واستوحى التونسيون ذلك من تدخل النائب عن الجبهة الشعبية عمار عروسية، خلال جلسة سحب الثقة السبت الماضي، حيث قال موجهًا كلامه للباجي قائد السبسي "ولدك في دارك"، ملمّحًا إلى تدخل ابنه في شؤون الدولة وإلى محاباة من الرئيس تُجاه ابنه. وقد أثير هذا الجدل خاصة إثر حضور حافظ قائد السبسي نجل الرئيس في المفاوضات من أجل تكوين حكومة الوحدة الوطنية رفقة والده وشكك البعض في طرح الرئيس اسم ابنه مرشحًا لرئاسة الحكومة القادمة.
ويتولى حافظ قائد السبسي، الإدارة التنفيذية في حزب نداء تونس بعد انشقاق الأمين العام السابق محسن مرزوق وتأسيسه لحزب مشروع حركة تونس، رفقة عدد من القيادات الأخرى. وعاد نقاش التوريث السياسي مع إعلان اسم يوسف الشاهد، رغم أن قرابته برئيس الجمهورية غير مباشرة. في هذا السياق، قال طارق الكحلاوي، عضو الهيئة السياسية لحراك تونس الإرادة، في تصريح تلفزي إن "هناك إطارًا عائليًا بصدد التأثير على الرئيس، فمدير ديوانه من عائلته، وأحد وزراء حكومة الصيد من عائلته أيضًا، وهو من المرشحين البارزين في الكواليس لرئاسة الحكومة القادمة"، وهو يقصد هنا وزير الشؤون المحلية الحالي يوسف الشاهد. ويضيف الكحلاوي: "الأجواء حول رئيس الجمهورية مثيرة للانتباه، وهي تذكر بأوضاع تونس سنة 1986، خاصة لتشابه الوضع الاقتصادي الصعب والارتهان بشكل متزايد لصندوق النقد الدولي وتأثير العائلة على الرئيس".
ومن المنتظر أن تجتمع الأطراف المشاركة في الحوار حول حكومة الوحدة الوطنية، صباح الأربعاء 3 آب/أغسطس بقصر الرئاسة بقرطاج لتقديم موقفها الرسمي من مقترح رئيس الجمهورية. وخلال هذا الاجتماع من المتوقع أن تحسم الأمور ويتم تكليف الشخصية المقترحة بالانطلاق في المشاورات لتكوين الحكومة قصد عرضها على مجلس نواب الشعب لنيل الثقة في أقرب الآجال.
وتطالب المعارضة في تونس أن يكون رئيس الحكومة القادمة على مسافة واضحة من رئيس الجمهورية تجنبًا لما تعتبره "التغول" واحتكار السلطات إضافة إلى تحذير عديد القيادات المعارضة من خطر التدخل العائلي في شؤون الدولة في تذكير بما آل إليه الوضع خلال السنوات الأخيرة من حكم بورقيبة والتي تلاها انقلاب بن علي سنة 1987. لكن يرى متابعون للشأن السياسي التونسي أن القبول باسم الشاهد لا يزال مطروحًا خاصة لرغبة حزبي نداء تونس والنهضة أن يعمل رئيس الحكومة القادم في تناغم وتنسيق مع رئيس الجمهورية أملًا في زحزحة الوضع المتأزم اجتماعيًا واقتصاديًا في البلاد، على حد تعبير قيادات الحزبين.
اقرأ/ي أيضًا: