إلى وقت قريب كان السرد غائبًا عن الأدب الموريتاني الذي هيمنت عليه القصيدة، ولعل هذا ما يفسر تأخر ميلاد الرواية الموريتانية، إذ ظهرت أول عمل روائي موريتاني في العام 1981، وكان صاحبه قد عُرف من قبل بوصفه شاعرًا. ما يعني، إذا جاز التعبير، أن الرواية الموريتانية ولدت من رحم الشعرية.
ولكنها، في الآونة الأخيرة، عرفت شكلًا مع أشكال الطفرة مع توجه عدد من الكتاب الشباب نحو هذا اللون الأدبي للتعبير عن هموم الواقع. ومع وجود طلب من جمهور القرّاء على السّرد، باتت الطريق معبّدةً للرواية في سعيها لمزاحمة القصيدة.
وفي هذه المقالة، نستعرض 5 روايات موريتانية مُختارة بناءً على الانتشار والمقروئية، بالإضافة إلى البُعد التاريخي في ظهور الرواية موريتانيًا.
1- الأسماء المتغيّرة
يتناول الشاعر الموريتاني أحمد ولد عبد القادر في روايته "الأسماء المتغيّرة" (دار الباحث، 1981) التي تُعد أول رواية موريتانية، أحوال موريتانيا في مختلف الفترات التي تعاقبت عليها، فالأسماء المتغيرة لبطل الرواية ترمز إلى الأوضاع المتغيرة للبلد في سيرورة وجوده، بدءًا بحالة حرب الكل ضد الكل التي تعبّر عنها حروب القبائل، وحالة السيبة وغياب السلطة المركزية، مرورًا بدخول المستعمر الفرنسي إلى البلاد بسطوته وعنفه، وصولًا إلى ميلاد الدولة الحديثة التي لم تتمكن من حسم قضايا العدالة والمساواة وتأسيس عقد اجتماعي أساسه المواطنة، فاستمرت في صلبها تناقضات المجتمع التقليدي بصراعاته وثارات قبائله.
وإلى جانب هذه الرواية التأسيسية، ألّف الكاتب رواية "القبر المجهول" (الدار التونسية، 1984) التي تتناول، تقريبًا، الموضوع ذاته الذي تتناوله رواية "الأسماء المتغيّرة"، حيث تتعرض لدينامية الصراع في المجتمع الموريتاني ولكن في فترة محددة تتمثل في منتصف القرن التاسع عشر، قبل دخول الاستعمار الفرنسي إلى موريتانيا.
أما رواية المؤلف الثالثة "العيون الشاخصة" (الأيام الفلسطينية، 2009)، فتعالج قضية محورية في التاريخ الاجتماعي الموريتاني، وهي مسألة الجفاف والجدب في بيئة صحراوية تمثل الصحراء ثلاثة أرباع مساحتها. فقد كان الجفاف أهم عامل في استيطان البدو للمدن ومفارقة نمط الحياة الرعوية القائمة على الترحال وعدم الاستقرار.
2- مدينة الرياح
صُنّفت رواية "مدينة الرياح" (الآداب، 1996) ضمن قائمة أفضل 100 رواية عربية، وهي للكاتب والروائي الموريتاني موسى ولد أبنو الذي احترف الفلسفة تكوينًا من خلال شهادة دكتوراه من "جامعة السوربون"، ومارس الكتابة الأدبية تأليفًا مستفيدًا من خلفيته الفلسفية في نسج عوالم عمله الروائي.
تعالج الرواية إشكالية الذات والهوية في عوالم مختلفة إلى الحد الذي لم يُعدّ فيه بطلها يعرف هويته من طول التيه في هذا المحيط المتلاطم من الأسماء والأماكن والشخوص: "هل أنا الشاب الفنفاري الوثني الذي كان يعيش بسعادة في بلاد الذهب؟ أم أنا العبد المسلم الذي يقطع المجدبة الكبرى لا يدري إلى أين؟ أم أنا ذلك الكائن الأرضي المسكون بعناصر كونية غريبة على الأرض جعلتني أهيم بأكوان أخرى؟ قد لا أكون واحدًا منها بل الثلاثة معًا.. في وقت واحد".
ولموسى ولد أبنو روايات أخرى، مثل "الحب المستحيل" (دار الآداب، 1999)، ورواية "حج الفجار" (دار الآداب، 2005).
3- عناقيد الرذيلة
يُعمل الكاتب أحمد ولد الحافظ في روايته "عناقيد الرذيلة" (الدار العربية للعلوم ناشرون، 2016) مشرط الأديب في مسألتين حسّاستين في موريتانيا؛ الأولى هي مسألة العبودية التي مورست على شريحة واسعة في المجتمع الموريتاني هي شريحة الحراطين، وتوظيف الدين في إضفاء الشرعية عليها، لا سيما من خلال الطبقة القائمة على تدبير حقل المقدّس المعروفة بالزّوايا الذين يمثلون السلطة الدينية إلى جانب بني حسّان الذين يمثلون السلطة الزّمنية. ويرمز الكاتب إلى هذه المجموعات من خلال أسماء أبطال الرواية المعبرة عن انتمائهم الطبقي.
ويعالج الكاتب في سياق هذه المسألة قضايا الاستغلال والعنف الجنسي والقهر بمختلف أشكاله. أما المسألة الثانية التي تعالجها الرواية، فهي مسألة الهوية في سياق مجتمع مركب إثنيًا وعرقيًا من عرب وزنوج. ومن خلال قضية الهوية، يسلط الكاتب الضوء على مسائل التعريب والصراع على النفوذ في بيروقراطية الدولة.
4- وادي الحطب
"وادي الحطب" (ميارة، 2019) لمؤلفها الشيخ أحمد البان، رواية تاريخية اجتماعية تجري أحداثها في الفترة من عام 1930 إلى 1945. وتعالج، كسابقتها "عناقيد الرزيلة"، مواضيع التفاوت الطبقي والفئوي داخل المجتمع، وتأثير الاستعمار على المؤسسات التقليدية الموريتانية التي روّضها لخدمة أجندته.
كما تتناول الرواية الفائزة بجائزة كتارا للرواية العربية المنشورة لعام 2020، جوانب مختلفة من الثقافة الشعبية الموريتانية على شاكلة الموسيقى، ومواضيع الحب والزواج في المجتمع الموريتاني المحلي.
5- البرّاني
تتراوح عوالم رواية "البرّاني" (الآداب، 2021) للكاتب الصحفي أحمد ولد إسلم بين عالم المدينة السريع والمتشبع بقيم الفردانية، وعالم آخر بإيقاع هادئ يدور حول أصالة التقاليد، ويرمز إلى العالم البدوي.
وتلوح الثنائية ذاتها في مزج الكاتب، الطريف، بين الموسيقى الموريتانية التقليدية وواقعة التكنولوجيا التي اخترقت كل مستويات حياة البشر. وهو في ذلك يستشرف مستقبلًا غامضًا يذهب في التصورات المتشائمة إلى أن الآلة قد تعوّض الإنسان.