في سلسلة "جيم أوف ثرونز - Game of Thrones"، شاهدنا على مدار المواسم السبعة، كيف أن شخصيات المسلسل الرئيسة تتصارع فيما بينها من أجل الحصول على السلطة والسيطرة على الممالك السبع/ويستروس، حيث يستخدم كل منهم استراتيجيات مختلفة لتعزيز فصيلهم، وتحقيق أهدافهم في لعبة العروش.
لقادة قوى التغيير يد في هزيمتهم أمام القوى الرجعية، يتمثل في تبنيهم مقاربات مبالغ فيها ومحفوفة بالمخاطر، بعيدًا عن شروط الموضوعية
إنطلاقًا من هذه الدراما، ومن استراتيجيات المتصارعين على السلطة في المسلسل الأكثر شهرة عالميًا، نستعرض لكم خمسة دروس مستخلصة من "Game of Thrones":
1. القوة وحدها لا تكفي لتحرير الناس من العبودية
كان لدى أم التنانين، دينيريس، كل القوة والمشروعية لتنجح في القضاء على العبودية بشكل حاسم، فقد كان لديها أقوى جيش، وتنانين تنفث النار، وفوق ذلك هدف مقنع ونبيل يتمثل في إنقاذ الناس من نير تسلط طبقة الأسياد، ومع ذلك فشلت بطريقة بائسة، واضطرت للقبول بهذه العادة في الأخير للحفاظ على ملكها، بل كادت أن تُقتل بعد أن هاجمها المتمردون الأسياد في ساحة المصارعة، لولا التنين الذي قدم لإنقاذها في الوقت المناسب.
اقرأ/ي أيضًا: "Game of Thrones" في ذكرى فضّ رابعة العدوية
فلماذا فشلت بشكل مزري في تحقيق هدفها؟ السبب يعود إلى ما يطلق عليه في لغة العلاقات الدولية بـ"القوى الرجعية"، التي تسعى جاهدة إلى الحفاظ على الوضع القائم حتى لا تفقد مصالحها. فكر في ما حدث للثورات العربية.
لكن "القوى الرجعية" لا تستطيع وحدها التغلب على قوى التغيير، خاصة إن كانت الأخيرة تملك قوة أكبر ومشروعية أكثر، وإنما يكمن سر انهزام قوى التغيير في معظم الحالات، وهو ما تؤكده دراسة إحصائية لجيسون ليال من جامعة ييل، إلى ميل قادة التغيير إلى تقديم وعودًا عظيمة تبشر بعالم جديد ملؤه كله خير، ومن ثمة يحتاجون إلى إظهار أنهم صادقين، فيتبنون مقاربات مبالغ فيها ومحفوفة بالمخاطر من أجل الوفاء بوعودهم، متجاهلين الشروط الموضوعية لمستوى وعي المجتمع والبنيات الثقافية المترسخة في عقول الناس، بدلًا من اتباع أساليب أكثر ذكاءً وحكمة، تتناسب مع ظرفية خلق نظام جديد، التي تتطلب الكثير من التروي والتدرج والنضج.
2. عندما يكون هناك خطر أكبر فلا معنى للسلطة
أدرك جون سنو مبكرًا ضخامة التهديد الذي يواجه الممالك السبع، لذلك حاول جاهدًا حشد كل الملوك المتصارعين لوقف زحف السائرين البيض، وعمل على إقناعهم بأن شجاراتهم الداخلية لا معنى لها مقارنة مع الخطر القادم من وراء السور، ما يستدعي منهم التخلي عن طموح الريادة والعرش، والتركيز على التهديد الأكبر الذي يداهمهم.
يُشّبه كريستفر هوبرسين، الكاتب بموقع فوكس، هذا الأمر بقضية تهديد تغير المناخ الذي يتطلب جهودًا عالمية جماعية، وتجاهل النزاعات السياسية والحسابات الاقتصادية بين الدول، من أجل التغلب على هذا التحدي الذي يهدد البشر جميعًا، فالدراسات العلمية في هذا الشأن تحذر فعلًا العالم من أن "الصيف قادم" وللأبد!
مهمة توحيد فرقاء متصارعين من أجل صد خطر أكبر، ليست دائمًا بتلك السهولة، حتى لو كان الخطر حقيقيًا ووشيكًا، فهناك دائمًا من يتهرب من واجبه اتجاه الكل من أجل مصالح خاصة ضيقة، تمامًا مثلما فعلت سيرسي التي رفضت في قرارات نفسها الذهاب مع جون سنو لقتال السائرين البيض، وهو فعلته إدارة ترامب بتنصلها من اتفاق باريس للمناخ.
3. الخوف يمكن أن يعوض القوة في السلطة
عندما تعرضت سيرسي للإهانة، بعد أن خرجت عارية أمام العامة بحكم من المعبد الديني، لجأت إلى استراتيجية غير مكلفة، لاستعادة هيبة عرش عائلتها، فمع أنها كانت في وضعية معزولة وهشة عسكريًا، ومدينة اقتصاديًا للبنك الحديدي، فإنها استطاعت بالفعل الظفر بالعرش والتخلص من أعدائها واحدًا تلو الآخر، وفرض احترامها على الناس، كل ذلك من خلال زرع الخوف في نفوس الأعداء والعامة بأساليبها الماكرة.
لطالما لجأت الديكتاتوريات إلى استخدام استراتيجية زرع الخوف والهلع في نفوس الشعوب لتسهل السيطرة عليهم بالحديد والنار
واستراتيجية "زرع الخوف" كأسلوب في الحكم هي ليست بالجديدة، فلطالما استخدمتها الدكتاتوريات على مدار التاريخ، فليس هناك قوة مادية قادرة وحدها على السيطرة على ملايين الناس، وإنما تحتاج الجموع إلى نوع من السلطة غير المرئية فوق رؤوسهم، ترسم أمامهم عواقب تجاوز الخطوط الحمراء. " فالخوف يجعل الناس أكثر حذرًا، وأكثر طاعة، وأكثر عبودية"، كما يقول الفيلسوف الإغريقي سقراط.
اقرأ/ي أيضًا: كيف جرت عملية إجهاض الربيع العربي؟
ومن أجل ذلك، تعمل الدكتاتوريات بتفان على نشر طاعون الخوف ببلدانها، موظفة مجموعة من الطرق الخبيثة لزرع الرعب في نفوس الناس والمعارضين، بالاعتماد على التعذيب والاغتيالات والتجسس وترويج الأساطير المضخمة عن قوة القائد، تمامًا كما كان يفعل ستالين.
4. سلطة القمع والقهر تلجأ إلى الدين
كان الدين عنصرًا حاضرًا بقوة في تأثيث سلسلة "Game of Thrones"، بدءًا من الآلهة القديمة التي تعبد في إيستيروس، مرورًا بإله النور الخاص بالكاهنة الحمراء ميليسيندرا، إلى الإله المتعدد الأوجه الذي خدمته آريا ستار لفترة من الوقت.
لكن ما يثير في المسلسل هو استخدام كل القادة للدين كقوة مساعدة للوصول إلى مزيد من السلطة؛ على سبيل المثال، قررت سيرسي التحالف مع فصيل قوي من الأصوليين الدينيين في كينغز لاندنغ، من أجل تقزيم نفوذ عائلة زوجة ابنها الأصغر في المملكة،
وبالفعل حكم المعبد الديني على عروس ابنها الملك بالسجن، إلا أن نيران أصدقائها الأصوليين وصلتها هي الأخرى، وأمضت الملكة وقتا مريعا بالزنزانة، قبل أن يفرج عنها بتكفير ذنوبها من خلال الخروج عارية أمام الشارع، كنوع من الإهانة لملكها من قبل المعبد.
هذا ما تقوم به الديكتاتوريات العربية تحديدًا، حيث تتحالف مع القوى الدينية الأصولية، أو في أفضل الحالات تتجاهل تضخمها، بغاية محاربة القوى المتنورة الراغبة في التغيير، إلا أنها سرعان ما تسقط في نهاية المطاف في الشرك الذي صنعته بيدها، إذ "عندما يقع عوام الناس في فخ التخيير بين "أهل الله" من جهة، و "أصحاب" الملك من جهة ثانية، فسيختار الناس الله دائما" كما يقول المفكر المغربي سعيد نشيد.
5. التكنولوجيا النوعية لا الكمية هي سر القوة
للآلاف السنين هاجم السائرون البيض في "Game of Thrones"، البشر، لكنهم لم يفلحوا أي مرة في اجتياح أراضيهم، رغم أعدادهم الهائلة، بفضل حراس الليل الذين لا يتجاوز عددهم بضع مئات، حيث قاموا ببناء جدار كبير لمنع السائرين البيض من العبور، علاوة على الأدوات الفتاكة التي بحوزتهم، وكانوا أكثر تنظيما وتخطيطا في مواجهة الأعداء.
لا يختلف الأمر الكثير في الساحة الواقعية، فالجهات التي تملك أسلحة نوعية يمكنها أن تتفوق على أعدائها حتى لو كانوا أكثر منها عددا، ويتذكر العالم كيف أن الجماعات الأفغانية المقاتلة استطاعت تكبيد الاتحاد السوفياتي بترسانته الهائلة خسائر فادحة، بفضل صواريخ ستينغر التي زودتها بها الولايات المتحدة الأمريكية في سياق محاربة الشيوعية الحمراء خلال تلك الفترة.
تعتمد الديكتاتوريات العربية لتعزيز سلطتها القمعية على التحالف مع القوى الدينية الأصولية أو استخدام سلطة الدين عمومًا كمُستندٍ لها
لذلك ليس غريبًا أن الدول الرائدة في التكنولوجيا اليوم هي من تقود العالم حقيقة، ليس فقط على المستوى القوة العسكرية، وإنما أيضا اقتصاديًا وصناعيًا وسياسيًا.
اقرأ/ي أيضًا: