يتعرّض المثقفون والفنانون، من الفلسطينيين أو المتعاطفين معهم، إلى قمعٍ غير مسبوق في ألمانيا بسبب تضامنهم مع قطاع غزة، وانتقادهم للحرب التي تشنّها "إسرائيل" عليه منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الفائت.
ويُعد القمع الذي تمارسه المؤسسات الثقافية والأكاديمية الألمانية، ضد الفلسطينيين والمتضامنين معهم، جزءًا من حرب مفتوحة تخوضها الحكومة الألمانية ضد كل ما هو فلسطيني، وكل من ينتقد "إسرائيل". فمنذ بداية العدوان على غزة، تتخذ ألمانيا موقفًا متطرفًا في انحيازه لـ"إسرائيل" ودعمها غير المشروط لها، وتبنيها لدعايتها حول ما جرى يوم السابع من أكتوبر، وأكاذيبها التي تبرّر عبرها عدوانها على غزة.
وعدا عن مواقفها السياسية، ودعمها الأهداف المعلنة من العدوان على غزة، أي القضاء على "حماس"، ورفضها الدعوة إلى وقف إطلاق النار؛ قمعت ألمانيا المظاهرات التضامنية مع غزة، ووصفتها بأنها "معادية للسامية"، ومنعت الطلاب من ارتداء "الكوفية" التي جرى تصنيفها كرمز للإرهاب، كما حُظر شعار "فلسطين ستتحرر من النهر إلى البحر" في ولاية بافاريا على اعتبار أنه، وبحسب زعمها، مُعادٍ للسامية.
ولم تخرج المؤسسات الثقافية والأكاديمية الألمانية، سواء الحكومية أو المستقلة، عن موقف الحكومة الألمانية. إذ فرضت هذه المؤسسات رقابة شديدة على الأصوات الفلسطينية وتلك والداعمة لها، ومارست ضدها ولا تزال قمعًا متصاعدًا غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية، بهدف إسكاتها.
وقد تحوّل الأمر مؤخرًا، مع اشتداد وتيرة القمع وتوسّعه، من مجرد تساوق مع موقف الحكومتين الألمانية والإسرائيلية، إلى حرب مفتوحة تخوضها هذه المؤسسات نيابةً عن "إسرائيل" ضد كل ما هو فلسطيني، وكل من ينتقد "إسرائيل"، بالتوازي مع تلك التي تخوضها الأخيرة على قطاع غزة.
وفيما يلي وقفة مع ومثقفين وفنانين تعرّضوا للقمع في ألمانيا لتضامنهم مع غزة، وانتقادهم لـ"إسرائيل".
1- عدنية شبلي
بعد أقل من أسبوع على بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، قرّرت إدارة معرض فرانكفورت للكتاب عدم تكريمالكاتبة والروائية الفلسطينية عدنية شبلي بجائزة "ليبيراتوربريس" (LiBeraturpreis) عن روايتها "تفصيل ثانوي"، بحجة أنها تتبنّى سرديات معادية لـ"إسرائيل" وللسامية كذلك.
وقد اتخذ المعرض حينها موقفًا صارخًا في انحيازه لـ"إسرائيل" ودعمه لعدوانها على قطاع غزة، إذ قال مديره يورغن بوس في تعليقه على ما يجري في غزة: "إننا ندين الإرهاب الهمجي الذي تمارسه حماس ضد إسرائيل بأشد العبارات الممكنة". وأضاف قائلًا: "الإرهاب ضد إسرائيل يتناقض مع كل قيم معرض فرانكفورت للكتاب".
2- ماشا جيسن
تعرّضت الكاتبة والصحفية الأمريكية – الروسية ماشا جيسن لهجوم كبير بسبب موقفها من الحرب على غزة، الذي دفع مؤسسة "هاينريش بل" الألمانية إلى الانسحاب من منحها "جائزة حنة أرندت للفكر السياسي"، فيما ألغى مجلس شيوخ مدينة بريمن حفل منحها الجائزة.
جاء هذا الهجوم وما ترتب عليه بسبب مقال نشرته جيسن في مجلة "نيويوركر" الأمريكية بعنوان "في ظل الهولوكوست"، انتقدت فيه موقف ألمانيا وسياساتها تجاه "إسرائيل"، بما في ذلك تصنيف مجلس النواب الألماني (البوندستاغ) "حركة مقاطعة إسرائيل" بأنها حركة معادية للسامية.
كما قارنت بين ما يتعرّض له أهالي قطاع غزة، وما تعرّض له اليهود في أوروبا الشرقية خلال الحرب العالمية الثانية. وقالت إن القطاع تحوّل خلال السنوات الـ17 الماضية إلى "غيتو" يشبه الأحياء اليهودية في إحدى دول أوروبا الشرقية التي احتلها النازيون، مؤكدةً أن "إسرائيل" تمارس عقابًا جماعيًا بحق سكانه.
3- لوري أندرسون
انسحبت الفنانة والموسيقية والمخرجة السينمائية الأمريكية، لوري أندرسون، من منصبها كأستاذة زائرة في جامعة فولكانغ الألمانية، بعد اعتراض إدارتها على موقفها التضامني مع فلسطين، وتحقيقها معها بشأن موقفها من "إسرائيل"، وذلك بسبب توقيعها على بيان بعنوان "رسالة مفتوحة ضد الفصل العنصري"، كتبها فنانون فلسطينيون عام 2021، تدعو إلى وقف العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.
وقالت أندرسون إن الإدارة سألتها عما إذا كان موقفها من "إسرائيل" قد تغيّر. وأضافت في بيان صحفي: "بالنسبة لي، السؤال ليس ما إذا كانت آرائي السياسية قد تغيّرت. السؤال الحقيقي هو لماذا يُطرح عليّ هذا السؤال أصلًا؟". وأكملت: "بناءً على هذا الوضع، أنسحب من المشروع".
4- كانديس بريتز
ألغى "متحف سارلاند" معرضًا للفنانة اليهودية من جنوب إفريقيا المقيمة في برلين، كانديس بريتز، بسبب موقفها من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. فعلى الرغم من أنها أدانت عملية "حماس"، لكنها اعتبرت في المقابل أن ما تفعله "إسرائيل" في غزة هو عقاب جماعي للمدنيين.
وقال متحف "سارلاند" في تبريره لإلغاء معرض بريتز إنه لن يوفر: "منصة للفنانين الذين لا يعترفون بإرهاب حماس باعتباره ’تمزقًا في الحضارة‘، أو الذين يطمسون، بوعي أو بغير وعي، الحدود بين الأعمال المشروعة وغير المشروعة".
من جهتها، اعتبرت بريتز أن مستقبل الفن المعاصر في ألمانيا قد يشبه إلى حد كبير ما جرى في الماضي، لافتةً إلى أن اليهود التقدميين في ألمانيا، الذين لديهم وجهات نظر معارضة، يتم استهدافهم بشكل متزايد.
5- شاهيدول علام
عزل البينالي الألماني للتصوير المعاصر مديره المصور البنغلادشي الشهير شاهيدول علام، بسبب تضامنه مع قطاع غزة وإدانته للحرب التي تشنّها "إسرائيل" عليه، عبر منشورات رأى القائمون على الحدث أنها معادية للسامية.
واعتبر المنظمون ما ينشره علام محتوى معادٍ للسامية لكونه يقارن بين الحرب الحالية على قطاع غزة والهولوكوست، إضافةً إلى اتهامه "إسرائيل" بارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في غزة.
ونفى علام في تصريحات صحفية أن يكون معاديًا للسامية، مؤكدًا أنه يُعادي الصهيونية، والاستعمار، والاستعمار الاستيطاني، والعنصرية، والفصل العنصري، والإبادة الجماعية. لافتًا إلى أن ألمانيا تخلط بين معاداة السامية ومناهضة الصهيونية، معتبرًا أن ذلك يخدم أجندة التفوق الأبيض.
6- أنيس دوبلان
ألغى متحف فولكوانغ بمدينة إيسن غرب ألمانيا، معرضًا للفنان أنيس دوبلان – من هايتي – بسبب موقفه من الحرب على غزة. وقال مدير المتحف، بيتر غورشلوتر، إن دوبلان نشر منشورات: "غير مقبولة لا تعترف بالهجوم الإرهابي الذي شنّته حماس"، وتعتبر الحرب على غزة: "إبادة جماعية".
وبرّر غورشلوتر قرار المتحف بإلغاء معرض أنيس دوبلان، وتعليق التعاون معه كذلك، بأن وجود الأخير قد يضع المتحف: "في وضع قد يُنظر فيه إلى المتحف على أنه يدعم الميول والأصوات المعادية للسامية التي تشكك في حق دولة إسرائيل في الوجود".