دخلت المحاماة التونسية في إضراب عام مفتوح بجميع المحاكم التونسية بداية من 5 كانون الأول/ديسمبر الجاري رفضًا لحزمة الضرائب الجديدة المحمولة على المحامين في قانون المالية لسنة 2017، الذي انطلق البرلمان في مناقشته. ويأتي هذا الإضراب بعد سلسلة من التحركات الاحتجاجية أقرتها هيئة المحامين، آخرها إضراب لمدّة ثلاثة أيام نهاية الشهر المنقضي، ليظلّ السؤال حول آفاق الأزمة بين الحكومة وقطاع المحاماة، الذي هدّد بالعصيان الجبائي في صورة فرض الحكومة لقانونها.
أدى الإضراب العام للمحامين في تونس لتعطيل المرفق القضائي، كما هدّدوا بالعصيان الجبائي
بعيدًا عن المسائل الفنية، بين مقترحات الفريق الحكومي من جهة وعمادة المحامين من جهة أخرى بخصوص كيفية تحصيل الجباية ومراقبة شفافيتها، اعتبر المحامون أن الحكومة تستهدف عبر قانون المالية الجديد استقلالية المحاماة وحريّتها لأداء مهامها. وهو ما جعل هيئة المحامين، التي انتخب رئيسها العميد عامر المحرزي قبل بضعة أشهر، تستنفر قواها طيلة الأسابيع الماضية. وفي هذا الإطار، عقدت الهيئة مؤخرًا اجتماعًا ضمّ العمداء السابقين لتأكيد دعمهم للموقف الحالي للهيئة، وذلك مع تسجيل غياب العميد الأسبق الأزهر القروي الشابي، الذي يتولى حاليًا منصب مستشار شخصي لرئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي.
اقرأ/ي أيضًا: ما هي ملامح الأزمة بين حكومة تونس و"اتحاد الشغل"؟
أدى الإضراب العام المفتوح للمحامين إلى تعطيل المرفق القضائي، كما هدّد المحامون في وقت سابق بالعصيان الجبائي، فيما يبيّن بأن الحكومة لا تملك بالنهاية خيارات عديدة لمواجهة غضب المحامين، عدا الالتزام بالمقترحات المقدّمة منهم والتي يعتبرونها تحقق العدالة الجبائية وتحفظ استقلالية المحاماة. ويملك المحامون، الذين يبلغ عددهم أكثر من 9000 في تونس، أوراق ضغط أخرى على غرار سحب ممثليهم في الهيئات الدستورية، وذلك حسب ما دعا إليه بيان سابق للعمادة.
ويقف جلّ المحامين في البرلمان صفًا واحدًا إلى جانب الموقف الرسمي للهيئة القطاعية وذلك في تجاوز للمواقف الرسمية للأحزاب التي يمثلونها بما في ذلك الأحزاب الحاكمة. ويضمّ مجلس نواب الشعب 35 محاميًا من بينهم عبد الفتاح مورو نائب رئيس المجلس، ونورالدين البحيري رئيس كتلة حركة النهضة وهي الكتلة الأكبر الداعمة للحكومة، وكذلك أحمد الصديق وغازي الشواشي اللذان يترأسان الكتلتين الممثلتين للمعارضة. حيث تمثل المحاماة المهنة الأكثر تمثيلًا في البرلمان.
ويمثل قطاع المحاماة في تونس أحد أكثر القطاعات تأثيرًا في الحياة الاجتماعية والسياسية في تاريخ البلاد، ولذلك يفضل العديد بتسميتها بـ"قلعة النضال"، حيث تنحدر نسبة كبيرة من الفاعلين السياسيين من هذا القطاع الحيوي. فأول رئيس للجمهورية الحبيب بورقيبة، الذي حكم البلاد لأكثر من 30 سنة هو ابن المهنة، وكذلك الرئيس الحالي الباجي قايد السبسي، الذي امتهن المحاماة منذ سنة 1952.
كما عرف هذا القطاع المزيد من النفوذ بعد الثورة بما أن جزءًا كبيرًا من الفاعلين السياسيين من مختلف الأحزاب تنتمي لهذا القطاع، من بينهم الرئيس الحالي قائد السبسي الذي كان وزيرًا أولًا في الحكومة الانتقالية الأولى سنة 2011، وتم في عهده سنّ مرسوم جديد للقطاع. كما نص لاحقًا دستور البلاد سنة 2014 على أن المحاماة "تشارك في إقامة العدل والدفاع عن الحقوق والحريات".
لا يلقى قانون المالية الجديد رفضًا من قطاع المحامين فقط، بل شمل الرفض الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر منظمة نقابية في البلاد
اقرأ/ي أيضًا: الاحتجاجات الاجتماعية في تونس.. عود على بدء؟
وقد لقي موقف قطاع المحاماة الحالي من قانون المالية الجديد مساندة من شخصيات وطنية من بينها الرئيس السابق المنصف المرزوقي، الذي قدّم ما وصفها شهادة للتاريخ بقوله "لم يوجد في تونس سلك مهني وقف مع الحريات وحقوق الإنسان في ربع القرن الأخير قدر سلك المحاماة".
من جهتها، اعتبرت وزارة المالية أن عميد المحامين قام بتراجع "غير مبرر" بخصوص مقترح الجباية، معتبرة أن العمادة اعتمدت مؤخرًا "نبرة تصعيديّة لم تفهم مبرّراتها الموضوعيّة". وأكدت الوزارة في الأثناء حرصها على "مواصلة الحوار الجدّي والمسؤول" لحلّ هذا الملفّ العالق.
وبالموازاة، لا يلقى قانون المالية الجديد رفضًا من قطاع المحامين فقط، بل شمل الرفض الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر منظمة نقابية في البلاد، بسبب مقترح تأجيل الزيادات في الأجور وهو ما رفضته المنظمة الشغيلة لتعلن إضرابًا عامًا في البلاد يوم 8 كانون الأول/ديسمبر القادم. كما ترفض مهن حرّة أخرى الضرائب الجديدة على غرار الأطباء والصيادلة بسبب ما اعتبروه حيفًا بحقّهم.
وتعيش تونس هذه الأيام أسبوعًا حاسمًا لحلّ جميع الملفات العالقة في قانون المالية ذلك أن يوم 10 كانون الأول/ديسمبر هو آخر أجل دستوري لمصادقة البرلمان على قانون المالية للسنة القادمة.
اقرأ/ي أيضًا: