"تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن"، خاصة لو أن للسفن طموحًا مبالغًا فيه، يتجاهل الواقع وتحدياته، كما هو الحال مع خطة التطوير الاقتصادي السعودية ضمن "رؤية 2030"، التي يقودها محمد بن سلمان الأمير الشاب المعروف بتهوره وطيشه كما تصفه الصحافة الغربية. وقد أوضح ذلك جاسون بوردوف، مستشار الطاقة للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، ومدير مركز سياسات الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، في مقال له بصحيفة فاينانشال تايمز، ننقله لكم مترجمًا بتصرف.
بعد عام واحد من انطلاقها، تشير التقارير إلى تباطؤ وتيرة العمل وفق الخطة الزمنية لبرنامج التحول الوطني في المملكة العربية السعودية، وهو حزمة من الأهداف والمبادرات المُصممة لتنفيذ خطة السعودية لتحقيق ما تسمى "رؤية 2030"، التي يفترض بها أنها قائمة على تنويع اقتصاد البلاد، وتقليل الاعتماد على عائدات البترول.
تبدو خطة السعودية لتحقيق "رؤية 2030" طموحة بشكل مبالغ فيه، ولا تراعي الواقع في العديد من نقاطها
بدا برنامج التحول الوطني طموحًا بشكل مبالغ فيه، فقد تضمن 543 مبادرة و346 هدفًا، وحاول التركيز على أهداف تبدو ملموسة، لكنها في الحقيقة ليست واقعية، على سبيل المثال يهدف البرنامج إلى زيادة العائدات غير النفطية لثلاثة أضعاف بحلول عام 2020، أي بعد نحو عامين من الآن، في حين أن ما تشهده السعودية الآن هو تباطؤ في سرعة الإصلاح الاقتصادي على عكس ما كان مخططًا له.
اقرأ/ي أيضًا: السعودية تطبّق رسوم مرافقي العمالة الوافدة.. وجه جديد لجباية الإفلاس؟
صحيح أن البرنامج طموح، وتبدي الدولة حماسة في تنفيذه، لكن طموحه هذا قد يكون أكبر العوائق أمامه، بسبب عدم اسنجامه مع الواقع في كثير من نقاطه.
ويُعد التحدي الرئيسي الذي يواجه السعودية، هو انخفاض أسعار النفط عالميًا، ويُضيّق ذلك مجال المناورة المالية، فقد قدّر صندوق النقد الدولي نقطة تعادل أسعار النفط في السعودية عند 84 دولارًا للبرميل، بينما يبلغ سعر البرميل من خام برنت حاليًا 53 دولارًا،. كما تعاني السعودية عجزًا ماليًا هائلًا، فقد تآكلت احتياطياتها من النقد الأجنبي بما يعادل الثلث تقريبًا منذ نهاية عام 2014، لتصل إلى ما دون 500 مليار دولار، أي إلى ما يقرب من المبلغ الذي قدمته لدونالد ترامب خلال ما عرف بقمة الرياض.
وقد تتمكن السعودية من الاستمرار في الاقتراض مستفيدةً مما لديها من احتياطيات، إلا أن احتمال استمرار تدني أسعار النفط، يشدد على ضرورة تقليص الفجوة المالية، عن طريق خفض الإنفاق الحكومي، وزيادة الإيرادات الأخرى.
خفض صندوق النقد الدولي معدلات النمو المتوقعة للناتج المحلي السعودي بنسبة 0.1% لعام 2017 و1.1% لـ2018
وتتلخص المعضلة التي تؤرق السعودية، في الإجراءات التقشفية القاسية، وما يصاحبها من آثار انكماشية هائلة على الاقتصاد نتيجةً للتقليص الحاد في الإنفاق الحكومي. فقد خفض صندوق النقد الدولي مؤخرًا معدلات النمو المتوقعة للناتج المحلي الإجمالي للسعودية بنسبة 0.1% لعام 2017 و1.1% لعام 2018.
اقرأ/ي أيضًا: فك الارتباط بين النمو الاقتصادي وانخفاض سعر النفط
وعلاوةً على ذلك، فإن تقليص النفقات الحكومية من خلال تخفيض رواتب العاملين في الدولة، أو فرض مزيد من الضرائب، أو تخفيض الدعم الحكومي؛ يُهدد برد فعل غاضب شعبيًا، في وقت يشهد تغيرًا كبيرًا داخل العائلة الملكية، بعد أن ارتقى محمد بن سلمان مؤخرًا لينال ولاية العهد. فقد أُلغيت بالفعل إجراءات التقشف. إذ أمر الملك سلمان في نيسان/أبريل من هذا العام، رد ما اقتطع من رواتب ومستحقات موظفي القطاع العام، بينما رُدت تلك المبالغ التي اقتطعت من الرواتب بالفعل في حزيران/يونيو، بالإضافة إلى تأجيل الحكومة تطبيق خطة إصلاح قطاع الطاقة.
وتمثل الثورة الهائلة في استخلاص الوقود الصخري في الولايات المتحدة، تحديًا إضافيًا للبرنامج الاقتصادي السعودي، إذ لعبت قدرة الأمريكيين على زيادة إنتاج هذا النوع من الوقود بأسعار أكثر انخفاضًا مما كان متوقعًا، دورًا كبيرًا في استقرار أسعار النفط عند معدلات منخفضة.
تواجه السعودية تحديان اقتصاديان أساسيان، هما انخفاض أسعار النفط، والعجز المالي المتسبب في تباطؤ النمو الاقتصادي
أما من وجهة نظر أسواق النفط، فإن الأنباء التي تشير إلى أن السعوديين بصدد إبطاء السير في خطط التطوير الاقتصادي، يزيد من ضغوط رفع حجم الإيرادات من خلال استمرار العمل باتفاقية إمداد "دول أوبك والدول غير الأعضاء في أوبك - OPEC and non-OPEC" المعمول بها حاليًا.
اقرأ/ي أيضًا: رحلة استجمام الملك: قصور ومال مع ضيق الأحوال!
وتتمتع السعودية بأهمية قصوى، كأحد أهم مصدري النفط في العالم. وإن كانت السعودية قد بذلت جهودًا بدت حماسية للحد من الاعتماد على النفط، إلا أنّ هناك المزيد من التحديات في انتظارها، أهمها انخفاض أسعار النفط، والعجز المالي المتسبب في تباطؤ النمو الاقتصادي.
اقرأ/ي أيضًا:
"الذهب الأسود" على حافة فقدان اللقب
اعتقالات بالجملة في السعودية.. هل يشعل طيش ابن سلمان حراك "15 سبتمبر"؟