لم يعد من شكٍ في أن ابن سلمان أمير طائش أكثر من أي شيء آخر، يفعل ما يحلوا له دون التفكير فيه وفي تداعياته، مدعومًا برصيد ضخم من الثروة بلا رقيب ولا حسيب، وبسلطانٍ مُطلق وقمع وبطش غير مسبوقين. يُعزز من ذلك الترجيح ما كُشف مؤخرًا من شرائه أغلى منزل في العالم بمبلغ يُقدّر بأكثر من 300 مليون دولار، ليدخل ضمن سجل مشترياته باهظة الثمن، في ظل دعوات تقشف مستمرة من قبله، وحربٍ كاذبة على الفساد وإهدار المال. صحيفة نيويورك تايمز نشرت تقريرًا يُفصّل بذخ ابن سلمان وإخوته، ويستعرض تفاصيل عملية شراء القصر، نعرضه لكم مترجمًا بتصرف في السطور التالية.
عندما بيع قصر لويس الرابع عشر الواقع بلوفسيان بفرنسا، بأكثر من 300 مليون دولار قبل عامين، وصفته مجلة فورتشن بأنه "أغلى منزل في العالم"، وتغنت مجلة "تاون آند كانتري" بنافورته الذهبية وتماثيله الرخامية، وحديقته التي تبلغ مساحتها ما يقرب من 57 فدان. ولكن مع جميع التفاصيل الفخمة، كانت هناك حقيقة واحدة مفقودة وهي هوية المشتري.
في حين يزعم ابن سلمان مكافحة الفساد والبذخ، تبين أنّه أنفق ما مجموعه مليار و250 مليون دولار على منزل ويخت ولوحة فنية!
أما الآن، فقد اتضح أن تتبع الأوراق والوثائق يقود إلى ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للبلاد، محمد بن سلمان، القوة الدافعة وراء سلسلة من السياسات التي تُوصف كثيرًا بالتهور والطيش، سواءً داخليًا أو خارجيًا.
اقرأ/ي أيضًا: ابن سلمان ودافنشي.. جدل متواصل بعد شراء لوحة بـ450 مليون دولار
يبدو أن هذه الصفقة ما هي إلا واحدة من عدة عمليات استحواذ باهظة، بما في ذلك يخت بقيمة 500 مليون دولار ولوحة ليوناردو دا فينشي بقيمة 450 مليون دولار. وهي صفقات عقدها الأمير الذي يقود حملة اعتقالات واسعة، تحت مزاعم محاربة الفساد، ودائمًا ما يدعو للتقشف المالي في الداخل!
يقول بروس ريدل، وهو كاتب ومحلل سابق بالاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، إن محاولات ابن سلمان تصوير نفسه كمصلح اجتماعي تلقت ضربة قاسية بالأنباء الأخيرة التي كشفت عن شرائه أغلى منزل في العالم.
تتضمن قصة شراء قصر لويس الرابع عشر، التي جُمعت من خلال المقابلات والوثائق التي نشرتها صحيفة نيويورك تايمز، محاميًا في دوقية لوكسمبورغ الكبرى ووسيط للأثرياء من دولة مالطا المتوسطية. حتى كيم كارداشيان كانت تخطط للاحتفال بزفافها على كاني ويست في ذلك القصر.
ملكية القصر، الكائن في لوفيسيان الفرنسية، بالقرب من فرساي، تُخفيها بعناية شركات في فرنسا ولوكسمبورغ. تعود ملكية هذه الشركات إلى شركة تُدعى "ثمانية للاستثمار - Eight Investment" ، وهي شركة سعودية تديرها المؤسسة الشخصية لابن سلمان. وبشكل واضح، قال مستشارون للقصر الملكي، إن قصر لويس الرابع عشر يملكه ابن سلمان.
وشركة "ثمانية للاستثمار" هي نفس الشركة التي سهلت شراء ابن سلمان لليخت الباهظ جدًا، من عملاق صناعة الفودكا الروسي، وذلك عام 2015.
في عام 2009، هدم عماد خاشقجي، نجل شقيق تاجر الأسلحة الراحل الملياردير السعودي عدنان خاشقجي، قلعةً تعود إلى القرن التاسع عشر في لوفيسيان، لبناء قصر جديد. يبدو بالعين المجردة وكأنه قد بُني في زمن بناء قصر فرساي، القصر الملكي الذي يعتبر معيارًا عالميًا للفخامة والبذخ.
ولكن تصميم القرن السابع عشر لقصر خاشقجي، يخفي تحته تكنولوجيا القرن الحادي والعشري، بكل رفاهياتها المتخيلة وغير المتخيلة. يتضح أنّ هذا القصر، هو نفسه الذي اشتراه ابن سلمان. قصر لويس الرابع عشر، المجاور نسبيًا لقصر فرساي الشهير.
زعيم شاب متهوّر
في أقل من ثلاث سنوات حقق ابن سلمان صعودًا سريعًا داخل القصر الملكي السعودي، اتسنادًا إلى والده العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز. يصفه مُؤيدوه بأنه زعيم حاسم، لكن سياساته ومجمل تحركاته تشي بأنه أميل لكونه متهور. وتصفه الصحافة بالأمير الطائش.
الصعود السريع لابن سلمان، والذي رافقه مزيدٌ من سياسات البطش، وتحييد لأركان السلطة السعودية التقليدية، أزعج عددًا من كبار رجال العائلة الملكية، خاصةً بعد أن عزل ابن عمه الأكبر سنًا محمد بن نايف، ووضعه تحت الإقامة الجبرية.
ثم تزايد النقد الموجه لابن سلمان بعد أن اعتقل عشرات من أبناء عمومته وكبار رجال المال والأعمال السعوديين لإجبارهم على التخلي عن ثرواتهم. صحيح أنّ السلطات السعودية وصفت الأمر بأنه حملة تطهير للفساد، لكن ذلك الزعم لم يكن له معنى أمام ما هو واضح من تعطش ابن سلمان للتفرد بالسلطة، وأيضًا أمام بذخه الشخصي، وما يُعتبر إهدارًا للمال العام.
في الوقت الذي أوقفت فيه السعودية مشاريع لتطوير البنية التحتية لسد عجز الموازنة، كان الملك سلمان يبني قصرًا جديدًا له في المغرب
واعتراف ابن سلمان بأنّ الاعتقالات تضمن استلاب ما يقرب من 100 مليار دولار من الأمراء ورجال الأعمال المعتقلين؛ لا تنفي نوايا الإقصاء السياسي لهؤلاء وغيرهم ممن قد تُسوّل لهم أنفسهم معارضة الأمير البالغ من العمر 32 عامًا، بلا خبرة في إدارة الشؤون السياسية، تظهر في خسائره المتتالية في المنطقة، وليس اليمن ببعيد.
تقشف في الداخل.. وترف في الخارج
كان الإنفاق الجامح لأفراد العائلة الملكية مثيرًا للدهشة، خاصةً وأنه من غير المعروف ما هي مصادر دخلهم سوى أموال النفط التي يفترض أنها مملوكة في النهاية للشعب السعودي.
اقرأ/ي أيضًا: رحلة استجمام الملك: قصور ومال مع ضيق الأحوال!
وبعد أن هبطت أسعار النفط لمستويات قياسية، حاولت السلطات سد العجز بالتقشف والانضباط المالي، ففي العام الماضي مثلًا ألغت السلطات السعودية مشاريع بقيمة ربع تريليون دولار لسد عجز الموازنة غير المسبوق. لكن الطريف في الأمر، أنه في نفس الوقت كان العاهل السعودي الملك سلمان يبني قصرًا فخمًا جديدًا على إحدى سواحل المغرب!
وفي العام الذي يسبقه، أي 2015، وبعد فترة وجيزة من تعيينه نائبًا لولي العهد، كان ابن سلمان يقضي عطلة في جنوب فرنسا عندما اشتهت نفسه يختًا فخمًا مع بركتي سباحة وطائرة هليكوبتر، فاشتراه! إذ تكشف الوثائق التي تسربت من مكتب محاماة في برمودا، والتي تعرف باسم "وثائق برادايس"، كيف عملت بقوة مجموعات من المحامين والمصرفيين والمحاسبين في ألمانيا وبرمودا وجزيرة مان، لنقل ملكية اليخت بسرعة إلى شركة "ثمانية للاستثمار" المملكة لمؤسسة ابن سلمان. وكان الثمن 420 مليون يورو، أو 494 مليون دولار بسعر اليوم، أي أنه أغلى من قصر لويس الرابع عشر.
وفي الشهر الماضي، بيعت لوحة ليوناردو دافينشي التي تسمى "مخلص العالم"، مقابل 450.3 مليون دولار، لمشترٍ مجهول، وهو أعلى سعر لأي عمل فني يباع في المزاد العلني. وكشفت صحيفة التايمز أن الأمير السعودي الغامض على صلة وثيقة جدًا بابن سلمان. وقالت مصادر مُطّلعة على عملية البيع، ومسؤولون بـ"CIA"، إن هذا الأمير يتصرف بالنيابة عن ابن سلمان، وهكذا اشترى اللوحة.
بالإضافة لذلك، تكشف وثائق برادايس وبنما، عن المزيد من التفاصيل حول ثروة فرع سلمان بن عبدالعزيز من آل سعود، والتي لا تمثل ثروة محمد بن سلمان إلا جزءً منها. العائلة بأكملها مُسرفة!
ففضلًا عن منزلين فخمين في لندن ذوي صلة بالملك سلمان، أدرج ابنه الأمير تركي بن سلمان كضامن لشركة "جزيرة مان" التي باعت شقة بنتهاوس على مسافة قصيرة من دير وستمنستر، بأكثر من 35 مليون دولار في عام 2014. وقد اشترى الأمير سلطان بن سلمان، وهو أخ غير شقيق لولي العهد محمد بن سلمان، وأول عربي يسافر إلى الفضاء الخارجي، طائرة بوينغ فاخرة تكلف عادة أكثر من 100 مليون دولار، من خلال شركة أجنبية وسيطة.
يبدو أنّ البذخ أصلٌ في عائلة الملك سلمان، إذ تكشف وثائق مسربة هَوَس أبنائه بإنفاق المليارات على عقارات وطائرات فخمة
هناك أيضًا مجمع الملك سلمان الضخم على الساحل الجنوبي لإسبانيا، والمملوك لشركتين بنميتين تسيطر عليهما شركة مقرها في لوكسمبورغ، مملوكة للملك سلمان وأبنائه. وتمتلك شركة قابضة أخرى، مقرها في إمارة ليختنشتاين الصغيرة، منزلًا لسلمان على الريفييرا الفرنسية، حيث احتفلت الممثلة ريتا هايورث بزواجها عام 1949.
اقرأ/ي أيضًا:
هل تصمد مزاعم محاربة الفساد أمام بذخ ابن سلمان وهدر المال العام؟