الفيلم الجديد "Border Politics" يوثق المعاملة القاسية لطالبي اللجوء من قبل الديمقراطيات الغربية. تفاصيل أكثر حول الفيلم في المقال المترجم الآتي عن "الغارديان" البريطانية.
في مشهد من الفيلم الوثائقي الأسترالي "Border Politics"، يزور مقدم البرامج جوليان برنسايد مكب نفايات غريب وسريالي في جزيرة ليسبوس اليونانية، الواقعة قبالة سواحل تركيا. في مشهد مربك، تنتشر عبر التلال المعشبة الجميلة، مع الماء الأزرق المرئي في الخلفية، الآلاف من سترات النجاة.
ربما تكون سترات النجاة وأجزاء القوارب التي يتركها اللاجئون في البحر بمثابة نصب تذكاري ولد بالصدفة
يمر العديد من اللاجئين عبر تركيا للوصول إلى أوروبا، وتعتبر ليسبوس نقطة انطلاق لهم. تتكدس السترات في أكوام ضخمة، بين قطع وأجزاء أخرى من المخلفات بما في ذلك الملابس وأجزاء من القوارب. ربما تكون بمثابة نصب تذكاري ولد بالصدفة لرحلة اللاجئين الذين لا يزال مصيرهم غير مؤكد.
اقرأ/ي أيضًا: الفيلم الدنماركي "مهربو البشر": وكالة سفر أم سوق نخاسة؟
قبل عدة سنوات، اكتسب جوليان برنسايد، المحامي المخضرم الذي أصبح أحد المدافعين عن حقوق اللاجئين بعد العمل في قضية تامبا عام 2001 في دعوى ضد الحكومة الأسترالية، الطبع الصارم الرصين الذي يرتبط بشخصية المحامين بارزين. ومع ذلك، وبينما كان يجلس أمام أحد التلال، خطر بباله كيف أن كل سترة نجاة "تمثل أحلام شخص ما عن الأمان والحياة الأفضل"، وتراءى له هذا المكان القاتم كـ"مقبرةٍ لمليون حلم"، بدا وكأنه يكافح للحفاظ على هدوئه.
قال جوليان برنسايد لجريدة "The Guardian" الأسترالية، "ربما تجعلنا الحياة أقل حساسية تجاه الكثير من المواقف، لكن هناك، مع سترات النجاة تلك، واجهتني فجأة وبصورة مباشرة أدلة غير متوقعة لمشاكل بشرية كبيرة حقًا من نوع لم أره من قبل. كان لها تأثير كبير علي".
يعرض فيلم "Border Politics" لأول مرة في مهرجان فنون وأفلام حقوق الإنسان. وفي هذا الفيلم، تتابع المخرجة جودي ريمر برنسايد بينما يسافر حول العالم، حيث يلقي الضوء على المعاملة القاسية للاجئين على أيدي الديمقراطيات الغربية.
يقول المحامي جوليان برنسايد إنه مر بلحظة عميقة أخرى عندما كان في مخيم كاليه للاجئين الذي هدم الآن. نظر إلى السياج الهائل، المصمم لإبعاد طالبي اللجوء، ورأى قطعة من القماش، ملابس شخص ما، عالقة في الأسلاك الشائكة على ارتفاع 20 قدمًا فوق الأرض. ثم رأى حذاء شخص ما. كان مؤشرًا واضحًا جدًا على مدى البؤس الذي وصل إليه بعض الناس، مما جعلهم يخاطرون من أجل الوصول إلى مكان آمن.
بالنسبة للأستاذة جيليان تريغز، رئيسة لجنة حقوق الإنسان الأسترالية السابقة وأحد الأشخاص الذين أُجريت معهم مقابلة في الفيلم، كانت اللحظة التي أثارت انطباعًا دائمًا لديها قبل بضع سنوات في الأردن. كان مليون نازح قد مروا عبر الحدود مؤخرًا. ذهبت إلى مخيمات اللاجئين التي يرجع تاريخها إلى حرب الأيام الستة في عام 1967، وهي تتذكرها بوضوح، حيث درستها كطالبة قانون في ملبورن.
تقول تريغز: "عندها أدركت أنه خلال جميع سنوات حياتي المهنية البالغة 50 عامًا، لا يزال اللاجئون من حرب الأيام الستة في مخيمات اللاجئين. لا يزالون يكافحون من أجل البقاء. بالنسبة لي، كان رؤية هذين المخيمين اللذين تفصل بينهما خمسون سنة بمثابة تذكير قوي بمدى خطورة هذه المشكلة."
إلا أن المحامية والمدافعة عن حقوق الإنسان أعجبت بالإجراءات التي اتخذها الأردن، بما في ذلك برامج توظيف اللاجئين. تم استكشاف الوضع هناك في "Border Politics"، حيث وصف برنسايد ذلك البلد بأنه "يشعرنا بالخجل من أنفسنا".
أثناء زيارتها للأردن، تقول تريغز إنها وجدت أن "اهتمام المسؤولين والسياسيين كان يتعلق بكيفية تأمين المياه النظيفة والتعليم للأطفال. بالتأكيد لم يكونوا يتحدثون عن كيف يمكنهم بناء الجدران أو منعهم من القدوم. كانت عقلية مختلفة تمامًا. وجدت نفسي أفكر: كيف يمكن أن يحدث هذا، عندما تكون أستراليا بعيدة جدًا وغنية نسبيًا؟ كيف يمكننا أن ندير ظهورنا لهؤلاء؟".
ينتقد كل من جوليان برنسايد وتريغز سياسة الحكومة الأسترالية بشأن اللاجئين وطالبي اللجوء بصراحة بالغة. كلاهما يربطان الوضع بعام 2001، حيث ينظران إلى شؤون تامبا وقضية "الأطفال الذين ألقوا في البحر" ومقاييس حكومة جون هوارد كنقطة تحول في معاملة البلاد لطالبي اللجوء. وفقا لتريغز، فإن السياسات التي اعتمدتها الحكومات الأسترالية منذ عام 2001 "كانت في أدنى مستوى، أخلاقيًا وقانونيًا".
يقول جوليان برنسايد: "ما يقلقني حقًا في الآونة الأخيرة هو أن بيتر دتون يدعي أمورًا كثيرة لإقناع الأستراليين بأن ما يجري هو شيء مقبول. إن الفكرة القائلة بأن السياسيين يستطيعون إقناع الجمهور بالتدريج لتقبل ما هو غير محتمل هي فكرة مخيفة للغاية." يشعر بالقلق حيال مآلات المحادثات السياسية الجارية. ويضيف: "إذا جعلت التعامل بوحشية مع البشر أمرًا مقبولًا تدريجيًا، فأنت في طريق خطير للغاية".
جيليان تريغز: لا يمكنك أن تكون محاميًا لحقوق الإنسان، أو محاميًا دوليًا مثلي، دون أن يكون لديك مستوى كبير من التفاؤل
بالتأمل في المستقبل، فإن المحامي ممزق بين تخيل أستراليا حيث "ما نفعله الآن باللاجئين يعتبر سلوكًا وحشيًا"، وأستراليا حيث "ما نفعله الآن سيزداد سوءًا".
اقرأ/ي أيضًا: فيلم "طعم الإسمنت" أفضل وثائقي في مهرجان فيزيون دو رييل
أما تريغز فهي أكثر تفاؤلًا. تقول: "الوضع الحالي غير أسترالي بالمرة، إذا استطعت استخدام هذه العبارة. لكن لا يمكنك أن تكون محاميًا لحقوق الإنسان، أو محاميًا دوليًا مثلي، دون أن يكون لديك مستوى كبير من التفاؤل. أعتقد حقًا أننا سنتجاوز هذا. لا أعتقد أن هذا سوف يدوم. كما أن لديك خُطب ترامب من جهة، ومشاهدة سترات النجاة على جزيرة في الجهة الأخرى، هناك مجال بين هذه المواقف لمحاولة إدارة الحركة الجماهيرية للناس على مستوى العالم. لدينا القدرة على القيام بذلك، لكنها تتطلب، في بعض الحالات، تغييرات في الحكومة، وقيادة تمتلك رؤية أفضل. كل هذا ممكن".
اقرأ/ي أيضًا:
فراس فيّاض: أريد أن يكون "آخر الرجال في حلب" شاهدًا على ما حدث