من يتحدث في الشأن العام على العلن، وبشكل موجه للجمهور، بل محمول على أجنحة صحفية تسندها أعطيات إمارات الثورات المضادة، يثير تساؤلًا شرعيًا عن شرعية ما يقول، وشرعيته، آخذًا بعين الاعتبار كل ما يرتبط بالعمل الذي تؤديه الشخصية، بما فيه العمل المافيوي المنظم في شبه دول أوروبا الشرقية، وشيء مواز له في الضفة الغربية المحتلة وفي قطاع غزة نسبيًا، كما تدخل دول أفريقية على القائمة إلى جانب مصر وليبيا، دون القفز عن الدور التنسيقي بين الإسرائيليين وحلفاء اليوم في الإمارات العربية المتحدة.
من يقول ماذا؟ وأين؟ ومن؟ سؤال أساسي لفهم لزوم حضور أي شخصية في المجال العام، على وجه الخصوص في ميدان الإعلام المكتوب والمتلفز، لذلك، يثير كل وجه أو اسم يبرز، أو يتم العمل على إبرازه وترويجه، في الإعلام، فضول الجمهور الذي يتعرض لقفزات هذا الوجه أو الاسم، على الأقل ما يتوفر في بطاقة الهوية الشخصية، والمهنة والخندق أو الجماعة/ الحلف الذي ينشط ضمنه.
يدخل دحلان الأموال، بكثافة ووتيرة سريعة، إلى الضفة الغربية تحت عين السلطة الفلسطينية والاحتلال
عندما يتم الحفاظ على الآلية الكلاسيكية للفساد في التعاطي مع الشأن العام عبر الإعلام، بما تتضمن من تقديم الرشى، وشراء الأسهم، وضخ الأموال في مؤسسات متهالكة ذات كلفة رخيصة، كانت آخرها جريدة اليوم السابع المصرية، وخلق مؤسسات إعلامية هلامية/ وهمية كالمواقع الإلكترونية الفلسطينية التي تتكاثر بكلف رخيصة وتبث دعاية مناصرة للجهود المصرية والإسرائيلية المستهدفة لكل ما هو فلسطيني.
وبذات اليد ومن الجيب عينه الذي يمول كثير من الظواهر النافرة، والتدخلات السياسية المضادة لإرادة شعوب انتفضت على الدكتاتور لتجده نمرا ورقيا مثبتا بصمغ الحماية التي تفرضها تلك الشبكات السياسية/الإعلامية التي رفضت أن تخسر معركتها أمام شعوب دول أخرى، فأبقت على أذرعها الأمنية وتمويلها وإعلامها وقواتها الخاصة، ومخابراتها، رهن خدمة تدخلات و"عنتريات" وصل مداها إلى فلسطين، ربما لم تكون حادثة الخرق الأمني عبر الهلال الأحمر الإماراتي في غزة أولها ولا آخرها، كما أن الأموال والعقارات اللندنية المقدمة لأصحاب مناصب في هيئة الإذاعة البريطانية مقابل لقاء ترويجي، خنق موجة البث من كثرة التكرار مع "القيادي الفتحاوي" محمد دحلان، وصلت أخبارها إلى مناطق تغطية بث الشبكة البريطانية في الكوكب، هذا في جانب. يضاف إلى ذلك "الإنجاز" غير المسبوق دوليا في استخدام مؤسسات استخبارية تحمل عناوين مؤسسات حقوق إنسان، لتوريد الأسلحة لتنظيمات ومليشيات طائفية تقتل السوريين وغيرهم.
في جانب آخر لماذا يتم الادعاء من طرف قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله بأن درجات الاحتقان بين أبو مازن/محمود عباس ودحلان في أعلى مستوياتها، علمًا أنهما حلفاء الأمس القريب عندما نبذ كليهما من قبل ياسر عرفات وتعنت دحلان لحماية أبو مازن واحتضانه.
بالعودة إلى ادعاءات التوتر والتراشقات القضائية والإعلامية المرافقة، ما هو قائم أن دحلان يدخل الأموال، بكثافة ووتيرة سريعة، إلى الضفة الغربية. السلطة الفلسطينية عبر أدواتها من سلطة النقد وأمن المؤسسات وباقي الأجهزة الأمنية لا تعترض دولارًا واحدًا مما يرسل من طرف دحلان وممثليه إلى الضفة، مشاريع استثمارية وتجارية بالإضافة إلى مؤسسات إعلامية وشركات سيارات وتراخيص وملفات ضريبية لمؤسسات أو شركات وهمية، بالطبع تمارس غسيل الأموال، جميع هذا قائم في الضفة الغربية بأموال دحلان، الرجل متوغل حقًا، بل متوغل إلى الحد الذي يعرض فيه على عشرات الشباب تلقي مايقارب الـ20 ألف دولار أمريكي، لبدء الحياة ومشروع العمر مقابل خدمات وولاءات ترضخ عند قرار دحلان.
ما آثار ذكر السابق، هو أن الأوضاع الأخيرة في القدس نالت تعليقات لدحلان، جاءت التعليقات عبر مواقع ممولة من طرفه أو من طرف الإمارات العربية المتحدة مباشرة، لكنها احتارت في نقل التصريحات بين تسمية صاحب الكلام، القيادي.. الدبلوماسي.. السياسي.. وترتفع الأوصاف حسب سلم الدفع وتوجيهه، بينما تغيب النبرة المعتادة في تقديم الرجل في باقي الإعلام، "القيادي الفتحاوي المفصول". لكن هل ما زال يمكن اعتبار دحلان قياديًا في فتح، أو التغاضي عن فكرة تنطحه للتصريح وإطلاق الدعوات فيما يتعلق بفلسطين عبر مواقعه ومجنديه عبر وسائل الإعلام الاجتماعي، ليس ثمة دليل أو دافع إلى القول بتقبل تدخل الرجل في الشأن العام، ولا يمكن فهم هذا التدخل إلا من باب فرض السطوة وممارسات رجال العصابات.