عندما بدأت المناورات الإيرانية الإسرائيلية على الأراضي السورية خلال الشهرين الماضيين، بدا أن المنطقة متجهة إلى حرب شاملة، خاصة أن واحدة من الضربات الإسرائيلية لمواقع إيران وحزب الله في دمشق، تزامنت مع انسحاب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أحاديًا من الاتفاق النووي، ما جعل الأمر يبدو وكأنه خطوة إقليمية واسعة نحو معركة. لكن الرد الإيراني، بصواريخ بدائية لم تصل غالبيتها إلى المناطق المحتلة، كان باهتًا، وخيب آمال من كانوا ينتظرون تصعيدًا.
عززت الأحداث طوال هذه الفترة، وجهة النظر التي استبعدت حدوث صدام مباشر إيراني إسرائيلي
وقد عززت الأحداث اللاحقة طوال هذه الفترة، وجهة النظر التي استبعدت حدوث صدام مباشر، لصالح إدارة العلاقة من خلال التنسيق المشترك، الذي ستلعب روسيا دورًا حيويًا فيه. وبالفعل، كشفت مصادر عدة خلال الأيام الماضية عن وجود تنسيق بين النظام السوري وتل أبيب، من خلال الوسيط الروسي، من أجل إدارة الخطوة القادمة، التي ينوي النظام فيها السيطرة على مناطق المعارضة في الجنوب، وخاصة درعا.
وكانت الصحف الإسرائيلية، من بينها هآرتس، قد كشفت خلال اليومين الماضيين عن أن الأسد على استعداد لإبقاء القوات الإيرانية على بعد 25 كم من حدود مرتفعات الجولان المحتل، ويطالب إيران بإبعاد القوات التابعة لها عن المطارات السورية، وحظر استعمالها أيضًا، لتجنب تكرار هجمات إسرائيل. وأضافت أن النظام مهتم بمناقشة إمكانية إعادة إبرام اتفاق فك الارتباط الذي وقعه مع إسرائيل عام 1974. وقد بينت الصحيفة من خلال مصادر دبلوماسية، أن سوريا نقلت هذه الرسائل إلى "دول الجوار" عبر وسطاء.
اقرأ/ي أيضًا: انسحاب ترامب الأحادي من الاتفاق النووي الإيراني.. نتنياهو مصفقًا لنفسه
وكشفت صحيفة هآرتس، في تقرير نشرته مساء أمس الإثنين، نقلًا عن مصدر غربي، أن النظام السوري أوصل هذه الرسائل إلى إسرائيل عبر روسيا، موضحة أن هذه المراسلات لم تكن الأولى من نوعها في الأسابيع القليلة الماضية. وأضاف نفس المصدر للصحيفة الإسرائيلية، أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يضغط على الأسد من أجل تخفيض الوجود العسكري الإيراني في سوريا، لتجنب مواجهة عسكرية كبيرة مع إسرائيل.
ويمثل تبادل الرسائل هذا بين إسرائيل والنظام السوري، خطوة على الطريق إلى السيطرة على جنوب سوريا، مدينة درعا تحديدًا، التي ما زالت تسيطر عليها قوى من المعارضة. إذ تظهر تقارير أن جيش النظام السوري بدأ بالفعل بالتجهيز والحشد لهذه العملية.
ويعتبر النظام السوري أن هذه العملية، واحدة من العمليات الأكثر تعقيدًا في المرحلة القادمة، رغم تزايد رقعة سيطرته في البلاد خلال السنتين الأخيرتين، والتراجع الكبير في قدرات المعارضة. إلا أنه سيضطر أولًا إلى شن هجوم على المنطقة الجنوبية بدون الاستعانة بالقوات الإيرانية أو بميليشيات حزب الله اللبناني، كي لا يغامر بإزعاج إسرائيل. وثانيًا، فإن جبهة الحدود الأردنية ما تزال معقدة، إذ ترفض عمّان أن تتحمل أي عبء من أعباء هذه الحملة، سواء من ناحية استقبال لاجئين إضافيين، أو من ناحية اقتراب ميليشيات إيرانية من حدودها ومعابرها البرية.
يمثل تبادل الرسائل بين إسرائيل والنظام السوري، خطوة للسيطرة على جنوب سوريا
في حين جرت محادثات مكثفة خلال الفترة الماضية ناقشت هذا الشأن، جمعت الأردن والولايات المتحدة وروسيا، بحضور ممثلين إسرائيليين. بينما تريد المملكة الأردنية الحصول على ضمانات من واشنطن وموسكو. وقال مصدر أردني مقرب من صانعي القرار في المملكة لـ "هآرتس"، إن هناك اتصالات شبه يومية بين الأردن وإسرائيل للتنسيق بخصوص العملية المحتملة، حيث إنهما يتبنيان وجهة نظر مشتركة بخصوص التهديد الإيراني في سوريا. ويسعى كلاهما إلى الحصول على ضمانات من النظام السوري، بإبعاد القوات الإيرانية عن الحدود، لكن طهران التي تنكر أصلًا وجود قوات لها في المنطقة، لم تعلق إلى الآن.
اقرأ/ي أيضًا: ما هي فرص استمرار التحالف الروسي الإيراني بعد انتهاء الحرب السورية؟
يعرف النظام السوري أن قواته لا تشكل إزعاجًا حقيقيًا لإسرائيل، وبالتالي فإن اقتراب جيش النظام من الحدود لا يحتاج إلى كثير من التنسيق، خاصة أن هناك ميلًا عند الطرفين لإحياء اتفاق فك الارتباط على أرض الواقع، حتى لو بشكل ضمني، وإعادة الأوضاع إلى ما قبل الثورة السورية، لكن الإدارة الإسرائيلية غير مطمئنة بخصوص وجود القوات الإيرانية ومقاتلي حزب الله، وهو الملف الوحيد الذي زعزع الهدوء على الجبهة الإسرائيلية السورية منذ عشرات السنين. كما يريد النظام السوري أن يعيد الأوضاع في البلاد إلى ما كانت عليه، بأقل الخسائر الممكنة، لكن مراقبين يشككون بقدرته على ذلك، إذ إنه من غير المحتمل، أن تفرط طهران بالتكاليف التي دفعتها خلال السنوات السبع الماضية.
لا يريد النظام السوري أن يتورط في المناكفة الإسرائيلية الإيرانية بعد الآن
يبدو الأمر للوهلة الأولى وكأنه صراع بين نظام بشار الأسد وطهران، على القرار السوري، فلا يريد النظام أن يتورط في المناكفة الإسرائيلية الإيرانية بعد الآن، أو يتعرض لمزيد من الإحراج بسببها. كما يفضل النظام العودة إلى وضعية فك الارتباط، كما ذكرت مصادر صحيفة هآرتس، بينما تريد إيران أن تعزز نفوذها كقوة إقليمية في المنطقة العربية. لكن الاطلاع على الأمر من زاوية أخرى، قد يعزل النظام تمامًا عن الصراع الدائر، الذي يشبه في أوضح وجوهه تنافسًا روسيًا إيرانيًا على غنائم سبع سنوات من الحرب على الثورة السورية لا أكثر.
اقرأ/ي أيضًا:
تقدير موقف: استراتيجية إدارة ترامب نحو إيران والتصعيد المحسوب
البوصلة نحو موسكو.. هكذا أصبح بوتين الزعيم الجديد للشرق الأوسط