أعدّ موقع "History" تقريرًا يتضمن قائمة بأبرز 10 تسريبات لوثائق سرية لأسباب سياسية أو استراتيجية، بعضها يعود بالزمن لمئات السنين، منذ العهد الأوّل لتأسيس الولايات المتحدة الأمريكية. في السطور التالية ترجمة بتصرف للتقرير.
بالرغم من أن شبكة الإنترنت قد يسَّرت كثيرًا من التسريبات السياسية واسعة النطاق، عبر سهولة تنزيل ونقل وتخزين ملايين الوثائق في دقائق أو ثوانٍ معدودة، إلا أن تسريب المعلومات لأسبابٍ سياسية أو استراتيجية ليس ممارسة حديثة، بل إنها تمتد بدءًا من بنجامين فرانكلين، وحتى إدوارد سنودن. لنُلقِ نظرةً على أبرز التسريبات التي شهدها التاريخ.
تسريب الوثائق لأسباب سياسية أو استراتيجية، ليس ممارسة حديثة، على الأقل في الولايات المتحدة، بل تمتد لمئات السنين الماضية
1. رسائل هتشنسون
في كانون الأول/ ديسمبر 1772، تلقى بنجامين فرانكلين الذي كان آنذاك مديرًا عامًا للبريد التابع لبريطانيا في المستعمرات الأمريكية؛ مجموعة مرسلها مجهول، لكن كاتبها هو توماس هتشنسون، حاكم ماساتشوستس، لمسؤول بريطاني.
اقرأ/ي أيضًا: هل كانت الولايات المتحدة في أي وقت مضى دولة "عظيمة"؟
مضمون الرسائل أنّ توماس هتشنسون كان يحث بريطانيا على إرسال المزيد من القوات الإضافية لردع المستعمرين المتمردين في بوسطن.
ونشر بنجامين فرانكلين هذه الرسائل في الأوساط الخاصة، إلا أن جون آدمز، نشرها في صحيفة بوسطن جازيت، في 1773، مثيرًا فضيحة أجبرت توماس هتشنسون على الفرار من البلاد، وأذكت نيران التوترات التي قادت إلى حرب الاستقلال. وحين اتهِم ثلاثة رجال أبرياء بتسريب الرسائل، اعترف فرانكلين بدوره في هذه القضية، ما أدى إلى توبيخه رسميًا من قِبل البرلمان، وإقالته من منصب المدير العام للبريد.
2. معاهدة غوادالوبي هيدالغو
في 1848، نشر الصحفي، جون نوغنت، نسخةً غير موقَّعة من معاهدة غوادالوبي هيدالغو، في صحيفة نيويورك هيرالد، وهي المعاهدة التي كان من المفترض أن تُنهِي الحرب المكسيكية الأمريكية التي استمرت لعامين.
ورفض جون نوغنت كشف مصدره أمام التحقيق الغاضب لمجلس الشيوخ، إلا أنه أصرّ على أنه ليس أحد نواب المجلس. وعلى الرغم من احتجازه تحت الإقامة الجبرية، في مبنى الكابيتول، لعشرة أيام، إلا أنه لم يتزعزع عن موقفه.
وبعد عشرة أعوام، فوّض الرئيس الأمريكي، جيمس بيوكانان، نوغنت، للتحقيق في التطور المحتمل لكاليدونيا الجديدة (كولومبيا البريطانية حاليًا). وتشير بعض الدلائل إلى أن بيوكانان كان هو مصدر تسريب المعاهدة، إبان توليه منصب وزير الخارجية.
3. أوراق البنتاغون
في حزيران/ يونيو 1971، نشرت صحيفة نيويورك تايمز، سلسلة مقتطفات من تقرير سري للغاية، صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) حول تدخُل الولايات المتحدة في فيتنام خلال الفترة من 1945 إلى 1967.
وكانت هذه الوثائق جزءًا من المراجعة التي كُلِّف بإجرائها وزير الدفاع آنذاك روبرت مكنمارا ، وكشفت هذه الوثائق التي عُرفت بـ"أوراق البنتاغون"، أن أربع إدارات رئاسية متعاقبة ضلّلت الكونغرس والرأي العام الأمريكي عن عمدٍ، فيما يتعلق بنطاق حرب فيتنام وأهدافها وتقدمها.
وأُدين دانيال إلسبيرغ، المحرر العسكري، الذي عارض الحرب وصور هذه الوثائق وسرّبها خفيةً، بموجب قانون التجسس لعام 1917، لكن لاحقًا أسقط القاضي جميع التهم الموجهة إليه. وبعد 40 عامًا من تسريب أوراق البنتاغون، رفُع ستار السرية عنها، ونُشِرت لأول مرة على موقع المحفوظات الوطنية.
4. ووترغيت
في منتصف 1972، اعتُقل خمسة رجال لاقتحامهم مقر الحزب الديمقراطي، بفندق ووترغيت في واشنطن، ومحاولتهم زرع أجهزة تنصت. لاحقًا، تمكن بوب وودورد وكارل برنشتاين، صحفيا واشنطن بوست، من كشف علاقة مباشرة بين حادثة الاقتحام، وبين إدارة ريتشارد نيكسون، ما أفضى إلى سلسلة من جلسات الاستماع أمام مجلس الشيوخ، أدت في نهاية المطاف إلى استقالة نيكسون عام 1974.
واعتمد وودورد وبرنشتاين بكثافة على المعلومات التي وردت إليهما من مصدر مجهول، عُرف باسم "الحلق العميق". وظلت هُوية هذا المصدر المجهول سرية لمدة 33 عامًا، حتى عام 2005 حين كشف مارك فيلت، عميل مكتب التحقيقات الفيدرالية السابق، أنه هو الحلق العميق نفسه.
5. قضية فاليري بليم
في تموز/يوليو 2003، نشر جوزيف ويلسون، مبعوث المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) إلى النيجر في 2002، مقالًا في صحيفة نيويورك تايمز، ذكر فيه أن ادعاء جورج بوش الابن، بأن العراق حاول شراء اليورانيوم من النيجر، هو "مجرد ادعاء استخدمه بوش لتبرير الحرب، وأنه لا أساس له من الصحة".
وبعد أقل من أسبوعين، كتب روبرت نوفاك مقالًا في الواشنطن بوست، كشف فيه أن فاليري بليم، زوجة ويلسون، هي عميلة للمخابرات المركزية الأمريكية. وبكشف هويتها، تعرض عملها مع الوكالة للخطر، واتهم ويلسون البيت الأبيض بتسريب هويتها عقابًا له.
وأسفر التحقيق الذي جرى بشأن هذه القضية، وتضمن استجواب بوش، ونائبه ديك تشيني، بالإضافة إلى صحفيين، عن إدانة لويس سكوتر ليبي، مدير مكتب تشيني، بتهمة الحنث باليمين، وعرقلة سير العدالة والكذب خلال التحقيقات. وخفف بوش عقوبته لاحقًا. إلا أن ليبي لم يكن هو مصدر التسريب، إذ أقر ريتشارد أرميتاج، نائب وزير الخارجية السابق، لاحقًا بأن حديثه مع نوفاك هو ما أدى لكشف هوية بليم على الأرجح. بعد ذلك بسنوات، في 2010، أُنتج فيلم سينمائي عن قصة بليم وزوجها ويلسون، باسم "Fair Game".
6. سجلات حرب العراق
في تشرين الأول/أكتوبر 2010، نشرت ويكيليكس ما يقرُب من 400 الف وثيقة عسكرية سرية، تتعلق بغزو العراق، تمثل مخزونًا هائلًا من المعلومات التي قللت من عملية نشر 77 ألف وثيقة عن الحرب في أفغانستان، قبل عدة أشهر.
من بين أبرز الوثائق المسربة مذكرة داوننغ ستريت التي أثبتت أن بوش وبلير كذبا بشأن أسلحة الدمار الشامل لتبرير غزو العراق
وقام مؤسس ويكيليكس، الصحفي الأسترالي، جوليان آسانج، بمشاركة الوثائق مع الصحافة، ومن بينها نيويورك تايمز ودير شبيجل، والغارديان.
اقرأ/ي أيضًا: 9 حقائق هامة ينبغي ألا ننساها عن الغزو الأمريكي للعراق
ومن بين الاكتشافات فيما يُسمى بسجلات حرب العراق، ذلك الدليل بأن الجيش الأمريكي تجاهل عن عمد إساءة معاملة المعتقلين على يد حلفائه من العراقيين وأنه كان هناك بالفعل 15 ألف من الضحايا المدنيين أكثر مما كان معترفًا به من قبل.
7. مذكرة "داوننغ ستريت"
في أيار/مايو 2005، حصلت صحيفة صنداي تايمز البريطانية، على تسجيل لملاحظات كُتبت خلال اجتماع فريق الأمن القومي لتوني بلير رئيس الوزراء آنذاك، في 23 تموز/يوليو عام 2003.
وخلال الاجتماع الذي انعقد قبل تسعة أشهر من بدء الحرب على العراق، قال رئيس جهاز الاستخبارات البريطاني، إن انطباعه المستند إلى الاجتماعات التي جرت في الولايات المتحدة، هو أنه لا مفر من التحرك العسكري. وبحسب ما قال، فإن إدارة بوش الابن على علم بأن صدام حسين لا يمتلك أسلحة للدمار الشامل، إلا أنها قد قررت إزاحته بالقوة في جميع الأحوال، وأن المعلومات المضللة تُستخدم لتبرير هذه السياسة وإقناع الرأي العام بضرورة الغزو.
ووصف معارضو الحرب مذكرة داوننغ ستريت، بأنها دليلٌ دامغ على أن بوش وبلير، قررا سرًا غزو العراق وتلاعبا بالاستخبارات لدعم ذلك القرار.
8. إدوارد سنودن
وفي 2013، سرب إدوارد جوزيف سنودن، متعاقد تقني وموظف سابق لدى "ٍي آي إيه"، تفاصيلًا مُصنفة على أنها سريةٌ للغاية، تتعلق ببرنامج المراقبة الإلكترونية لوكالة الأمن القومي (إن إس أيه - NSA)، الذي يُطلق عليه "بريسم - PRISM"، إلى صحيفتي واشنطن بوست والغارديان.
وكشفت المعلومات، التي حصل عليها سنودن أثناء عمله كمتعاقد من الباطن مع وكالة الأمن القومي في هواي، أن وكالة الأمن القومي، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، كانا يجمعان بيانات تتضمن البريد الإلكتروني والمحادثات والفيديوهات والصور ومعلومات الشبكات الاجتماعية، من مستخدمي الإنترنت العاديين داخل الولايات المتحدة وخارجها.
ونتيجةً للانتقادات بسبب انتهاك الخصوصية، دافعت إدارة الرئيس أوباما عن برنامج المراقبة، زاعمةً أنه ساعد على منع الهجمات الإرهابية. وعلى الرغم من تنديد البعض بسنودن على أنه خائن، فقد ساند الكثيرون ما قام به، وبعد أن وجّه المدعون الفيدراليون التهم إلى سنودن، بموجب قانون التجسس، منحته روسيا اللجوء، وظل ماكثًا هناك بعد فشل محاولات الحصول على عفوٍ رئاسي.
9. وثائق بنما
في نيسان/أبريل 2016، كشف تسريب ما يقرب من 11.5 مليون ملف من قاعدة بيانات مكتب موسيك فونسيكا، في بنما، رابع أكبر شركات المحاماة الخارجية في العالم؛ عن معلومات مالية شخصية عن آلاف الأثرياء والمسؤولين الحكوميين من حول العالم.
وشاركت صحيفة زود دويتشه تسايتونج الألمانية، التي حصلت على الملفات من مصدر مجهول، هذه الوثائق مع الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين (ICIJ)، ومررت هذه المنظمة الملفات إلى شبكة كبيرة من الوسائل الإخبارية الدولية، منها "بي بي سي"، والغارديان.
ووفقًا لما بات يُسمى بوثائق بنما، فمن بين هؤلاء الأشخاص الذين استغلوا ملاذات التهرُب الضريبي الخارجية لإخفاء ثرواتهم رؤساء كل من الأرجنتين، والإكوادور وأوكرانيا والعاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز، ورؤساء وزراء كل من أستراليا وآيسلندا، وأفراد من العائلة الملكية في إسبانيا؛ وعدد من الرياضيين البارزين والممثلين ورجال الأعمال حول العالم.
10. وثائق باردايس
احتوت هذه الوثائق السرية المسربة حديثًا، والتي بلغ عددها 13.4 مليون وثيقة سرية، على ذكر العديد من الشخصيات والكيانات البازرة مثل ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، وويلبر روس وزير التجارة الأمريكي الحالي، وشكرات كبرى مثل فيسبوك ونايك.
وقد سُرّبت هذه الوثائق من مكتب المحاماة "آبلبي"، وأُرسلت للصحيفة الألمانية زود دويتشه تسايتونج (نفسها التي تلقت وثائق بنما في 2016). وكشفت هذه الوثائق عن حوالي 10 تريليون دولار من الاستثمارات الخارجية المستخدمة لإخفاء الثروات والأرباح، وللتهرب الضريبي.
أحدث التسريبات هي وثائق برادايس التي كشفت تورط سياسيين بارزين وشركات كبرى في إخفاء ثرواتهم والتهرب الضريبي
ومن ضمن المعلومات الصادمة المذكورة في هذه الوثائق، امتلاك وزير التجارة الأمريكي، ويلبر روس، نصيبًا في إحدى شركات الشحن الخارجية، والمرتبطة مباشرةً بصهر فلاديمير بوتين.
وعلى الرغم من ظهور بعض هذه الأوراق علنًا، في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر 2017، ما يزال الصحفيون يستكشفون هذه الوثائق بحثًا عن المعلومات التي يمكنهم الوصول إليها.
اقرأ/ي أيضًا:
وثائق برادايس.. ترامب وبوتين وملكة بريطانيا في عمق تسريبات الملاذات الضريبية