هل جَربتُم يومًا أن تملؤوا جيوب المَلل بأرغفة الخبز الساخن؟ وأن تقفزوا على آلامكم بتعليم قطة صغيرة المواء؟ وأن تدخلوا إلى مجلس التصالح مع فكرة الخوف؟ وأن تبددوا الأوقات الكثيرة المُتراصة في هذا الصيف أمام الحائط؟ أنتم تعرفون جيدًا أن الحائط قد يكون بعدة ألوان: إما أبيض أو أبيض! لا ثالث لهما في ادراكي البصري.
هذه نفسي، يرتهنها العابر المُرتبك، يشيد منها صراطًا فيُمرُّ بِسلام، أما الخطاطيف فهذه حصتي، لا تُفرط بي "كِرمال العشرة بيننا" وأضحك، الوقحة لا تتخلى عني! تناكفني "لقد ضمنتُ لك سجناً هذه الشهور... ذات المكان والسماء ولا بحر، ما فشر عيونك تشوف البحر".
نعم أعزائي، هذه النبرة التي تُحدثني بها وهي لا تخشى في ذلك انتقامًا أو سوء معاملة على الأقل، تقول "الأصيل أصيل حتى وهو زعلان".
يتأفأف الحرف مني، يُفاوض صوتي اللغة لتمرير صفقات من "تحت الطاولة"، ولا شاهد إلا الظلام، عَرّاب الأزمنة التي تصير كلابًا شرسة تشتم ارتباك الخائف، فتُقطعه ثم تلوكه ببطء. لا زال صوتي ينتظر بتعرق وتوتر شَديدين عند زاوية المَسلَخ الذي عُلِقَت فيه بقايا خائفين سابقين، ينظر إلى ساعته المُعطلة، ينتظر إشارة من الزمن القريب ليصرخ، لكن ارتداده يرتطم بالعادة فيتكسر الصوت أجزاءً لا يصدر عنها إلا وشوشة ناشزة.
في غرفتي التي لا نوافذ لها ولا أبواب، وإنما فقط سقف وجدران، وضعتُ على طاولة صغيرة بالكاد تتسع للعبة أحجية تتكون من ألف قطعة، وقد وَصَلتُ منها الجزء الأخضر فإذا هو غابة، وأما الأزرق فقد اقتسمه اثنين: سماءٌ وبحر، وكان كل شيء يسير بسلاسة بياض الغمام الصيفي، أما الجالس الذي يُدير ظهره لي اختيارًا وإصرارًا ونكدًا، صامتًا رماديًا، لا يُثيره شيء وإن حاولتُ مضايقته بوضع قطع غير ملائمة له، سِيان عنده أن يكتمل أو يبقى ناقصًا إلى الأبد.
ثم نكاية به، رميتُ أجزاء اللعبة كلها، فتشكلت على أرض غرفتي أحجية عظيمة، بل خُيل لي حتى بأنها تكاثرت، وقد عجزتُ عن إكمالها أو تصنيفها، كأنها تداخلت، ومن شدة الفوضى قررت الهروب من الغرفة، فإذ فجأة يصير لها أبوابًا ونوافذ، فتنغلق علي، ثم يتدلى من على الباب بَيان: "لا يُفتح هذا الباب إلا بإكمالها".
يصير الباب هو الحاكم والحارس وصك المرور إكمال اللعبة.
اقرأ/ي أيضًا: