06-نوفمبر-2024
القضايا الرئيسية ترامب

صورة أرشيفية لزيارة أجراها ترامب إلى الحدود مع المكسيك في فبراير الماضي (رويترز)

مثّل فوز الملياردير المثير للجدل، دونالد ترامب، في انتخابات الرئاسة سابقة لم يشهدها تاريخ رؤساء الولايات المتحدة على مرِّ العقود، فهو أول شخص يصل إلى هذا المنصب بعد إدانته بـ34 جريمة جنائية، كما أنه نجا من محاولتي اغتيال، فضلًا عن لوائح الاتهام التي يواجهها بشأن رفضه نتائج انتخابات 2020. ومع ذلك، استطاع الفوز بهذه الانتخابات رغم الزخم الذي رافق حملة منافسته الديمقراطية كامالا هاريس. فوز كان سببه الأساسي بناء برنامج حملته الانتخابية، وتحديدًا القضايا الرئيسية لهذه الحملة، على الجانب النقيض تمامًا من حملة نائبة الرئيس.

الآن، وبعد معرفة هوية الفائز ببطاقة الجلوس خلف المكتب البيضاوي في الجناح الغربي للسنوات الأربع القادمة، علينا العودة إلى أبرز القضايا التي وعد ترامب الناخبين بتنفيذها على مستوى السياسة الداخلية للولايات المتحدة، وركّز فيها على "إحباط ومخاوف" الأميركيين من سياسات هاريس، في ما يخص الاقتصاد والهجرة غير الشرعية، بحسب ما تقول صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.

برنامجان متناقضان

تُفسر "نيويورك تايمز" فوز ترامب الذي أكد لأكثر من مرة أنه يريد تغيير النظام السياسي في البلاد، بأنه قبول من عشرات الملايين من الناخبين الذين يخشون أن "الحلم الأميركي أصبح بعيد المنال"، وهو ما دفعهم إلى اختيار ترامب باعتباره الشخص المنشود لـ"هزيمة المؤسسة السياسية والنخب الحاكمة"، خاصة أن شعار "أميركا أولًا" كان ركنًا أساسيًا في حملته الانتخابية لأكثر من عام.

ركّز دونالد ترامب برنامج حملته على القضايا التي تثير "إحباط ومخاوف" الأميركيين من برنامج منافسته كامالا هاريس، خاصة في ما يتعلق بالاقتصاد والهجرة غير الشرعية

بنى ترامب الجزء الأكثر أهمية من حملته الانتخابية على قضية الهجرة غير الشرعية، والتي تعد من النقاط القوية التي جذبت الناخبين المحافظين، وجزء ليس ببسيط من ناخبي الطبقة المتوسطة المستقلين، نظرًا لسجل هاريس المرتبط بمنصبها كنائبة للرئيس، جو بايدن، وما رافق ولايته من فشل في معالجة هذا الملف. ومن باب التذكير، لا بد من الإشارة إلى أن ترامب اتخذ موقفًا متطرفًا على هذا الجانب، وكرر في أكثر من تجمع انتخابي أنه سينفذ "أكبر عملية ترحيل" في تاريخ الولايات المتحدة.

مرة أخرى، استبق ترامب منافسته هاريس بخطوة، بعدما أعلن إلغاء الضرائب الفيدرالية على الإكراميات، على الرغم من أن لجنة الميزانية الفيدرالية قدّرت الخسائر بنحو 250 مليار دولار، لكن في المقابل يحتاج هذا التشريع موافقة الكونغرس عليه حتى يُصار نافذًا؛ كما تعهد ترامب أمام أنصاره بإلغاء فرض الضرائب على مزايا الضمان الاجتماعي لكبار السن، بحسب ما ذكرت شبكة "CBS News" الأميركية.

في مقارنة أخرى، أعاد ترامب التأكيد في مناظرته الوحيدة ضد هاريس أنه سيُلغي قانون الرعاية الصحية، أو ما يُعرف بـ"أوباما كير"، والذي يُعد واحدًا من أهم إنجازات الرئيس الديمقراطي السابق، باراك أوباما، وعندما مارست هاريس الضغط على ترامب لمعرفة قانون الرعاية البديل، رفض الإجابة عن هذا السؤال مكتفيًا بالقول إنه يملك "أفكارًا لخطة".

فعليًا، يُعتبر قانون "أوباما كير" واحدًا من القوانين التي حاول ترامب خلال ولايته الأولى مرارًا وتكرارًا إلغاءه دون أن يستطيع ذلك، نظرًا لأن إلغاء القانون يحتاج موافقة الكونغرس. ولأكثر من مرة فشل الجمهوريين بإلغاء القانون بالتصويت في الكونغرس، بالإضافة إلى رفض المحكمة العليا ذلك، لذا من المتوقّع أن يكون أحد أهداف ترامب خلال هذه الولاية إلغاء "أوباما كير".

هناك أيضًا قضية مهمة جذبت استقطابًا مجتمعيًا في الولايات المتحدة، والحديث هنا عن قانون حق الإجهاض، والذي كان واحدًا من الأعمدة الرئيسية لحملة هاريس، لكن في المقابل فإن ترامب كانت لديه نظرة متغيّرة تجاه هذا القانون، الأمر الذي أثار المخاوف لدى المحافظين، وجماعات اليمين الأميركي، وعلى الرغم من ذلك فإن ترامب يجادل بأن تعيينه لثلاثة قضاة محافظين في المحكمة العليا لعب دورًا في إلغاء قانون "رو ضد وايد" الذي يحمي حرية النساء في اختيار الإجهاض، بحسب "CBS News".

"إجراءات عدوانية" في السياسة الداخلية

في قراءتها للأسباب التي أدت إلى فوز ترامب في السباق إلى البيت الأبيض، ترى صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، أن تحقيق ترامب للأغلبية في المجمع الانتخابي كان نتيجة لتصويت النسبة الأكبر من الرجال، بالإضافة إلى الناخبين البيض لصالحه، والأمر هنا لا يقف عند هاتين الفئتين فقط، بل يشمل أيضًا القاعدة الانتخابية التاريخية للديمقراطيين، ممثلةً بالناخبين اللاتينيين والسود، وكذلك الشباب أيضًا.

أنصار ترامب
مؤيدون لترامب يتابعون نتائج الانتخابات في بالم بيتش (رويترز)

كان ترامب واضحًا في خطاب النصر الذي ألقاه بعد إعلان فوزه رسميًا بانتخابات الرئاسة الأميركية لـ2024، وقال أمام حشد من القادة الجمهوريين: "أميركا منحتنا تفويضًا غير مسبوق وقويًا". كما أنه أكد في خطاب قبيل ساعات من خطاب النصر قائلًا: "سأجعل أميركا عظيمة مجددًا، وسوف نُصحّح وضع حدودنا، وسنُغلقها إذ نُريد أن يأتي المهاجرون بطريقة قانونية".

على هذا الأساس، يشير تقرير لموقع "ذا تلغراف" إلى أن أجندة اليوم الأول لترامب في البيت الأبيض، ستستهدف بـ"إجراءات سريعة وعدوانية" الهجرة غير الشرعية، والتي سيتم تنفيذها بشكل أساسي من قبل وكالات إنفاذ القانون والشرطة المحلية في كل ولاية، حتى أنه لم يستبعد استدعاء الجيش والحرس الوطني الأميركي للمساعدة في تنفيذ هذه الإجراءات، على الرغم من أن استدعاء الجيش والحرس الوطني يتطلب قضايا دستورية محددة.

ولتحقيق ذلك، عاد ترامب إلى قانونين صدرا في القرنين الـ18 والـ19، الأول مرتبط بـ"قانون الانتفاضة" الذي يرجع إلى عام 1807، ويمنح الرئيس سلطة نشر الجيش داخل الولايات المتحدة في قضايا محددة، أما الثاني فهو "قانون الأعداء الأجانب"، تصفه "ذا تلغراف" بأنه "نادر يعود إلى عام 1798"، ويسمح هذا القانون باحتجاز المهاجرين دون أن يتم استجوابهم أو حضورهم جلسات استماع.

لكن هذه الخطة التي توصف بأنها "أكبر عملية ترحيل في التاريخ" ستكون مكلفة، وبحسب ما نقل "ذا تلغراف" عن شركة أبحاث وسياسات المجلس الأميركي للهجرة، فإن كلفة الاعتقال والترحيل الجماعي لكل مليون شخص تقدّر بما يقارب 88 مليار دولار، مضيفة أن هذه العملية في حال تم تطبيقها على 11 مليون مهاجر غير شرعي ستكلف 968 مليار دولار.

بالإضافة إلى ذلك، سيعمل ترامب جاهدًا على إكمال بناء الجدار على الحدود مع المكسيك، كما أنه أعاد التذكير في حملته الانتخابية بأنه سيعيد فرض حظر على مواطني العديد من الدول المسلمة من دخول الولايات المتحدة، وبالتأكيد لا بد من الإشارة لتعهده بإلغاء التعديل الـ14 في الدستور الأميركي، وهو تعديل يمنح الجنسية الأميركية تلقائيًا للأطفال الذين يولدون في الولايات المتحدة.

أيضًا من بين القضايا التي أثارها تقرير "ذا تلغراف"، كان خطة ترامب التي يريد من وراء تنفيذها استبدال موظفي الخدمة المدنية بموظفين مسيسين ومدربين، وملتزمين أيضًا بالسياسات الجمهورية المحافظة، وهو ما يشكل اختبارًا لمدى قوة وسلطة ترامب في البيت الأبيض، وكانت هذه الفكرة قد أُثيرت للمرة الأولى بعد طرح "مشروع 2025" المحافظ الذي يدعو لتغيير شكل ونهج الحكومة الأميركية في المستقبل.

ومن ضمن التعهدات التي أطلقها ترامب خلال حملته الانتخابية، كان منح تراخيص استخراج النفط والغاز، في مقابل إيقاف تمويل مشاريع طاقة الرياح، ويستند ترامب في هذا التعهد إلى مزاعم يقول فيها إن مشاريع الطاقة "تقتل الحيتان والطيور"، مؤكدًا أنه سيعمل على ذلك في اليوم الأول من وصوله إلى البيت الأبيض.

أخيرًا، تشكل وزارة العدل واحدة من الوزارات التي يريد ترامب السيطرة عليها بقوة، فهو أول رئيس يتولى منصبه كمتهم في قضيتين جنائيتين رفعهما ضده المدعي العام، جاك سميث، وكان ترامب قد قال في مقابلة إذاعية إنه إذا عاد إلى البيت الأبيض سيقوم بطرد سميث "في غضون ثانيتين"، وعلى الرغم من "الاستقلال السياسي" الذي تتمتع به وزارة العدل، كما يقول "ذا تلغراف"، إلا أن ترامب يتوقع عدم مواجهته لأي عواقب. كما أكد ترامب أنه سيصدر عفوًا خاصًا للأشخاص المدانين بحادثة اقتحام مبنى الكابيتول في السادس من كانون الثاني/يناير 2020.