"سنسلم المشعل للشباب" هذه العبارة الرنّانة أصبحت أسطوانة يومية يطلقها رجال السياسة في الجزائر، في محاولة منهم لاستمالة هذه الشريحة، والاستثمار في الخزان الشبابي الكبير الذي تزخر به الجزائر، كما تستعمل السلطة نفس النغم بعد العزوف الكبير إزاء كل المبادرات السياسية.
نادرًا ما تمنح الأحزاب السياسية الجزائرية الفرصة للشباب ليتصدروا القوائم الانتخابية ويكونوا جزءًا من عملية صنع القرار فيها
اليوم، أزيد من نصف شباب الجزائر لا ينتخبون ولا يبدون أي تحمس للانخراط في الحراك السياسي، أو الانضمام لأحزاب قد تكون برامجها موافقة لتطلعاتهم.
اقرأ/ي أيضًا: القوائم الانتخابية في الجزائر..لمن يدفع أكثر؟
وسط كل هذا الزخم، تحاول الأحزاب السياسية في الجزائر، خاصة أحزاب المعارضة، وتلك المعروفة بتواجدها الفعلي والميداني استقطاب هذه الفئة التي تشكل أكثر من ثلثي سكان الجزائر، وحثهم على أن يكونوا جزءًا فعالًا داخلها، فلماذا يبتعد شباب الجزائر عن الفعل السياسي؟ وإلى متى تتواصل نظرة الأحزاب إليهم كوعاء انتخابي مع اقتراب كل استحقاق؟ وهل لا يزال الشباب الجزائري يطمع في أن يكون ورقة رابحة في عملية التغيير؟
إن المتمعن في قوائم كبرى الأحزاب الجزائرية، تحسبًا للانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها في الرابع من آيار/مايو القادم، يلاحظ إعادة اجترار نفس الأسماء والوجوه، شخصيات تتجاوز الخمسين والستين وحتى السبعين من العمر، وجوه كان لها يد في إنتاج الفشل الجزائري، فيما نجد شباب تلك الأحزاب يتذيلون القوائم، ليغدوا مجرد ديكور فقط.
نادرًا ما تمنح هذه الأحزاب الفرصة للشباب ليتصدروا القوائم ويكونوا جزءًا من عملية صنع القرار فيها. التعيينات وإسداء المسؤوليات في الجزائر لا يزال يسري بحكم القرابة والموالاة وسلطة المال، فيما نجد بعض الاستثناءات في أحزاب المعارضة كحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية مثلًا الذي منح فرصة للشاب ياسين عيسيوان ليتصدر قائمة محافظة تيزي وزو، معقل الحزب وأحد أكبر تحدياته الانتخابية نظرًا للمنافسة التاريخية مع جبهة القوى الاشتراكية أقدم الأحزاب المعارضة في الجزائر، وكذا القائمة الحرة التي يتصدرها السيد نور الدين أيت حمودة أحد قيادات "الأرسيدي" المنشقين عن الحزب.
شباب مجتمع السلم، والمعروفة اختصارًا بمنظمة "شمس" وهي الإطار التنظيمي الأول للشباب المناضلين في صفوف حركة مجتمع السلم، أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر، تأسست بهدف تأطير الشباب داخل الحزب وتهيئتهم من أجل تولي المسؤوليات مستقبلًا وضمان انتقال سلس للقيادة داخل الحزب.
التعيينات وإسداء المسؤوليات في الأحزاب الجزائرية لا يزال يسري بحكم القرابة والموالاة وسلطة المال، فيما عدا بعض الاستثناءات القليلة
جقبوب برهان الدين، عضو الفريق الوطني السابق للمنظمة يصرح لـ"ألتراصوت" أن "المتأمل في واقع الأحزاب السياسية في الجزائر يقف أمام مفارقة عجيبة جدًا، فالأحزاب تنادي بملء فمها عن رغبتها في ضمّ الشباب إلى صفوفها، في حين لا تقدّم -في معظمها- لهم خطابًا فكريًا يرقى إلى تطلعاتهم، أو حتى تخصص لهم أيّ موقع داخل لجانها المتفرعة، مما يوحي أنها لا تريد الشباب سوى من أجل رفع عدد منخرطيها وناخبيها وإيهام الرأي العام أن لها قاعدة شبابية مهمّة، والدليل أنه لن يُعثر عن أيّ شاب دون سن الخامسة والعشرين داخل المكتب المسيّر لأيّ حزب".
اقرأ/ي أيضًا: المال السياسي بعبع الانتخابات البرلمانية الجزائرية
ويضيف جقبوب: "إن النظرة السائدة اليوم لدى غالبية الشباب في الجزائر هي نظرة تشاؤمية وساخرة تجاه كل ما هو سياسي، هذه النظرة التي تجذّرت رغم كل محاولات دراسة جذورها والعمل على تقويم أسبابها من أجل اقتلاعها ومحوها، نظرة تتحمل تبعاتها كل النخب السياسية".
في ذات السياق يرى الصحفي جعفر خلوفي أن "عزوف الشباب عن ممارسة السياسة بشكل فعلي يتداخل مع عزوف الشعب الجزائري بكل شرائحه عن المشاركة في الفعل السياسي، والظاهرة أكثر حدّة عند الشباب لعوامل عدة أهمها، القطيعة الموجودة بين الأجيال في الجزائر فعندما نعلم بأن جيل ما قبل الثورة هو الذي يحكم جزائر اليوم من الطبيعي أن ينفر الشباب من كل ما يرمز لذلك الجيل الذي استولى على كل شيء باسم السياسة والثورة. في حين أُحرقت أيادي الشباب بنيران المشعل دون أن تستلمه، ويؤكد خلوفي أن "العمل السياسي في الجزائر بلغ مستويات مرعبة من التدني التي لا تشجع الشباب على الانخراط فيه ولقد لاحظنا هذا في رتابة وسخافة المناظرات السياسية التي تقدم في القنوات الخاصة، وضعية تبين بأن الحقل السياسي صار مرادفًا للمنفعة والزبائنية لا حقلًا للنضال والعمل من أجل المبادئ رغم أصوات سياسية تستحق الاحترام وقد تعيد للممارسة السياسية شيئًا من النبل والعمق خاصة وأن تغيير الأمور بطريقة سلمية مرهون بالعمل السياسي الفعلي".
تبقى معادلة "الشباب والسياسة"، إحدى المسائل التي تطرح كل مرة للنقاش داخل الجزائر، فعديد الأحزاب بدأت في التفكير في إنشاء منظمات تابعة هيكليًا لها من شأنها تأطير الشباب داخلها، لكن حدة الاهتمام تزيد مع اقتراب كل موعد انتخابي، الخريطة السياسية للجزائر اليوم لم تتغير كثيرًا، والانتخابات التشريعية القادمة لن تختلف كثيرًا عن سابقاتها، قد تتغير بعض الأرقام ليتقدم حزب ويتأخر آخر لكن ما هي إلا عملية إعادة تدوير لفشل يتجدد كل مرة، ليبقى السؤال المطروح، هل هناك طلاق بائن بين الأحزاب الجزائرية والشباب؟
اقرأ/ي أيضًا: