أحمد رامي (1892 - 1981) شاعر ومترجم مصري. ومن المعروف أنه كتب الكثير من كلمات الأغاني لـ أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، ولعب دورًا رائدًا في تطوير الأغنية العربية عبر استخدامه لغة بسيطة للتعبير عن موضوعات مركبة.
في هذه القصيدة يرثي أم كلثوم.
ما جال في خاطري أنّي سأرثيها
بعد الذي صُغتُ من أشجى أغانيها
قد كنتُ أسمعها تشدو فتُطربني
واليومَ أسمعني أبكي وأبكيها
صحبتُها من ضحى عمري وعشتُ لها
أدفُّ شهدَ المعاني ثمّ أهديها
سُلافةً من جنى فكري وعاطفتي
تُديرها حول أرواحٍ تُناجيها
لحنًا يدبُّ إلى الأسماع يَبْهَرُها
بما حوى من جمالٍ في تغنيّها
ومنطقًا ساحرًا تسري هواتفُهُ
إلى قلوب مُحبّيها فتَسبيها
وبي من الشَّجْوِ.. من تغريد ملهمتي
ما قد نسيتُ بهِ الدنيا وما فيها
وما ظننْتُ وأحلامي تُسامرني
أنّي سأسهر في ذكرى لياليها
يا دُرّةَ الفنِّ.. يا أبهى لآلئهِ
سبحان ربّي بديعِ الكونِ باريها
مهما أراد بياني أنْ يُصوّرها
لا يستطيع لها وصفًا وتشبيها
فريدةٌ من عطاياهُ يجود بها
على براياه ترويحًا وترفيها
وآيةٌ من لُدُنْهُ لا يمنُّ بها
إلا على نادرٍ منْ مُستحقّيها
صوتٌ بعيدُ المدى.. ريَّا مناهلهُ
به من النبرات الغرِّ صافيها
وآهةٌ من صميم القلبِ تُرسلها
إلى جراحِ ذوي الشكوى فتشفيها
وفطنةٌ لمعاني ما تردّدهُ
تجلو بترنيمها أسرارَ خافيها
تشدو فتَسمع نجوى روحِ قائلها
وتستبينُ جمالَ اللحنِ من فِيها
كأنما جَمعتْ إبداعَ ناظمها
شِعرًا وواضعِها لحنًا لشاديها
يا بنتَ مصرٍ ويا رمزَ الوفاء لها
قدّمتِ أغلى الذي يُهدَى لواديها
كنتِ الأنيسَ لها.. أيّامَ بهجتها
وكنتِ أصدقَ باكٍ.. في مآسيها
أخذتِ منذ الصِّبا تطوينَ شقَّتَها
وتبعثين الشَّجا في روح أهليها
حتى رفعتِ على أرجائها عَلَمًا
يرفُّ باسمكِ في أعلى روابيها
وحين أَحدَقَ بالأرضِ التي نَشَرتْ
عليكِ أفياءها شرٌّ يُعنّيها
أهبتِ بالشعبِ أنْ يسعى لنجدتها
بالمال والجهد.. إحياءً لماضيها
وطُفْتِ بالعُرْبِ تبغين النصيرَ لها
والمستعانَ على إقصاء عاديها
حتى إذا صدقتْ في العون همّتُهم
وجاءها النصرُ وانجابتْ غواشيها
عاد الصفاء لها وارتاح خاطرها
بعد القضاءِ على ما كان يُضنيها
وأقبل الغربُ يسعى في مودّتها
لما رأى من طموحٍ في أمانيها
يا من أسِيتُم عليها بعد غيبتها
لا تجزعوا فلها ذِكرٌ سيُبقيها
وكيف تُنسى؟ وهذا صوتُها غَرِدٌ
يرنُّ في مسمع الدنيا ويُشجيها
أضفى إلهي عليها ظِلَّ رحمتهِ
وظَلَّ من منهل الرضوانِ يسقيها
تبلى العظامُ وتبقى الروحُ خالدةً
حتى تُردَّ إليها يومَ يُحييها