هذه المساحة مخصصة لأرشيف الثقافة والفن، لكل ما جرى في أزمنة سابقة من معارك أدبية وفنية وفكرية، ولكل ما دار من سجالات وأسئلة في مختلف المجالات، ولكل ما مثّل صدوره حدثًا سواء في الكتب أو المجلات أو الصحف، لكل ذلك كي نقول إن زمن الفن والفكر والأدب زمن واحد، مستمر دون انقطاع.
تُعد موسوعة "بلادنا فلسطين" للمؤرخ الفلسطيني مصطفى مراد الدباغ (1897 - 1989)، إلى جانب الموسوعة الفلسطينية، من أهم ما كُتب عن فلسطين ومُدنها وقُراها منذ أقدم الأزمنة وصولًا إلى عام النكبة 1948. فالموسوعة التي تتألف من 8 أجزاء، وتتوزع على 11 مجلدًا، تُقدّم صورة شبه متكاملة لتاريخ مدن فلسطين وثقافتها واقتصادها وعمرانها وشخصياتها البارزة، إلى جانب أوضاعها السياسية.
بدأ الدباغ العمل على موسوعته أواخر أربعينيات القرن الفائت، وأصدر الجزء الأول عام 1947، قبل عام من وقوع النكبة. وعند وقوعها، اضطر إلى الهجرة من مدينته يافا على متن قارب حاملًا معه ما أنجزه من مشروعه في حقيبة اضطر إلى رميها في البحر للتخفيف من حمولة القارب الذي كاد يغرق.
تُقدّم الموسوعة صورة شبه متكاملة لتاريخ مدن فلسطين وثقافتها واقتصادها وعمرانها وشخصياتها البارزة وأوضاعها السياسية
وبعد عدة سنوات على تلك الحادثة، بدأ الدباغ العمل على مشروعه مجددًا، ومن الصفر أيضًا، حيث قرر إعادة كتابة الجزء الأول على نهج غير الذي سار عليه في عام 1947.
يُقدّم الدباغ في الجزء الأول "جغرافيا فلسطين وتاريخها: نظرة عامة"، ما يُمكن اعتباره مقدّمة أو تمهيدًا لبقية أجزاء الموسوعة، إذ تناول فيه موقع فلسطين الجغرافي، ومساحتها، وسكانها، وتقسيماتها الطبيعية والإدارية وفق الترتيب الانتدابي البريطاني عشية وقوع النكبة في عام 1948.
ويقف أيضًا عند المستعمرات اليهودية في كل قضاء من أقضية فلسطين. ثم ينتقل إلى تاريخ البلاد بدءًا بالعصر الحجري القديم، فالوسيط، ثم الحديث.. إلخ. ويفرد كذلك حيزًا للشعوب التي سكنتها منذ أقدم الأزمنة وصولًا إلى القبائل العربية التي استقرت فيها ما قبل الإسلام. وقد خصص الدباغ قسمًا من الجزء الأول لاستعراض أهم الوقائع التي حدثت في فلسطين حسب ترتيبها الزمني.
وفي الجزء الثاني "الديار الغزيّة"، يبحث الدباغ في تاريخ وجغرافيا مدن وقرى وبقاع لواء غزة الذي كان يضم قضاءي غزة وبئر السبع، ويسلط الضوء أيضًا على أحوالهما وتحوّلاتهما في عصور مختلفة، وفي ظل أحداث ووقائع فارقة سياسية في تاريخ فلسطين والمنطقة العربية عمومًا، آخرها النكبة.
أما الجزء الثالث الذي صدر في مجلدين تحت عنوان "الديار النابلسية"، فقد خصصه الراحل لتاريخ وجغرافيا ومدن وقرى الديار النابلسية التي تضم أقضية نابلس وجنين وطول كرم. وإلى جانب التاريخ والجغرافيا، يتوقف الدباغ عند التعليم وأحواله في هذه الديار منذ العهد العثماني وصولًا إلى أربعينيات القرن الفائت، وهجرة اليهود إليها واستيطانهم فيها، وأبرز شخصياتها الثقافية والعلمية، والأحداث الفارقة التي شهدتها.
ويبحث في الجزء الرابع "الديار اليافية" في تاريخ وجغرافيا 3 أقضية هي يافا والرملة وشرق الأردن، ويُلقي الضوء على أحوالها ويستعرض أبرز معالمها ومدارسها وجوامعها وكنائسها، إلى جانب ما شهدته من أحداث مهمة، سيما الثورات والإضرابات التي وقعت في يافا خلال عام 1921، و1929، و1933، و1936، وصولًا إلى حرب 1948، فالنكبة. كما يفرد حيزًا لاستعراض أهم شخصياتها في مختلف المجالات.
وفي الجزء الخامس "ديار الخليل"، يقدّم الدباغ لمحة مفصلة لتاريخ وجغرافيا وسكان ديار الخليل منذ أقدم الأزمنة وصولًا إلى الانتداب البريطاني. بينما خصص الجزء السادس "ديار الجليل"، الذي صدر في مجلدين، لأقضية صفد، وطبريا، وبيسان، والناصرة، وعكا، وحيفا. ويُعيد في هذين المجلدين تكرار ما فعله في الأجزاء السابقة، فيتناول التاريخ والجغرافيا والسكان والعمران، إلى جانب الشخصيات الثقافية. كما يستعرض القُرى التي مُحيت في العهد البريطاني.
وأفرد الدباغ الجزء السابع من الكتاب "ديار بيت المقدس" لأقضية القدس ورام الله وبيت لحم وأريحا. بينما خصص الجزء الثامن، الذي صدر في مجلدين، لبيت المقدس الذي بحث في تاريخه وجغرافيته وما يرتبط بهما خلال فترة تمتد منذ ما قبل الميلاد بنحو 3 آلاف عام، وصولًا إلى عهد الانتداب البريطاني.