أثار انتباهي منذُ فترة قصيرة، مشاهدٌ متواصلة لا تتجاوز 15 دقيقة، من فيلم يُعرض على قناة "إم بي سي بوليوود"، يُحاكي في قصته محاربة جهازي المخابرات الباكستانية والهندية للإسلاميين المتشددين الذين يقاتلون في سوريا حاليًا، وإرسالهما عملاء للقضاء على قادتهم، أولئك الأشرار الذين تحاول أجهزة المخابرات العالمية اغتيالهم حتى يعم السلام العالم.
قبل أن تدخل سوريا بوابة مخيلة كتبة السيناريوهات، كان الاعتماد على وكالة الاستخبارات الروسية (كي جي بي)، ودول أوروبا الشرقية، أو "الإرهابيين" في منطقة الشرق الأوسط، مثل أفغانستان، فيتنام، ولاحقًا العراق، التي يبرع صناعها في تأليف حماية الولايات المتحدة مدنها أولًا، والعالم ثانيًا، من الانهيار وفناء المدن الكبرى.
قبل أن تدخل سوريا بوابة مخيلة كتبة السيناريوهات، كان الاعتماد على وكالة الاستخبارات الروسية (كي جي بي)، ودول أوروبا الشرقية
ولم يكن من الوارد تفويت أي فرصةٍ فيما يحصل بمنطقة الشرق الأوسط، وبالأخص اليمن، مصر، ليبيا، وسوريا، وهذه الأخيرة لها الأسبقية الأحق في تقديم الشخصيات "الإرهابية" مستقبلًا، كونها من أوائل الدول التي برزت للواجهة العالمية بعد إعلان "الخلافة الإسلامية" من داخل أراضيها، وظهور تنوع ملحوظ في الجماعات الإسلامية سواء متشددة أو معتدلة، علاوةً على أنها أضحت وجهة لقيادات بارزة في "تنظيم القاعدة".
مرةً ثانية، قبل أن تدخل منطقة الشرق الأوسط في مجملها هذه المرحلة من الأسطرة الإرهابية في سوق السينما العالمية، كانت الأفكار تؤخذ عن الصراع الأزلي بين وكالتي الاستخبارات الروسية والأمريكية، مع أفضلية للأخيرة، التي تنقذ العالم من حقد الشيوعيين على الأب الروحي للرأسمالية، وهو ما يفوت علينا فرصة رؤية العالم وهو ينهار أمام أعيننا، مع أنها للأسف لن تتاحَ لنا أبدًا.
اقرأ/ي أيضًا: فيلم ملكات سوريا.. ممالك ضائعة ونظام زائل
ويمكن أن نقرأ بين الوكالتين عينهما مدى حدة الصراع، في النظر للأخبار الواردة عن انتخابات الرئاسة الأمريكية، ففي الوقت الذي ينشط موقع "ويكيليكس" في نشر تسريبات من البريد الشخصي لهيلاري كلينتون، واتهام بلادها للاستخبارات الروسية بالوقوف خلفها، لما تملكه من علاقة مع جوليان أسانج مؤسس الموقع، تتصاعد حدة نشر التسجيلات المسجلة، والفضائح الجنسية لدونالد ترامب، الذي يملك مواقف إيجابية من السياسة الروسية.
في هذا الإطار علينا ألا نبتعد كثيرًا عن مجرى الحديث، كون مصر أدخلت هذا الجانب لمنتوجها عبر الدراما، بعد إنتاجها لمسلسل "القيصر" الذي يحاكي قصة عميل هوليوودي بنكهة مصرية، يحارب خلية إرهابية تدربت في سوريا، وجاء إلى "سيناء" المصرية عبر ليبيا لتنفيذ هجمات وسط القاهرة.
مصر أدخلت هذا الجانب لمنتوجها عبر الدراما، بعد إنتاجها لمسلسل "القيصر" الذي يحاكي قصة عميل هوليوودي بنكهة مصرية
هكذا نجدا أنفسنا أمام معضلة حقيقية في تصدير العدو للمتفرج، فإذا كان الجانب الهوليوودي أو البوليوودي مفهومًا، علينا أن نقف مطولًا أمام الهدف المصري المرجى من كهذا عمل، كون المنطقة بشكل عام ذاهبة إلى منحى مختلف تمامًا عن سابقه، ولربما كانت خشية أندريه مالرو من أن يكون القرن الجاري دينيًا في محلها.
ونادرًا ما ينصف صناع السينما قضايا حقوق الإنسان، فهي مثلًا لا تصور الصواريخ المحملة بغازات سامة كيف تسقط على أناس نيام، أو تسريبات الصور التي تفضح التعذيب في السجون المصرية، لكنها من الممكن أن تُظهر سيف الإسلام القذافي قائدًا لمجموعة عسكرية تحارب الإرهاب في ليبيا، وبين صورة وصورة تختلف المسميات، وتبرز حكاية الرجل الصالح الذي يحتاجه العالم لكنه غير موجود.
اقرأ/ي أيضًا:
فلسطين والسينما المصرية.. حضور نادر
نزهة في الغابة.. مغامرة عجوز لا تعيد شباب الحكاية
10 حقائق مثيرة عن ثلاثية أفلام العراب