23-أغسطس-2021

يعتمد الفيلم بشكل أساسي أيضًا على تسجيلات دينيس نيلسن (HeavenofHorror)

ألتراصوت- فريق الترجمة

لا يحبّ القاتل أن يلقى القبض عليه ويحاكم. ربما تبقى لدى القاتل رغبة فتّاكة بالظهور والاعتراف المتبجّح بجرائمه، وهي تظهر على أمثل وجه حين يوضع في السجن، وتعرض أمامه الفرصة التي طال انتظارها للحديث عن صنائعه الدموية. 

يعتمد الفيلم بشكل أساسي أيضًا على تسجيلات دينيس نيلسن، المعتوه الإسكتلندي الذي أرعب لندن في ثمانينات القرن العشرين

هذا ما يظهر في عدة برامج ووثائقيات حول الجرائم والقتلة المتسلسلين، مثل وثائقي السفّاح تيد بندي وغيرها من الأعمال التي اعتمدت بشكل أساسي على تسجيل مقابلات مع القتلة والمجرمين وتدوين اعترافاتهم وتفاصيل جرائمهم. تضمّ قائمة هذه الأعمال ما يلي:

كما يمكن أن نضيف إلى هذه القائمة، فيلم "مذكرات قاتل: أشرطة نيلسن" (Memories of a Murderer: The Nilsen Tapes)، وهو فيلم وثائقي يعتمد بشكل أساسي أيضًا على تسجيلات دينيس نيلسن، المعتوه الإسكتلندي الذي أرعب لندن في ثمانينات القرن العشرين، والتي ظهرت قصته أيضًا في عمل درامي من بطولة ديفيد تينانت، ونستعرض هنا مراجعة مختصرة عنه منقولة بتصرف عن موقع "ذا ديلي بيست" الأمريكي. 

يبدأ المخرج، مايكل هارت، فيلمه الوثائقي، "مذكرات قاتل: أشرطة نيلسن"، بمقطع يبدي فيه دينيس نيلسن اعتراضه على فكرة أنّه كان يسعى بشكل مقصود إلى تخليد اسمه عبر سلسلة من الجرائم. هذا ما ادعاه مقال صحفي جاء فيه بأن نيلسن نرجسي مريض، يرغب في أن تسلط عليه الأضواء، وأن يكون "هانبيال ليكتر" جديدًا يعرفه الجميع ويذكرون صورته واسمه، وهو ما استدلّ عليه الكاتب من صورة "هانيبال ليكتر" على جدار زنزانة نيسلن. لكنّ هذا الادعاء المثالي من نيلسن يتعارض بشكل واضح مع أقواله التي أدلى بها وهو بالسجن، والتي استفاض بالحديث أثناءها عن ظروف حياته، وبلهجة تشي بالكثير من الإعجاب بالذات والامتلاء المرضيّ بها، والذي يحاول أن يخفف منه عبر الالتزام بمظهر الإنسان العادي، كأنه يريد بكل من يرى اعتيادية حالته ومظهره أن يستصعب تصديق أن هذا الرجل ذاته قد ارتكب كل تلك الجرائم على شناعتها.

اقرأ/ي أيضًا: مسلسل "Mindhunter".. ما الذي يدور في عقل القتلة المتسلسلين؟

صحيحٌ أن المظهر الخارجي لنيلسن، بقوامه النحيل، ونظاراته البسيطة، وقصة شعره المدرسية، كانت عناصر نجحت في منح قصته تلك الهالة الأسطورية، تمامًا مثل قصة العديد من السفاحين السابقين واللاحقين، مثل تيد بندي، وجيفري دامر. فلم يكن في دينيس نيلسن أي من تلك المواصفات التقليدية التي تتوافق مع الصورة الذهنية عن الشخصية القاتلة الشرية. بل إن دينيس نيلسن قد خدم فترة في الشرطة. لكنّه في الوقت ذاته معتل اجتماعي، ومجرّد من أية مشاعر إنسانية، وليس أدلّ على ذلك اعترافه الهادئ بنحره 15 رجلًا على مدى 5 سنوات، بين العامين 1978 و1983. ولم يكتشف أحد أمره إلا بعد أن استدعى نيلسن في أحد الأيام سبّاكًا لتصريف المياه، فاكتشف الرجل الحزين أن سبب الإغلاق في المصارف هو كميات هائلة من اللحم والعظام البشرية. حاول نيلسن نفسه تصريف الانغلاق الحاصل، لكنّه عجز عن ذلك، وقد رآه جيرانه في الليلة الماضية لاكتشاف أمره يحاول عبثًا إخراج ما أمكن من فضلات من المصرف، ووضعها في أكياس ضخمة، وقد اعترف لاحقًا بأنه وضع فيها بقايا عدد من الجثث.

دينيس نيلسن

التفاصيل اللاحقة التي عرضها فيلم "مذكرات قاتل: أشرطة نيلسن" كانت مقزّزة في بشاعتها. كانت طريقة عمل نيسلن تتمثل في عرض المساعدة على الأشخاص الذين يبحثون عن مكان للإقامة فيه أثناء تنقلهم من مكان إلى آخر، ويستدرجهم إلى منزله حيث يقوم بقتلهم فيه. كان في البداية يخفي الجثث في منزله الأول تحت الأرضية، ثم يحرقها في نار كبيرة في حديقته الخلفية الكبيرة. ثم لم يعد بوسعه القيام بذلك، واضطر للانتقال إلى منزل آخر. الغريب هو أن نيسلن نفسي مثليّ، وضحاياه رجال ذوو توجهات جنسية مثلية، وهذا ما جعل قصته أكثر إثارة لوسائل الإعلام، فمستوى الإثارة في التفاصيل مغرٍ لأي متابع، وهذا ما أكّده بيل هاملتون، مراسل هيئة البث البريطانية، بي بي سي، في أحد المقاطع في الفيلم الوثائقي.

لا يناقش نيلسن تفاصيل "هوايته" الإجرامية في فيلم "مذكرات قاتل: أشرطة نيلسن"، لكنه يتحدث بشيء من النقد عن دور وسائل الإعلام في تصدير صورته كمجرم سيئ السمعة، وتكالبها على تفاصيل قصته من أجل إرضاء تعطش العامة للمزيد من الأخبار والحكايا، وإشباع نهم خيالهم في مثل هذا النوع من القضايا. وهي ملاحظة صحيحة عمليًا، إلا أن فيلم "مذكرات قاتل: تسجيلات نيلسن"، يكشف بشكل لا يقبل الجدل أن الصورة الوحشيّة التي ارتبطت باسم الرجل مستحقّة، وأن الاستماع إليه يتحدّث بكل عجرفة عن نفسه وجرائمه يثبت ذلك.

في فيلم "مذكرات قاتل: تسجيلات نيلسن"، يتحدث القاتل عن مسلكه الإجرامي، ويضع اللوم على أمّه القاسية اللامبالية وجده المتحرّش البيدوفيلي كما يدّعي، إلا أن فيلم "مذكرات قاتل: تسجيلات نيلسن" لا يستسهل منح أية مصداقية أو تعاطف مع القاتل على خلفية هذه الادعاءات. فعبر عدة مقابلات مع المحققين والصحفيين وأفراد من أسر الضحايا، ومع مارتن، أحد الرجال الذي كاد يقع تحت قبضة نيسلن يومًا ما ونجا بأعجوبة خارقة، يتبين كيف أن نيلسن استغلّ حالة الاحتقان الشعبي الذي ساد في بداية الثمانينات ضد المثليين، واعتقد أن ذلك سيجعل جرائمه أسهل وأقل تكلفة، وأنّ أحدًا من عامة الناس لن يكترث لفقدان أثر عدد من المثليين.

لقد استهدف نيلسن في جرائمه، كما يكشف فيلم "مذكرات قاتل: تسجيلات نيلسن"، الفئة الأكثر عجزًا وخوفًا وتهميشًا في المجتمع في تلك الفترة، ويظهر الفيلم أن قدرة نيلسن على ارتكاب ذلك العدد من جرائم القتل على مدى زمني طويل، دون أن يكتشف أمره، مؤشّرٌ في ذاته على المناخ السائد في المجتمع حينها ضدّ المثليين والتساهل مع جرائم القتل ضدّهم.

يقدّم الفيلم نقدًا غير مباشر للمناخ الاجتماعي السائد الذي يسهّل استهداف فئات مهمّشة في المجتمع

لهذا يبدو حرص المخرج في فيلم "مذكرات قاتل: تسجيلات نيلسن" على تخصيص مساحة لأصوات الضحايا، بشكل غير مباشر عبر حديث نيلسن نفسه، وعبر استشكال المناخ الاجتماعي السائد حينها في بريطانيا، حيث لم يكن لمثل أولئك الرجال أي اعتبار إنساني، وحرمانهم من التعاطف الأساسي كضحايا لسفّاح متسلسل، باعتبار أنّهم لا يستحقّون الحياة. في تلك المقاطع من فيلم "مذكرات قاتل: تسجيلات نيلسن"، نكون أمام مشهديّة نقديّة للفرد المجرم والبيئة الاجتماعية الأوسع التي لربما أسهمت، بشكل غير مباشر، في تواصل سلسلة من القتل الفردي على يد واحد من أكثر مجرمي القرن توحّشًا.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

فيلم "The Mauritanian".. سيرة الإنسان المستباح

فيلم "Judas and the Black Messiah".. قصة القائد الكاريزماتي يرويها مُخبر