*قد يحتوى المقال حرقًا لأحداث الفيلم
يُعرض في قاعات السينما المغربية شريط سينمائي "دموع إبليس"، والذي يتناول حقبة ما يعرف إعلاميًا بـ"سنوات الرصاص"، وهي فترة في تاريخ المغرب، مابين الستينيات لبداية التسعينيات، حيث شهدت هذه الفترة الكثير من الاعتقالات وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، إلا أنه قد تم طيها بتشكيل "هيئة الإنصاف والمصالحة"، وسمع صوت ضحايا هذه الفترة الأليمة في تاريخ المغرب من أجل الحوار والتواصل قصد جبر الضرر وإنصاف الضحايا وعائلاتهم.
حاول مخرج "دموع إبليس" هشام الجباري، تناول هذه الحقبة بطريقته الخاصة، فهو يقول في حواراته الصحفية: "إن التاريخ هو منبع زاخر بالحكايات، وسنوات الرصاص ما زالت صالحة ومغرية لتناولها سينمائيًا بطرق مختلفة".
التاريخ هو منبع زاخر بالحكايات، وسنوات الرصاص بالمغرب مازالت صالحة ومغرية لتناولها سينمائيًا بطرق مختلفة
فيتناول الفيلم قصة رجل تعليم، يسمى "حسن الشاهد" يُعتقل بسبب قناعاته الفكرية والسياسية، ويقضي ما يقارب الـ18 سنة، في معاناة أليمة داخل سجن "القنيطرة"، ومعتقل "أكدز" فيما بعد. تاركًا زوجته الحامل تواجه حزنها وحدها، لا سيما وأنه قد جرى اعتقاله أمام أنظارها وأنظار تلامذته.
اقرأ/ي أيضًا: أفضل أفلام عام 2016
وبعد معانقته للحرية، يكتشف الممثل رشيد الوالي الذي يلعب شخصية "حسن"، أن زوجته الجميلة تغيرت ملامحها مع مرور السنوات التي قضاها في الاعتقال، وأن ابنه توفي، وكأن مرارة الاعتقال بكل ما تحمله من ألم لا تكفي، ليقرر الانتقام ممن تسبب في سجنه، وهو "إبليس"، اللقب الذي أطلقه حسن وباقي المعتقلين على العسكري الجلاد، وهو الدور الذي يلعبه إسماعيل أبو القناطر.
شخصية حسن مليئة بالحقد والرغبة في الانتقام، فبعد تفكير وتخطيط في كيفية رد اعتباره عبر الانتقام ممن تسببوا في تلك المعاناة، سيتسلل حسن إلى سيارة جلاده العسكري، الذي حاول إيهام أسرته بأنه يعمل في الجيش لكنه سيكتشف سره بعدما سيفضحه حسن أمام صدمتهم.
العسكري سيضطر هو الآخر إلى تقديم استقالته بعد خدمة زادت عن عقدين من العمل، ليقرر أن يتوجه برفقة أسرته ضمن رحلة استجمام نحو جنوب المغرب، لتكون رحلة مشوقة تلخص كل المشاعر الإنسانية المختلطة من الخوف والندم والعنف أحيانًا.
أسرة الجلاد أو "إبليس" أو "جلال المدني" لا يعرفون أن رب الأسرة يعمل جلادًا، الذي يأبى الاعتذار والاعتراف لحسن، والذي كان قد اختطفه هو وأبناءه وزوجته داخل سيارة، تحت تهديد السلاح.
يصنف فيلم دموع إبليس ضمن أفلام الطريق، حيث تتوالى أحداث الفيلم بين الانتقام والصفح، في ظل أجواء من التشويق
يصنف الفيلم ضمن أفلام الطريق، حيث تتوالى أحداث الفيلم بين الانتقام والصفح، في ظل أجواء من التشويق.
وفي مشاهد أخرى سنرى الذي يملأ قلبه الحقد من جلاده جراء المعاناة التي ألمت به طيلة 18 عام ومعه ستظهر شخصيات أخرى في الفيلم، مثل زوجة الجلاد التي كانت هي الأخرى ضحية كذب زوجها، إذ إنها لا تعرف العمل الحقيقي لزوجها، ومعاملته القاسية مع ابنته التي تكرهه.
يقدم المخرج هشام الجباري دور آخر والذي يلعبه الممثل يونس مكيري، وهو طبيب قد اعتقل من طرف عصابة "البوليساريو"، سيتسامح مع كل تلك السنوات المؤلمة من أجل أسرته للمضي في مستقبل، متصالح مع كل ذلك الألم الذي قضاه بين أسوار المعتقلات المظلمة والباردة.
يحاول المخرج هشام الجباري تقديم الفيلم ضمن قالب سوداوي، وكيف لا وهو الذي يعرض ألم وصرخة المعتقلين في السجون، وأيضًا شخصيات أخرى مرتبطة مع المعتقل أو الجلاد، إذ يقول إن الفيلم يفرض عليك أن تتناوله بتلك الطريقة مع قليل من اللقطات المرحة.
اقرأ/ي أيضًا: فيلم "البئر".. هل يمنح الجزائريين أوسكار؟
الفيلم حسب المخرج، يعرض تيمات التسامح والانتقام والاعتذار أيضًا، وتبليغ رسالة للأجيال الصاعدة التي تتمتع بمناخ الحريات والذي لم يكن متوافرًا في سنوات ماضية، وذلك بفضل مسار المصالحة الذي انخرطت فيه البلاد منذ سنوات.
فيلم دموع إبليس يعرض تيمات التسامح والانتقام والاعتذار، ويبلغ الأجيال الصاعدة بما حدث ليصلوا لمناخ الحريات الذي يعيشون فيه
استطاع الفيلم أن يحصد جوائز في مهرجانات داخل المغرب وخارجه، مثل جائزة "الشاشة الذهبية" للدورة العشرين من مهرجان "الشاشات السوداء"، بالعاصمة الكاميرونية ياوندي، وتوج أيضًا بجائزة أفضل صورة وأفضل صوت، في الدورة الـ17 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، وحاز على تنويه خاص من طرف لجنة الصحافة والنقد بالمهرجان الدولي للسينما عبر الصحراء بزاكورة، وجائزة الجمهور في الدورة الأخيرة لمهرجان سلا لفيلم المرأة، والجائزة الكبرى بمهرجان أفلام الجنوب في بروكسيل ببلجيكا.
وقد صورت مشاهد الفيلم بين مدن مغربية متنوعة مثل الدار البيضاء وتادلة وإملشيل وزاكورة، حيث يعرض صورًا من طبيعة المغرب الساحرة.
ويجسد الأدوار الرئيسية في هذا الفيلم مجموعة من الممثلين المشهورين، ضمنهم رشيد الوالي وآمال عيوش، وفاطمة الزهراء بناصر، ويونس ميكري، وحسن أبو القناطر، وفاطمة الزهراء لحريشي.
اقرأ/ي أيضًا:
أليسيا فيكاندر: الألم الذي يمكنك احتماله يتغيّر
وخز الجروح القديمة في فيلم "متاهة الأكاذيب"
"علي ونينو": روميو وجولييت في أذربيجان