لمح نائب الرئيس الأمريكي "جو بايدن"، السبت 23 كانون الثاني/يناير خلال مؤتمر صحفي مشترك في إسطنبول مع رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو، بإمكانية العودة إلى الحل العسكري في حال فشل الحل السياسي.
فجرت تصريحات بايدن بالتلويح بالخيار العسكري قنبلة سياسية لأنها جاءت في توقيت حرج ما يجعلها مؤشرًا خطيرًا على هشاشة المباحثات الدولية الجارية
لكن هل بالفعل إذا ما فشل المسار السياسي سنشهد تدخلًا عسكريًا وشيكًا للقوات الأمريكية في الدوامة السورية؟ أم تبقى تصريحات الدبلوماسية الأمريكية في دائرة التصريحات الكلامية النارية غير المصحوبة بالفعل؟..فطالما أدهشنا بها بايدن ورفاقه في البيت الأبيض عبر المراحل المفصلية في عمر الثورة السورية، لا سيما أيام استخدام نظام الأسد السلاح الكيماوي صيف 2013، وقتها قال بايدن "سيندم الأسد على فعلته" مهددًا بعمل عسكري ضد الأسد. وكانت النتيجة على العكس، فقد اشترى الأخير وقتًا إضافيًا للبقاء!
في الثقافة والموروث الشرقي يقول المثل: (الرجل ينربط من لسانه)، وكيف إذا كان هذا الرجل هو الرجل الثاني في الإدارة الأمريكية الحالية. ولكن بعيدًا عن الشرق وأعرافه، يبدو أن الكذب هو ملح السياسة.
فقد شهدت الثورة السورية عبر محطاتها المؤلمة تراكمًا عدديًا كبيرًا للتصريحات الرنانة من قبل الإدارة الأمريكية ضد نظام الأسد وجرائمه بحق الشعب السوري، أشهرها كانت خطوط أوباما الحمراء. ولكن النتيجة الصفرية لمفاعيل ومخرجات هذه التصريحات على أرض الواقع تضع مصداقية القيادة الأمريكية على المحك. فأرض الميدان كانت دومًا تكشف كذب وزيف هذه التصريحات وكما يُقال في المثل الشعبي "المي تكذب الغطاس".
في الجانب الآخر، فجرت تصريحات بايدن الأخيرة قنبلة سياسية على الرغم من أنها ليست الأولى من نوعها، بل لأنها جاءت في توقيت حرج يكثر فيه الحديث عن الإجماع الدولي لحل سلمي للقضية السورية بعد مباحثات ماراثونية دولية في فيينا وفي مجلس الأمن خلصت إلى مفاوضات جنيف 3 المرتقبة، ما يجعل التلويح بالخيار العسكري مؤشرًا خطيرًا على هشاشة المباحثات الدولية لإيجاد حل سياسي.
وفي الحقيقة، هذه الهشاشة التي تعتري مستقبل خارطة الطريق المتفق عليها، ليست نتيجة التصريحات الأمريكية المهددة فحسب، بل بسبب دخول روسيا إلى الأراضي السورية كقوة احتلال واتباعها سياسة الأرض المحروقة عبر القتل والتدمير لكل من يقف في وجه الأسد؛ وسعي روسيا بوتين لوضع العصا في عجلة مؤتمر جنيف 3 المرتقب عبر فرض أسماء من قبلها على الهيئة العليا للمفاوضات وتهديد الأخيرة باستبدال وفدها المفاوض بوفد على مقاس الكرملين.
ومن الغريب أن أولى ردات الفعل المستنكرة لتصريحات نائب الرئيس الأمريكي الأخيرة كانت من موسكو، حيث نقلت وكالة "انترفاكس" الروسية عن مصدر دبلوماسي روسي قوله: "من الغريب سماع هذا التصريح في الوقت الذي تبحث فيه كل الدول عن تسوية سياسية، ببساطة مثل هذه التهديدات تحمل طابعًا هدامًا".
تبقى تصريحات جو بايدن وفريق الإدراة الأمريكية بخصوص سوريا كلامًا عابرًا، لا يثقل كاهل قادة البيت الأبيض
وهناك نقطة أخرى تتعلق بتوقيت تصريحات بايدن، فقد جاءت في وقت تشهد فيه العلاقات بين الرياض وطهران أسوأ حالاتها، حيث إن التدخل العسكري الأمريكي المفترض سيكون ضد ما ترغب به طهران وموسكو الحليفتان القويتان لنظام الأسد، وسيكون بمثابة إعلان موت العملية السياسية الجارية التي يتحكم بها الروس محاولين تجييرها لصالح النظام وحلفاءه.
فهل يعتبر ما تفوه به بايدن كان من أجل تخفيف سخط تركيا والسعودية على غض واشنطن الطرف عن التدخل الروسي في سوريا؟
تبقى تصريحات جو بايدن وفريق الإدراة الأمريكية بخصوص سوريا كلامًا عابرًا، لا يثقل كاهل قادة البيت الأبيض ولا يجدون حرجًا في إطلاقه وتكراره، ما لم يترجم على أرض الواقع. بينما تشير كل الدلائل على تعثر الحل السياسي، فمؤتمر جنيف 3 من المفترض أن يُعقد بداية هذا الأسبوع ولم يتم التوافق بعد على من سيفاوض من؟ فهل ستفرض واشنطن حلًا عسكريًا؟
ما تشهده القضية السورية من استعصاء لا يحتاج كل هذا الصخب، فلا الحل العسكري مجدٍ بحد ذاته وكما أن الحل السياسي لن يكون ناجعًا، طالما لم تتوفر النية الصادقة لأطراف اللعبة الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة في إنهاء مأساة الشعب السوري وعدم الوقوف في وجه طموحاته في التحرر من نظام القتل والاستبداد وبناء سوريا دولة قانون وحريات.
اقرأ/ي أيضًا: