جهد الحشرجة
الكلم يتقطّر مثلثًا
في أنابيق العزلة
كطفلٍ
أحتاجُ أشهرًا قبل أن أصرخ
بالكلمة الأولى
ثم تكرّ
من عمق الذاكرة
كطفلٍ
يستكشف
خبايا مكنونه
أعبّئ رئتيّ بهواءٍ
باردٍ
كي تصفرا كمزمار
يحاول نغمة
دون طاقته
هذه الحشرجةُ
مطلعي الفخم
وبليغُ خطابي
لطف
من النافذة خلفي والشجر الحارس لها
يمر ضوء عابث
يتراقص على ورقة
كتب عليها اسمي.
هل يكون التراب على وجه الموتى
في لطف هذه النافذة؟
الجبال
الطريق أيضًا مسرح
ليس البشر وحدهم من يتقمصون
شخوصًا من أحلام
ليكتشفوا من هم
الجبال أيضًا تستغل الطريق
والتفافاته
وساعات النهار وغيم السماء
لتكتشف شخوصها المتعددة ووجوهها الكثيرة
من يحيط بها جميعًا؟
نحت الصمت
على غرّة يغمرني الصمت
كغريقٍ يعود إلى الهواء
يعبّ منه عبًّا
الصمتُ ينحتُ
كمْ بداخلي من صمت
لم يأمن أحد
- إلى ياسين
من أسف إنكم ما وُجدتم
في غير الآن
لا كلامَ يغطّي بمعان فاخرة
عريَ أكتافكم
ولا قافيةَ ترنُّ كسقوطِ لعبة
من يدِ طِفلٍ
مذعور
لن أكتب ملحمتكم.
من أنا لأحمل عظامكم كلها
وأطحنها مدادًا
ولن يكتبها أحد
ولن تكتبوها ولن تنشروها
في الصّمت سوف تظل
معلّقةً
صرخات الخوف
مواء القطط المصابة
نداءات اللّيل وأوراده
وعويل الولادات المتمزّق
في مسافاتٍ متقطعة
آهات مسروقة في العتم
والماء ينقط من السّقف
في الصّمت سوف تظلُّ
فاغرةً
أفواهٌ كثيرة
وبطون
وجراح
وعيون فارغة من الرّغبة
ومن الرّفيف
لن ينشدها لكم أحد
لتغفوا
لكنّ الصمت
سيخالطُ كلّ حنجرة
كلّ كلمة
وكلّ وتر
وسيقف فراغه في كلّ أغنية شاهدة
على قبر لم يُحْفَر
ولم يأمنْ فيه أحد من خوف.
أيُّ جهدٍ ليقومَ ميّت واحدٌ؟
وماذا عن كلّ أولئك الّذين
تحتَ القصفِ الجنونيّ
أقاموا أعراسًا خجولة
حيث عريسٌ خائفٌ وصبيّة خفراء
يحلمان بليلة وولد يغيّران حفاضاته
ويمسحان مخاط أنفه
بفخرٍ أخرق.
عن حربٍ اخترقْتُها
كسهمٍ فاقد الذاكرة
وبعينٍ عشواء.
لم تتولّد الاستعارات الحديديّة
ولا تفجّرت مفاجرها
ربّما لا تزال هناك
في رحمي
أجنةً سامةً على حافّة أن تذبحني.
الّذي ماتَ بعدَ الحربِ تلك
على الطّريق أو في البحر
أو بسرطان تافه أو حتّى بخطأ مطبعيّ
لا تذكره يافطات الشّهداء
وأهلوه
مضوا إلى أفراح أخرى رغم العفن الّذي في روحهم.
لا أحد يطيق بعثه
نجونا من الحرب بصدفة واعية
رَتّبتْ لنا سنوات يانعة كأحدث الغابات
ولفّات عديدة للكوكب على المسافة المثاليّة
من الموت ومن الحياة.
موسيقى لحلم العاشقين
أن يكونَ ما بيننا موسيقى
كلامٌ بلا موضوع ولا كلمات
كأنّما توافقاته اكتملت
سحيقًا في الماضي
ولَم نفعل سوى اكتشافها
كمحار الشّاطئ الصّخريّ
أن يكون ما بيننا موسيقى
اهتزازاتٌ بحتة
تحويلٌ مفاجئ للرّعشات
نحو رنين آخر يتسرّب
في خفة الماء الجوفيّ الّذي يسقي
مدامعنا
أن يكون ما بيننا موسيقى
انضمامُ الشّفاه والأصابع والنّفس
الإيقاعُ المتلوّي كثعبانين في عناق
انشقاقُ الجلد كقمرٍ في مرآة الموج
السمك يطارد الفراشات في بطن الليل
وعيون مغمضة لا ترى من اللون سوى تردّداته
أن يكون ما بيننا موسيقى
ليل وعين وآه وأمان.