تختلف أنواع الأمراض النفسية وتتعدد، كما تتعدد علاجاتها وطرق تشخيصها. والحقيقة المزعجة أن الناس تستهين عادة بالصحة النفسية لأنفسهم ولمحيطهم، بل إنهم يميلون إلى اعتبارها ترفًا لا فائدة من ملاحقته، رغم أن للأمراض النفسية بأنواعها المختلفة مخاطر كبيرة على رفاهية الإنسان وحياته.
لكن تشخيص الأمراض النفسية وعلاجها أمر مهم، لكونه يساعد المريض على فهم التصرفات، والمشاعر والأفكار التي ساهمت في تشكيل حالته وإيصاله إلى المرحلة التي وصل إليها، إلى جانب تعليمه كيفية السيطرة عليها وتغييرها لصالحه عن طريق تسليمه مفاتيح التحكم بحياته، وإعادة اكتشاف أسباب السعادة وإتقان مهارات حل المشكلات.
في اضطراب ثنائي القطب يعاني المريض من عيشه في حالتين متضادتين من السعادة المطلقة والتعاسة المطلقة، ينتقل بينهما دون إرادته الخاصة
حقائق أساسية
- بحسب منظمة الصحة العالمية، يعاني 1 من بين كل 8 أشخاص في العالم من اضطراب ذهني أو نفسي
- الاضطرابات الذهنية تتعدد في أشكالها وتأثيراتها العاطفية والنفسية والاجتماعية والسلوكية والجسدية
- هناك أنواع مختلفة وقائمة طويلة من الاضطرابات النفسية
- توجد خيارات فعالة للوقاية والعلاج وطرق مختلفة منها
- معظم الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات ذهنية ونفسية لا يحصلون على القدر الكافي من الرعاية
ما هو الاضطراب الذهني
الاضطراب الذهني يؤدي إلى خلل في مؤثر بدرجات مختلفة في إدراك الفرد أو مخرجاته العاطفية أو السلوكية، كما يؤثر على أدائه في مختلف مجالات الحياة. ويفضل بعض المختصين استخدام مصطلح الاضطرابات النفسية أو الأمراض النفسية، إذ قد يكون هذا المصطلح أوسع، ويشمل الاضطرابات النفسية والإعاقات النفسية والاجتماعية والحالات العقلية (الأخرى) المسببة للخلل في النشاط الطبيعي المتوقع من البشر، أو المؤدي أحيانًا إلى تهديد للنفس أو الآخرين، وذلك مثلًا في حالات الانتحار أو الإيذاء المرتبطة بالاضطرابات الذهنية والنفسية.
ما هي أنواع الأمراض النفسية؟
1- اضطرابات القلق
تحت تصنيف اضطرابات القلق تندرج اضطرابات مهمة جدًا من أبرز أنواع الأمراض النفسية كالفوبيا بأنواعها، واضطرابات الهلع، واضطراب الوسواس القهري، واضطرابات ما بعد الصدمة. تختلف هذه الاضطرابات عن بعضها بشكل كبير ولكل منها تشخيصه وعلاجه. بحسب أرقام منظمة الصحة العالمية، فإن أكثر من 300 مليون شخص حول العالم على الأقل يعانون من أشكال مختلفة من اضطراب القلق، من بينهم عشرات الملايين من الأطفال والمراهقين. وتؤدي اضطرابات القلق إلى شعور مستمر بالخوف المفرط والقلق والاضطرابات السلوكية ذات الصلة بهذه الحالة.
2- الاكتئاب
في العام 2019، كشفت تقديرات أممية بوجود أكثر من 280 مليون مصاب بمرض الاكتئاب حول العالم على الأقل، مع نسبة معتبرة من الإصابات بين الأطفال والمراهقين. ويختلف الاكتئاب عن التقلبات المزاجية المعتادة وردود الفعل العاطفية العابرة، ويعتبر الاكتئاب نمطًا مزمنًا أعمق وأخطر من هذه الاضطرابات، ويعدّ أحد أهم الأسباب المؤدية للانتحار في العالم.
كيف يتم تشخيص الاكتئاب؟
خلال نوبة الاكتئاب، يعاني الشخص عادة من مزاج عكر وشديد الكآبة، يمتاز بالشعور العام بالحزن، والانفعال السريع، والشعور بالفراغ ورغبة بتجنب الحياة والأنشطة المعتادة، وذلك على شكل يوميّ، ولمدة أسبوعين على الأقل.
علامات أساسية على الاكتئاب
- ضعف التركيز
- الشعور بالذنب المفرط أو تأنيب الضمير وجلد الذات
- اليأس من المستقبل
- التفكير المستمر بالموت أو الانتحار
- اضطرابات النوم
- التقلب الشديد في الشهية أو الوزن
- الشعور الدائم بالتعب وانخفاض الطاقة
3- اضطراب ثنائي القطب (Bipolar Disorder)
يعاني الأشخاص المصابون بالاضطراب ثنائي القطب من نوبات اكتئاب متناوبة مع فترات من أعراض الهوس والهلوسة. فخلال نوبة الاكتئاب ثنائي القطب، يعاني الشخص من مزاج مكتئب تتقاطع أعراضه مع أعراض الاكتئاب، مثل الشعور بالحزن وسرعة الانفعال والشعور بالفراغ وغيرها، وذلك في معظم أوقات اليوم، ولكل يوم تقريبًا.
وتشمل أعراض هذا الاضطراب الشعور بالنشوة أو التهيج الشديدين المفاجئ، وزيادة النشاط أو الطاقة، وأعراض أخرى مثل زيادة الرغبة بالكلام والدردشة مع الآخرين، وتسارع الأفكار، والإعجاب الذات أو المبالغة بتقديرها، وقلة النوم والشعور بعدم الحاجة إليه، إضافة إلى التشتت والاندفاع المتهوّر. وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن الأشخاص المصابين باضطراب ثنائي القطب يكونون أكثر عرضة للانتحار. وتشير تقديرات إلى أن أعداد المصابين بهذا الاضطراب حول العالم يتجاوز 50 مليون إنسان.
4- اضطرابات ما بعد الصدمة
تتفشى الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة والاضطرابات النفسية الأخرى المرافقة في الأماكن التي تتزايد فيها الصراعات والصدمات الاجتماعية العنيفة. ويمتاز هذا الاضطراب بالأعراض الآتية:
- الشعور باستعادة التجربة المؤلمة أو الصدمة في أي وقت في الزمن الراهن، واستمرار رؤية ذكريات أو كوابيس متصلة بهذا الحدث.
- الحرص الهوسي على تجنب الأفكار والمؤثرات التي تثير ذكرى الصدمة، وتجنب الأشخاص والأماكن التي تذكر بها.
- التصورات المستمرة والمتزايدة للتهديد.
وتستمر هذه الأعراض لعدة أسابيع على الأقل وتسبب ضعفًا كبيرًا في القدرة على التركيز والرغبة في أداء الأنشطة النومية. ويؤكد الأطباء على وجود علاجات فعالة لهذا الاضطراب، وتوفر هيئات أممية ووطنية في عديد الدول حول العالم برامج علاجية مجانية للمصابين باضطرابات ما بعد الصدمة.
5- اضطرابات الأكل
تصنف اضطرابات الأكل الشديدة ضمن الأمراض النفسية، وذلك بحسب منظمة الصحة العالمية، والتي تشير إلى أن 14 مليون شخص على الأقل حول العالم يعانون من اضطرابات الأكل النفسية، من بينهم ثلاثة ملايين طفل ومراهق. تتنوع أشكال اضطرابات الأكل، ومن بينها اضطراب فقدان الشهية العصبي (anorexia nervosa) والشره المرضي (bulimia nervosa)، والأكل غير الطبيعي والانشغال المرضي بالطعام، بالإضافة إلى الاهتمام المفرط بالشكل والوزن.
وتؤدي هذه الأعراض أو السلوكيات إلى مخاطر أو أضرار جسيمة تتعلق بالصحة الجسدية أو العقلية، كما قد تؤدي إلى مشاكل اجتماعية وسلوكية عديدة تؤثر على تقدير الشخص لذاته وقدرته على التواصل السليم مع الآخرين.
6- الفصام
يعاني من الفصام زهاء 24 مليون شخص في العالم، بمعدل 1 من بين كل 300 شخص في المعمورة على الأقل، بحسب إحصاءات أممية، ويعد الفصام من أخطر الأمراض النفسية على الإطلاق، إذ ينخفض معدل عمر الأشخاص المصابين به بواقع 10 إلى 20 عامًا مقارنة بعامة الناس. ويتسبب الفصام بضعف كبير في الإدراك وتغيرات شديدة في السلوك لدى الأشخاص المعرضين له، مثل الأوهام المستمرة، والهلوسة، والتفكير غير المنتظم، والسلوك الفوضوي، والانفعالات الشديدة جدًا، إضافة إلى الصعوبات الواضحة في الإدراك والأداء والقدرة على تنفيذ بعض المهام.
ورغم صعوبة هذا المرض، إلا أنه يتوفر نطاق واسع من طرق العلاج الفعالة له، والتي تشمل الأدوية الخاصة وإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي، إلى جانب التوعية والتثقيف الأسري والاجتماعي، والذي يعد بالغ الأهمية في التعامل مع مرضى الفصام وإنقاذ حياتهم.
7- اضطرابات النمو العصبي
اضطرابات النمو العصبي هي اضطرابات سلوكية وإدراكية تنشأ خلال فترة النمو، وتنطوي على صعوبات كبيرة في اكتساب وتنفيذ وظائف فكرية أو حركية أو لغوية أو اجتماعية محددة. من أشهر أشكال اضطرابات النمو العصبي شيوعًا اضطراب فرط الحركة وضعف الانتباه (ADHD)، وله تأثير سلبي مباشر على الأداء الأكاديمي أو المهني أو الاجتماعي للأطفال.
علاج الاضطرابات النفسية
تتعدد أشكال العلاج للاضطرابات النفسية، ولا بدّ أولًا من استشارة الطبيب المختصّ لتقييم كل حالة على حدة، وتحديد نوع العلاج الأنسب المطلوب، بحسب مستوى تطوّر الحالة وتعقيدها، وما إذا كانت تتطلب اللجوء إلى الدواء أو التأهيل النفسي أو الاجتماعي، أو أشكال متقدمة من العلاج بحسب الحالة، ولاسيما في حالات الفصام. هنا بعض أشكال العلاج العامة الشائعة.
1- العلاج النفسي الفردي
يتضمن هذا العلاج وجود المريض مع المعالج بمفرده. قد يصلح هذا النوع في حالات يفضل فيها المريض الخصوصية، ولا يشعر بالراحة اتجاه إقحام محيطه في خصوصيات مرضه.
2- التوجيه النفسي الجماعي
يتضمن هذا العلاج وجود مجموعات من المرضى يتشاركون المشكلة نفسها، ويجتمعون لمشاركة همومهم وما يعانونه كنوع من الدعم المعنوي لهم. هذا النوع من العلاج ينعكس إيجابًا على تقبل المرضى لمشكلاتهم وتعاطيهم معها.
يتضمن العلاج النفسي الجماعي وجود مجموعات من المرضى يتشاركون المشكلة نفسها، ويجتمعون لمشاركة همومهم وما يعانونه كنوع من الدعم المعنوي لهم
3- العلاج النفسي للأزواج
في هذا النوع يخوض العلاج المريض مع شريكه لتقديم فهم أعمق وأدق للشريك عما يعانيه المريض، لماذا أصابته المشكلة وكيف بإمكانه أن يكون جزءًا من الحل. من ناحية أخرى فإن وجود الشريك ينعكس إيجابًا على المريض؛ إذ يشعر بوجود داعم له ومساعد في رحلة العلاج.
4- العلاج النفسي العائلي
تلعب العائلة دورًا جوهريًا في صحة الفرد ومرضه، هذا يجعل وجودهم مع المريض كجزء من رحلة العلاج أمرًا ذا أهمية للمريض ولهم على حد سواء. فهم العائلة للمرض ومسبباته وطرق التعامل معه سيمهد الطريق أمام الفريق الطبي ليقوم بعمله مع المريض على أكمل وجه، كما أن الدعم النفسي الذي يستمده المريض من تفهم وتقبل محيطه له مهم جدًا أثناء العلاج.
