أين محمد هنيدي؟ سؤال لم يعد يطرحه الكثيرون. وما يثيره بين الحين والآخر هو عرض أحد أفلام الكوميديان، الناجحة أو غير الناجحة، على الشاشة الصغيرة. الأمر الذي يذكّر بالفنان المحتجب ويرسم في أذهان المشاهدين علامة استفهام عمّا إذا كان قد اعتزل "كاره". والإجابة المفترضة ستكون إما بالتأكيد أو النفي من خلال ظهور إعلامي لهنيدي، أو خبر عن دخوله استوديوهات التصوير تحضيرًا لعمل جديد.
ما يجعل المشاهد يتعاطف ويقسو في آن واحد على محمد هنيدي هو رصيده القديم من الأعمال الناجحة
وإذا كان السؤال أعلاه لا يحتمل التأويل بل الجزم من مصادر مقرّبة أو من الممثل نفسه، فإن سؤالًا على شاكلة "أين أصبح محمد هنيدي؟"، يخرج من حيّز المكان الحسّي إلى التصنيف الذاتي لكل مشاهد، بالاستناد إلى معايير نسبية تتّكل على التقييم الخاص والترتيب المفترض على سلّم النجومية، الذي لم يكرّس قمته وعلى مدى عقود إلا لقلّة قليلة من النجوم، عرفوا بدورهم بعض العثرات الفنيّة لكن تلتها قفزات مدروسة ترجمتها أسهم الشعبية والإيرادات المادية.
اقرأ/ي أيضًا: ماغي بو غصن: الممثلة زوجة المنتج
والحكم "غير مبرم" على هنيدي من قبل الجمهور بإقصائه عن نخبة "الكوميديين" في مصر والعالم العربي، خصوصًا وأن الغياب عن الشاشة لا يعني بالضرورة انقطاعًا نهائيًا والفشل الذي مُني به الممثل الكوميدي في إقناع المشاهدين بالتهافت إلى شبابيك التذاكر عند عرض آخر أفلامه، لا يعني أن تعثّرًا سيصيب كل رهاناته على أعماله المستقبليّة. لكنه جاء نتيجة تراكم للخيبات وتقهقر متواصل لتلك الحماسة في مشاهدة جديد النجم "السابق حتى إشعار آخر"، هذا فضلًا عن احتدام المنافسة بين نجوم كوميديين شباب لمع نجمهم تباعًا، وصمد منهم في غربال المشاهدين عدد لا بأس به وباتوا نجوم "صف أوّل" كهاني رمزي وأحمد حلمي وأحمد مكي.. وأحمد السقا الذي يعتبر رقمًا صعبًا في التمثيل الدرامي والكوميدي معًا.
ما يجعل المشاهد يتعاطف ويقسو في آن واحد على محمد هنيدي هو رصيده القديم من الأعمال الناجحة، والتي رفعته في أولى تجاربه إلى مرتبة نجم. فـ "صعيدي في الجامعة الأمريكية" لا يزال مضحكًا في تصرفاته العفويّة منذ تسعينيات القرن الماضي، و"إسماعيلية رايح جاي" فيه من الخفّة ما يزيل الهمّ عن قلوب المشاهدين، و"همام في أمستردام" لن يفلت من يدي من يصادفه على هذه المحطة أو تلك. أما "فول الصين العظيم" فهو رحلة مصرية-صينية لن تتوقف عن الإقلاع صوب أجواء الفرح، ذلك لأنها وما سبقها أعمال محبوكة لجهة النص والصورة والأداء لتعلق في أذهان المشاهدين. في حين أن ما اختاره هنيدي لنفسه من أدوار لاحقة جاءت مكرّرة ولا جديد فيها.
فيلم كـ"يوم مالوش لازمة" لم يكن له لزوم في سيرة الفنان محمد هنيدي الكوميدية
اقرأ/ي أيضًا: عمر أميرالاي.. نعي متأخر
حتى أداؤه صار رتيبًا ولا يرقى إلى مستوى منافسة أدائه السابق قبل أداء الآخرين. ففيلم كـ "يوم مالوش لازمة" لم يكن له لزوم في سيرة الفنان الكوميدية، ومن قبله "تيتة رهيبة" و"أمير البحار" و"عندليب الدقي" و"يانا يا خالتي" و"حوده وبسوم"، و"صاحب صاحبه.. كلها أفلام على كثرتها كانت قليلة المشاهدة ولم تلقَ الإيجابية المنتظرة من جمهور اعتاد انتظار جديد هنيدي. ولعل الاستثناء الذي شكّله فيلم "رمضان مبروك أبو العلمين حمودة" هو في مشاركة الفنانة سيرين عبد النور هنيدي في البطولة، ومع ذلك فإن مشاهدته بهتت تباعًا ولم يعد جهاز التحكم عن بعد يتوقف عنده بعد مضي سنوات على عرضه الأوّل والضحكات التي رافقته.
"أين محمد هنيدي" اليوم من محمد هنيدي الأمس؟ سؤال نقدي ينتظر إجابة دقيقة بعد تفكّر عميق من جانب الفنان نفسه ليُحسن الاختيار ولتقديم الأفضل لسيرته وللمشاهدين.
اقرأ/ي أيضًا: