اشترك اليمنيّان صدام العدلة ومحمد خالد في عشق مسرح العرائس، لكن الأول قرر السفر خارج البلاد بحثًا عن التطوير والشهرة بعد سنوات من تأسيسه فرقة محلية توقف نشاطها بسبب الحرب، فيما فضل الثاني البقاء في بلاده.
كانت البدايات الأولى لمسرح العرائس في اليمن إبان فترة الحكم الإمامي في شماله والاحتلال الإنجليزي في جنوبه على يد شمسان حنبص
"الحرب التي تشهدها البلاد منذ نحو خمس سنوات لم تبقِ ولم تذر شيئًا، ليس فقط على مستوى المعاش اليومي، بل امتد تأثيرها للفنون والآداب وممارستها"، يقول الباحث هايل المذابي.
اقرأ/ي أيضًا: الفنانون في جنوب اليمن.. حرمان من الفنّ ومن الحياة!
ويضيف المذابي لـ"الترا صوت": "صحيح كان الفن الموجه للطفل بسيطًا في سنوات ما قبل الحرب. لكنه الآن اختفى، إلا من محاولات بسيطة لتدارك انقراضه"، مشيرًا إلى ما تقوم به مؤسسة "إبحار للطفولة" بإدارة مها صلاح، وفعاليات مسرح العرائس التي تنظمها بين الحين والآخر.
تاريخ مسرح العرائس في اليمن
كانت البدايات الأولى لمسرح العرائس في اليمن إبان فترة الحكم الإمامي في شماله والاحتلال الإنجليزي في جنوبه، رغم أنها كانت واحدة من أصعب فترات البلاد من جهة مواجهة مساعي التنوير.
وفي تلك الفترة، كان شمسان حنبص، في مدينة عدن جنوب البلاد، صاحب أول عرض مسرح عرائس في اليمن، وكان يسمى باللهجة الدارجة "الكركوس".
بشكل فكاهي في الشارع، كان حنبص يراقص عرائسه للمتفرجين، بعروض أقامها مستغلًا المناسبات الشعبية، تحديدًا موالد الأولياء والصالحين، جاذبًا حوله الكبار كما الصغار، بقصص يؤلفها في مقاومة المحتل الإنجليزي.
بعدها ظهر أبو شنب وغيره ممن كان لهم حضور في ساحة مسرح العرائس، تجاوز عملهم العرض الترفيهي إلى سرد قصص ذات مغزى، تناقش قضايا مجتمعية وسياسية.
وفي ثمانينات القرن المنصرم، افتُتح في عدن مسرح العرائس على يد أبو بكر القيسي وعبدالله شرف، غير أنه لم يحقق النجاح، بسبب عدم توفر الإمكانيات الكافية، "ولذلك أهمل المسرح"، كما يقول هايل المذابي في بحثه المعنون بـ"دور الفرجة الشعبية في صناعة الوعي".
ويضيف المذابي، واصفًا الآباء المؤسسين لفن مسرح العرائس في اليمن: "النظر إلى محتوى أصحاب هذا الدور الكبير، على هذا الصعيد، من حيث قواهم المحركة؛ فهم بلا أدنى شك شكلوا محركًا قياديًا لمختلف الفئات بكل انتماءاتها الفكرية السياسية والشعبية".
واستطرد: "بهذا المعنى أصبح واضحًا التناسب بين الوعي والعفوية بكل ما يحمله هذا التعبير من معنى غيّر تصورات كثيرين عن النضال وأساليبه على صعيد الدعاية والتحريض وخلق البلبلة، بغرض محاربة الأفكار الاستعمارية وإعادة توجيه عقول الناس باتجاه الضحكة الساخرة والنكتة الساخنة".
مسرح العرائس في الألفية الثالثة
في بداية العام 2003 كان صدام العدلة، البالغ من العمر 20 عامًا آنذاك، والمتأثر بالمخرج المسرحي اليمني أحمد جبارة، يقدم أولى عروضه الفنية في العاصة صنعاء.
كان يحرك بأصابعه بعض العرائس من خلف ستار صغير، مصاحبًا حركتها ببعض العبارات التي كان يمثلها بصوته. كانت إمكانياته بسيطة، لكن تأثيره على الأطفال ملفتًا، حتى قرر أن يؤسس هو ومجموعة من الأصدقاء فرقة "ثراء" لمسرح العرائس، كأول فرقة فنية من نوعها في اليمن.
نظمت فرقة ثراء عدة عروض لمسرح العرائس في صنعاء ومختلف المناطق القريبة منها، كما أقامت دورات تدريبية لعاملين مع الأطفال، وبرامج للأطفال.
تلك الأنشطة دفعت الاتحاد الدولي لمسرح العرائس إلى اختيار صدام العدلة ممثلًا له في اليمن، في خطوة قالت عنها الصحافة إنها ستدفع نحو إحياء فن مسرح العرائس الذي كاد أن يندثر في البلاد.
مثّل صدام وفرقته، اليمنَ، في عدة محاول دولية معنية بفن مسرح العرائس، معتمدًا في أغلب الظروف على التمويل الذاتي.
يسرد صدام العدلة في حديثه لـ"الترا صوت" مواصلة مشواره الفني، قائلًا: "كنا نطمح في تحقيق إنجازات عديدة، إلا أن الحرب التي اندلعت في البلاد أعاقتنا".
وأضاف: "في خضم ذلك، كنت قد أنهيت الدراسة الجامعية، وتلقيت في مصر تدريبًا في المسرح. حاولت الاستفادة من تواجدي في مصر مدة عامين لصقل الموهبة، وقد فوجئت بتواضع إمكانياتنا في اليمن، خاصة وأننا لم نكن نحتك في العمل الميداني كما الحال في مصر".
بعد ذلك حصل العدلة على فرصة لحضور دورة تدريبية في فن مسرح العرائس وخيال الظل في تونس. يقول عنها: "استفدت كثيرًا من الدورة، وأنجزنا عروضًا نالت استحسان الحضور، بشهادة الدكتور ناجي شاكر، رائد فن مسرح العرائس في مصر، ومجموعة كبيرة من المتخصصين العرب".
عاد العدلة لليمن عام 2016. لكن الوضع غير المستقر، لم يكن مشجعًا للقيام بأي نشاط، فقرر العودة لمصر مجددًا. في هذه المرة، اشترك العدلة في فرقة خاصة بمسرح العرائس، بدفع من ناجي شاكر، وعمل في عدة مبادرات لتقديم عروض للأطفال أو تدريبهم.
"كانت البنية التحتية لمسرح العرائس في مصر لتقديم أفضل ما عندي، خاصة مع الدعم الذي تلقيته، خصوصًا من شيخ مسرح العرائس، ناجي شاكر، والذي تأثرت به كثيرًا، وبالفنان التونسي محيي الدين بن عبدالله والأردني محمد جمال عمر"، يقول العدلة.
صناعة العرائس
في الوقت الذي كان يقدم فيه صدام العدلة أولى عروضه، كان زميله محمد خالد يحاول صناعة أول دمية له، متأثرًا ببرنامج الأطفال الشهير "افتح يا سمسم".
يقول خالد لـ"الترا صوت"، إنه لم يجد من يصمم له دمية مستوحاة من شخصيات "افتح يا سمسم"، ففكر في أن يقوم بذلك بنفسه. "الحمدلله بعد تجارب فاشلة، استطعت صنع أول دميتين، أسميتهما: سالم ووردة"، كما يقول. وكان ذلك بدعم من والده وشقيقه.
يضيف خالد: "رغم ظروف الحرب المحبطة في اليمن، إلا أنني ما زلت أعمل في صناعة العرائس، متحديًا سفك الدماء والقتل والخراب والدمار الذي يمارس بحق وطننا".
حضر خالد إحدى العروض التي كان ينظمها العدلة، وهناك التقيا ببعضهما أول مرة. حينها عرض خالد العرائس التي صممها بنفسه على العدلة، الذي أعجب بها بدوره. لكن العدلة غادر اليمن. "حزنت كثيرًا أن صدام غادر البلاد"، يقول خالد.
لدى كلا الشابين طموح بتأسيس مسرح للعرائس في اليمن بعد أن تتوقف الحرب. ويرى محمد خالد أن ذلك "ممكن جدًا"، إذا قرر رجال الأعمال الاستثمار. يؤكد خالد بحماسة: "إنه استثمار مجد جدًا على المستوى الاقتصادي، فضلًا عن الثقافي".
لدى كل من صدام العدلة ومحمد خالد طموح بتأسيس مسرح للعرائس في اليمن، لكن الباحث هايل المذابي يرى أن الحرب تجعل الأمر أشبه بالمعجزة
أما الباحث هايل المذابي فيبدو متشائمًا بالنسبة لطموح محمد خالد، إذ يقول: "الأمر أكبر من مجرد كلام يمكن كتابته، بل يتجاوز قدرات أكبر المؤسسات الثقافية والفنية، لأن الحرب تجعل الأمر أكبر منّا وأكبر من مؤسسات الدولة، كما تجعل أي نشاط يمكن أن نلمس آثاره على الواقع أشبه بمعجزة بالفعل".
اقرأ/ي أيضًا: