تجاوز جيش الاحتلال الإسرائيلي قواعد الاشتباك المثبّتة على الحدود مع لبنان مرّة أخرى بارتكابه، مساء الأحد، مجزرة مروّعة في منطقة جبلية قرب عيناتا الحدودية، بعدما أغارت طائرة حربية على سيارتين مدنيتين ما أدى إلى استشهاد المواطنة سميرة أيوب وحفيداتها الثلاث، فيما تعرّضت ابنتها هدى حجازي لجروح بالغة، كما أصيب الصحفي سمير أيوب (شقيق سميرة)، الذي كان في السيارة الأمامية، بجروح بسيطة.
ليست هذه المرة الأولى التي يستهدف فيها جيش الاحتلال المدنيين منذ اندلاع المواجهات بين "حزب الله" وبعض الفصائل الفلسطينية وجيش العدو عند الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة عقب عملية "طوفان الأقصى"، حيث سبقها جملة استهدافات طالت بعض المنازل المأهولة، وأسفرت إحداها عن استشهاد رجل مسن مع زوجته في قرية شبعا الحدودية.
إضافةً إلى الإغارة على سيارتي إسعاف صباح الأحد، ما أدى إلى إصابة أربعة مسعفين. وكذلك قصف نقطة تجمع الصحفيين في علما الشعب الذي أسفر عن استشهاد مصور وكالة "رويترز" عصام عبد الله، وإصابة عدد من الصحفيين المتواجدين في الموقع.
لكن الجديد في مجزرة عيناتا هو أنها حدثت بعيدًا عن الحدود أو ما يُعرف بـ"مناطق الاشتباك"، حيث وقعت في منطقة لم يسبق أن شهدت أي عمليات عسكرية طوال مدة الاشتباكات. وقد زعم العدو الإسرائيلي في البدء أنه استهدف سيارة تضم ثلاثة "إرهابيين"، قبل أن يتراجع ويشير إلى أنه يتحقق من ادعاءات حول استهداف سيارة تضم أطفالًا في جنوب لبنان.
وقد أرخت مجزرة عيناتا بظلالها فوق جنوب لبنان، فعمّ الحزن والأسى في عموم القرى والبلدات، كما ساد جو من الحذر مشوب بالقلق والخوف من تداعيات هذا الاعتداء الجديد، الذي كسر فيه الاحتلال قواعد الاشتباك المثبّتة وفقًا للقرار 1701. كما نزح المزيد من المواطنين عن الجنوب بحثًا عن مناطق أكثر أمنًا رغمًا عنهم، خاصةً في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعانون منها.
وتوجهت الأنظار إلى شكل رد "حزب الله" على هذه العملية، خاصة أن أمينه العام حسن نصر الله أعلن في خطابه الأخير عن معادلة "المدني مقابل المدني"، علمًا أن هناك كلمة جديدة لنصر الله السبت المقبل.
توالت البيانات والمواقف المستنكرة لجريمة عيناتا، والداعية إلى محاسبة إسرائيل المتمادية في جرائمها بحق المدنيين من غزة إلى لبنان، وأتى الرد الرسمي الأول من وزير الخارجية عبد الله أبو حبيب، الذي أعلن أن لبنان سيتقدّم بشكوى إلى الأمم المتحدة بشأن مقتل مدنيين من بينهم فتيات صغيرات، بسبب ضربة إسرائيلية جنوبي لبنان. وقد أشار أبو حبيب إلى أنّ الحكومة اللبنانية شرعت في تجميع صور ومعلومات عن الجريمة بهدف إرفاقها مع الشكوى المقدّمة إلى الأمم المتّحدة.
الصحافي سمير أيوب الذي تواجد في السيارة الأمامية، والذي خسر شقيقته وثلاثًا من حفيداتها، قال في حديث تلفزيوني، بعد وقت قليل من المجزرة، إنه شاهد بأم عينه الطفلات وهن يحترقن دون أن يتمكن من فعل شيء لهن، وهذا أكثر ما آلمه. كما أشار إلى أن "الإرهابيين" الذي تكلّم عنهم الجيش الإسرائيلي ليسوا سوى فتيات وجدة.
النائب في البرلمان اللبناني عن كتلة نواب التغيير المعارضة، ملحم خلف، قال إن مجزرة عيناتا اليوم تذكّره بمجزرتي قانا الأولى والثانية، وأن الشهداء الأربعة التحقوا بقافلة ضحايا غزة الأبرياء، وطالب بوضع حدّ لوحشية العدو.
مجزرة #عيناتا مساء اليوم، ذكّرتنا بمجزرتي #قانا الأولى والثانية! ما ذنب هؤلاء الأطفال الذين استشهدوا مع جدّتهم والتحقوا بقافلة ضحايا أطفال #غزة الأبرياء؟! إنّ وضع حدّ لوحشية #كيان_العدو هو أمرٌ داهمٌ! والسكوت عن هذه #البربرية هو #جريمة مضاعفة ضد الإنسانية!#جريمة_ضد_الله… pic.twitter.com/tjI5QlzN1G
— Melhem Khalaf (@MelhemKhalaf) November 5, 2023
وقال وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال، زياد مكاري، إنه ليس مستغربًا على من اعتاد قتل الأطفال والمدنيين والصحافيين من دون محاسبة أو عقاب، أن يستمر في جرائمه ضد الإنسانية، مشيرًا إلى أنّ تاريخ لبنان شاهد على مجازر العدو الإسرائيلي من عيترون إلى قانا ومروحين.
كما صدرت عشرات بيانات الإدانة والاستنكار للجريمة المروعة من أحزاب وفعاليات سياسية ودينية وشخصيات إعلامية وحقوقية. ودعت جمعيات ومنظمات أهلية إلى مشاركة واسعة في تشييع الشهداء في قرية عيترون الذي تقرر إقامته الثلاثاء، بانتظار وصول والد الفتيات الثلاث من سفره.