مَنْ أغلقَ السمّاعة حين سمعَ بولادتك، بنتًا ثانية وأخيرة؟
في سُوقِ الجمعة، حيث يرقدُ ابن عربي ولا يزالُ الفقراء يتخاطفون صُررَ الثيابِ المستعملة في الفجر، لم يتكهّنْ أحد بأنكِ ستقودين الدرّاجة بعيدًا إلى الضواحي وسفوحِ صيدنايا، ثم ستعودين بركبتين جريحتين إلى المستقبل. كنتِ حشدَ فتياتٍ يبكين بعيونٍ لا تدمع. وقفتِ أمام ما رأيته، وتذكّرتِ الصبر الذي تنسينه إلى الآن: "تعبتُ، مثلما تعبَ الجميع، من صراخِ اضطرابي".
كنا نقفُ على كتفِ قاسيون، سيارتكِ مثل ثعلبٍ أسود تضيءُ باعةَ القهوة. هنا، نرى العاصمةَ على حقيقتها: إنها الهاوية، والفجرُ مثل وحشٍ بطيء سيبتلعُ كلَّ هذه النجومِ القليلة. لم تصدّقي مَن امتدحَ عنادك "هذه جسارةُ العيش في عينِ اللعنة"، فالمدائحُ تعلو الضجيج كدخانِ المستنقعات. قلتِ: نحن عاديون. ترين نفسك في التلفزيون فتغيّرين القناة، تقلّين الأصدقاء إلى بيوتهم واحداً واحداً، تنسين كم مرة رويتِ كيف كتبتِ "طقوس الإشارات والتحولات" بخطِّ يدك، وقرأتِ للمكفوفين جونيه ولوركا، كيف مثّلت تشايكوفسكي في الغابة منذ سنواتٍ قريبة كالأمس، كيف أخطأتِ الجنازة وبكيتِ اليونانيَّ الوحيد في كنيسةٍ أخرى. سينيرُ صوتُ بياف عتمةَ السينما ويوقظك؛ ستسمعين، وأنت تضحكين عالياً، غناءَ الجَرو الأبيض تحت قمرِ البراري، فترفعين يدك: الأصابع هي المعجزات.
- من ديوان "ميزان الأذى"، منشورات دار المتوسط، ميلانو 2016
اقرأ/ي أيضًا: