يزداد نفوذ رئيس مجموعة "فاغنر" الأمنية يفغيني بريغوجين، داخل أروقة صنع القرار في روسيا، مع استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، وذلك بعد مشاركة مرتزقة من شركته على جبهات القتال. ويترافق مع ازدياد نفوذ "فاغنر" صراعات على النفوذ واتخاذ القرار روسيًا في جبهات القتال، حيث يشار باستمرار إلى أن القتال على جبهة باخموت الأوكرانية مدفوع برغبة "فاغنر" بإثبات أفضليتها على الجيش الروسي. فيما أصبح رئيس الشركة يطلق تهديداته على العلن ضد قادة الجيش الروسي بسبب سوء التقدير وإدارة المعارك في أوكرانيا.
يزداد نفوذ رئيس مجموعة "فاغنر" يفغيني بريغوجين، داخل أروقة صنع القرار في روسيا، مع استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا
ويشير موقع " The Daily Beast" الأمريكي، في تقرير له إلى "تعليقات لاذعة" صدرت عن بريغوجين، تعليقًا على مقطع مصور انتشر قبل أيام ويظهر فيه مجموعة من مقاتلي "فاغنر"، وهم يشتمون رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية فاليري غيراسيموف.
وفي المقطع المصور، يوجه أحد مقاتلي "فاغنر" كلامه إلى غيراسيموف، قائلًا: "إلى رئيس هيئة الأركان العامة، أيها اللعين ليس لدينا ما نقاتل به، وليس لدينا ذخيرة، الرجال يموتون من أجلنا هناك، ونحن ما زلنا جالسين هنا، ولا نملك أي شيء لنقدمه لهم، نحن بحاجة إلى ذخيرة، نريد أن نُبيدهم جميعًا، نحن نحارب الجيش الأوكراني بأكمله بالقرب من باخموت، فأين أنت؟ لقد حان الوقت لمساعدتنا، ولم يعد لديَّ ما أدعوك به سوى اللعين!".
في حين نفت وسائل إعلام روسية صحة المقطع المصور، وقالت إن الرجال الذين ظهروا في الفيديو ربما كانوا في الحقيقة "قوميين أوكرانيين" يرتدون زي مقاتلي "فاغنر"، ويحاولون الإيقاع بين المقاتلين الروس.
لكن رئيس مجموعة "فاغنر"، أكد بنفسه صحة المقطع المصور مسقطًا "نظرية المؤامرة" التي حاولت أن تروج لها وسائل الإعلام الروسية. وفي رسالة صوتية، نُشرت على القناة الرسمية المعنية بالخدمة الصحفية لشركة "Concord Management and Consulting" التابعة له على تيليغرام، قال بريغوجين "لا قوميين أوكرانيين في هذا المقطع المصور"، مؤكدًا أن الرجال الذين ظهروا في المقطع هم عناصر في شركة فاغنر، معبرًا عن دعمه للرسالة. وأوضح بريغوجين "استأذنني الرجال في السماح بنشر هذه الرسالة، فأنت حين تكون جالسًا في مكتب دافئ، يصعب عليك الإصغاء لما يحدث من مشكلات على جبهة القتال، لكن حينما تحمل جثث رفاقك كل يوم، وتقف لتودعهم الوداع الأخير، تدرك شدة الحاجة إلى الإمدادات لمن يقاتلون، وتريد من الجميع أن يتحركوا، أو حتى أن يدركوا بعض الشيء من المعاناة في الخطوط الأمامية للقتال"، واستدرك قائلًا: "أمّا المشكلات التي يؤسفنا ظهورها في كل خطوة… فإننا سنحلها أو نجبر غيرنا على حلها"، في إشارة إلى الصراع الدائر في ساحة المعركة.
في الأشهر الأخيرة، أصبحت مدينة باخموت، في إقليم دونباس، نقطة صراع محوري في القتال الدائر بأوكرانيا ، وسجلت فيها خسائر فادحة من كلا الطرفين. فيما تعتبر هذه التصريحات حلقةً جديدةً من التصريحات العلنية الناقدة التي تطلقها الدائرة المقربة من بوتين ضد كبار القادة العسكريين الروس، بسبب ما يقولون إنها سوء إدارة في التعامل مع غزو أوكرانيا.
وحول ذلك، أشارت المخابرات البريطانية في أيلول/ سبتمبر الماضي، إلى أن روسيا بدأت تعتمد على مجموعة "فاغنر"، بعد الخسائر التي تكبدها الجيش الروسي في ساحة المعارك، وفي حينه سرب مقطع مصور لرئيس شركة "فاغنر" بريغوجين وهو يقوم بجولة في السجون الروسية، في محاولة لإقناع السجناء الجنائيين من أصحاب المحكوميات العالية الالتحاق بشركته العسكرية الخاصة، مقابل الخروج من السجن والحصول على مبالغ مالية.
هذه الجولات، كانت تهدف إلى تعزيز القوات البشرية الروسية المقاتلة في أوكرانيا، وفي المقطع المصور الذي انتشر لرئيس الشركة بريغوجين، قال: "إذا خدمت 6 أشهر في صفوف فاغنر، فأنت حر"، متابعًا، "إذا وصلت إلى أوكرانيا وقرّرت أنك لست معنيًا بالأمر، فستواجه الإعدام ميدانيًا".
ووفقًا لمجلة "Politico" الأمريكية، فقد ظهرت في تشرين الأول/ أكتوبر انقسامات في النخبة العسكرية الروسية وتشكل داخلها معسكر من الصقور المتطرفين بقيادة بريغوجين وأمير الحرب الشيشاني رمضان قديروف من جهة. ومعسكر ثاني من القيادات العسكرية الروسية ممثلةً برئيس هيئة الأركان العامة الروسية فاليري غيراسيموف ووزير الدفاع سيرغي شويغو من جهة أخرى. كما أن بريغوجين تمكن من عقد تحالفات مع قادة الجبهات في الجيش الروسي ضمن مواجهته مع رئيس الأركان الروسي.
في وقت لاحق، أشارت المخابرات البريطانية إلى شائعات تحدثت عن أن بوتين قام بعزل غيراسيموف من منصبه، إلا أن الكرملين سارع إلى نفي تلك الشائعات. وفي منتصف الشهر الجاري ، قال مسؤول عسكري أمريكي كبير إن "مخزون روسيا من الذخيرة تقلص بشكل كبير"، وهي معلومات مطابقة لتلك التي يتحدث عنها عناصر "فاغنر".
والتقديرات تتحدث عن تنامي نفوذ بريغوجين داخل الدائرة المقربة من بوتين، مما يجعل مواقف القادة العسكريين الروس أكثر هشاشةً بشكل متزايد، ومما يعطي دفعةً لإمكانية إجراء تعديلات في قيادة الجيش. وخلال الأشهر الثمانية الأولى من غزو أوكرانيا، أقال بوتين ثمانية جنرالات على الأقل من مناصبهم، وهو معدل مرتفع، ويعكس عدم رضاه عن نتائج الحرب ونفوذ رئيس شركة فاغنر المتزايد.
والتقديرات تتحدث عن تنامي نفوذ بريغوجين داخل الدائرة المقربة من بوتين
ويظهر أن بريغوجين يستغل قلة ثقة بوتين في قادته العسكريين من أجل تعزيز رؤيته للحرب. ويشكل تعيين الجنرال سيرجي سوروفيكين كقائد "للعملية الروسية الخاصة" بأوكرانيا في أوائل تشرين الأول/ أكتوبر، دليلًا على انعكاس تصورات بريغوجين في عملية صنع القرار، ويعرف عن سوروفيكين وحشيته كقائد عسكري، وهي تصورات متقاطعة مع بريغوجين، وفي الوقت الذي تستمر فيه انتقادات رئيس فاغنر، يتوقع أن يتخذ بوتين قرارات موافقة لتصوراته بشكلٍ أكر، في ظل التعثر العسكري الروسي على الأرض خلال الأشهر الماضية.
