15-يوليو-2024
ائتلاف اليسار

(Getty) أجواء مشحونة بالتوتر تسود معسكر ائتلاف اليسار

يواجّه اليسار الفرنسي صعوبة في تسوية الخلافات بين مكوناته للاتفاق على مرشح لمنصب رئيس الوزراء، فيما يجتمع رئيس حكومة تصريف الأعمال، غابريال أتال، اليوم الإثنين، مع كتلته البرلمانية في بداية أسبوع حاسم، وفقًا لما ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية.

وبانتظار بدء أعمال الجمعية الوطنية الجديدة وانتخاب رئيسها المقبل نهاية الأسبوع الجاري، ما زالت الجبهة الوطنية الجديدة، ائتلاف الأحزاب اليسارية الذي حلّ في طليعة نتائج الانتخابات التشريعية المبكرة، عاجزة عن التوافق على فريق حكومي.

وأفضت الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية إلى فوز الجبهة الشعبية الجديدة بأكبر عدد من المقاعد، لكنها لم تحصل على أغلبية مطلقة للحكم بمفردها، وضم التحالف الذي أنشأ للإطاحة باليمين المتطرف الفرنسي، كلًا من: الحزب الاشتراكي، الحزب الشيوعي الفرنسي، حزب فرنسا الأبية، وحزب البيئة الأوروبية.

اتهامات للاشتراكيين بـ"عرقلة" الترشيحات

طرح الشيوعيون، الأسبوع الماضي، اسم أوغيت بيلو رئيسة مقاطعة "لا ريونيون" الفرنسية في المحيط الهندي والقريبة من فرنسا الأبية (يسار راديكالي)، لكن هذا الخيار لم يحظَ بموافقة الحزب الاشتراكي، وتم التخلي عنه في نهاية الأسبوع.

ويسود الائتلاف اليساري أجواء مشحونة بالتوتر سببها فرنسا الأبية والاشتراكيين، الحزبان الرئيسيان في الجبهة الشعبية الجديدة، واللذان يتنازعان زعامة المعسكر اليساري في الجمعية الوطنية الجديدة.

ما زالت الجبهة الوطنية الجديدة عاجزة عن التوافق على فريق حكومي سببها الأجواء المشحونة بالتوتر بين فرنسا الأبية والاشتراكيين

وانتقد منسق فرنسا الأبية، مانويل بومبار، في حديث لوسائل إعلام فرنسية ما وصفه بـ"عرقلة" الاشتراكيين لاختيار مرشح لرئاسة الحكومة الجديدة، وقال لإذاعة راديو مونتي كارلو وقناة "بي إف إم تي في" إنه: "إذا جرت العرقلة اليوم، فسيكون ذلك بوضوح بسبب الحزب الاشتراكي"، منددًا بـ"معارضات منهجية، عرقلات، وفيتوات" يطرحها الاشتراكيون "على كل الترشيحات".

رهان المعسكر الرئاسي

سعيًا للخروج من المأزق، اقترح الأمين العام للحزب الاشتراكي، أوليفييه فور، مرشح حزبه لرئاسة الحكومة، وطالب عبر "فرانس 2" بـ"توسيع" الخيارات إلى "شخص من الخارج"، وأضاف موضحًا "يجب أن نسعى لإيجاد شخص يأتي ربما من المجتمع المدني، ويسمح لنا بالمضي قدمًا معًا".

وفي المقابل، طرح فرنسا الأبية أولوية جديدة للتحالف اليساري تتمثّل بالتوافق على ترشيح مشترك لرئاسة الجمعية الوطنية، المنصب الاستراتيجي الذي سيجري التصويت بشأنه الخميس.

وقال بومبار: "يجب الفوز الآن في هذا الاستحقاق الأول. وكلما أهدرنا وقتًا في مناقشات أخرى، أصبح موقعنا أضعف".

وينطوي هذا الاستحقاق على رهان كبير لليسار في وقت يسعى قسم من المعسكر الرئاسي منذ عدة أيام لبناء غالبية تكون بديلة عن الجبهة الشعبية الجديدة للفوز بهذا المنصب الأساسي الذي تعتزم الرئيسة الحالية، ياييل برون بيفيه، الاحتفاظ به.

وفي سياق هذه المناورات، قد تنجح الكتلة الوسطية في تخطي اليسار من حيث عدد الأصوات من خلال عقد اتفاق مع اليمين مثلًا.

اتهامات لبرون بيفيه بالتفاهم مع اليمين

ومن المسائل التي ستهيمن على هذا الأسبوع أيضًا مسألة الجبهة الجمهورية التي تشكّلت للتصدي للتجمع الوطني في الانتخابات، والتي يأمل اليسار في مواصلتها داخل الجمعية الوطنية من خلال منع الحزب اليميني المتطرف من شغل أي منصب أو مسؤولية، غير أن عددًا من الماكرونيين ومن بينهم برون بيفيه يعارضون ذلك.

وفي هذا السياق، اتُهمت الرئيسة المنتهية ولايتها للجمعية الوطنية، برون بيفيه، بعقد تفاهم مع التجمع الوطني بهدف الاحتفاظ بمنصبها، وهو ما نفته، ورأى، أوليفييه فور، أنّ مثل هذا الاتفاق مع التجمع الوطني الذي حلّ في المرتبة الثالثة بفوزه مع حلفائه بحوالى 146 مقعدًا نيابيًا من أصل 577، أمر "غير مقبول".

وسيطرح هذا الملف حتمًا على جدول أعمال اجتماع كتلة الحزب الرئاسي "رونيسانس"، الذي دعا أتال لعقده، اليوم الإثنين.

ويجمع أتال حاليًا صلاحيات رئيس كتلة الحزب الرئاسي في الجمعية الوطنية، المنصب الذي انتخب فيه، أول أمس السبت، مع صلاحيات رئيس الوزراء طالما أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لم يقبل استقالته بعد.

وقال وزير الداخلية، جيرالد دارمانان، إن هذا سيحصل "الثلاثاء أو الأربعاء"، فيما ذكر مصدر وزاري أنّه من المقرر عقد مجلس وزراء يوم غد الثلاثاء.

عجز في المالية العامة

ومن المتوقّع أن تتبلور الاستراتيجية الرئاسية خلال اجتماع لرؤساء أحزاب المعسكر الرئاسي يعقده ماكرون عند الظهر في قصر الإليزيه، وفق ما أفادت أوساطه.

ووسط كل هذه الضبابية السياسية، ثمة أمر أكيد هو أنّ الحكومة المقبلة أيًا كانت ستتسلم مالية عامة في عجز، إذ عرض ديوان المحاسبة حصيلة مقلقة لوضع فرنسا المالي في تقرير ضخم رفعه، اليوم الإثنين.

وحذّر رئيس الهيئة، بيار موسكوفيسي، من أنّ الحد من الدين العام "ضرورة حتمية لا بد أن تتقاسمها" كل القوى السياسية.

وكانت رئيسة أكبر نقابة في فرنسا، صوفيه بينيه، قد دعت مطلع الأسبوع الجاري إلى إضرابات جماعية للضغط على الرئيس ماكرون كي "يتم احترام نتائج" الانتخابات التشريعية الأخيرة، والسماح لتحالف اليسار بتشكيل حكومة جديدة، وذلك قبل نحو 10 أيام من انطلاق دورة الألعاب الأولمبية في باريس.

وتشهد فرنسا حالة من الشلل الحكومي منذ الانتخابات الأخيرة للجمعية الوطنية التي أسفرت عن انقسام البرلمان بين ثلاث كتل سياسية، هي: الائتلاف اليساري "الجبهة الشعبية الجديدة"، حلفاء ماكرون الوسطيون، واليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان.

وكانت نتائج الانتخابات التشريعية قد أسفرت عن فوز اليسار بالمرتبة الأولى بـ190 مقعدًا، يليه في المرتبة الثانية  الوسط متمثلًا في تحالف "معًا" الرئاسي بـ160 مقعدًا، وفي المرتبة الثالثة اليمين المتطرف بـ140 مقعدًا. وبموجب النتائج التي لم تمنح أي طرف الأغلبية (289 مقعدًا) انزلقت فرنسا إلى أزمة سياسية، ليس من المحدد متى قد تغادرها.