15-يوليو-2024
جون لوك ميلانشون

زعيم حزب فرنسا الأبية جان لوك ميلانشون (فرانس برس)

يُمنّي الزعيم اليساري في الجبهة الشعبية الجديدة وزعيم حزب فرنسا الأبية، جان لوك ميلانشون، نفسَه برئاسة حكومة بلاده، مستفيدًا من تصدر تحالف اليسار نتائج الانتخابات، ونيل حزبه الحصة الأكبر من مجموع مقاعد اليسار، لكن طموح ميلانشون يتحطّم كل مرة بسبب عدم وجود إجماعٍ على اسمه داخل التحالف اليساري، ورفع فيتو أمامه في باقي التحالفات الأخرى، لا سيما تحالف "معًا" الرئاسي وتحالف "الجمهوريون"، بسبب ما يعتبرونه "نزعةً متطرفة" يصدر عنها الزعيم اليساري في جميع مواقفه.

وبات ميلانشون بسبب مواقفه، خاصةً الحالية، الرافضة للتحالف مع ماكرون وحلفه السياسي، وبسبب طموحه "المشروع" لرئاسة الحكومة، صداعًا لمعظم النخبة السياسية الفرنسية. 

ومن اللافت للانتباه، في هذا الصدد، التصريح الذي وجهه الرئيس السابق، فرانسوا أولاند، الذي فاز بمقعد عن تحالف الجبهة الشعبية في البرلمان، إلى ميلانشون حيث خاطبه قائلًا: "إذا كانت لدي رسالة أريد أن أنقلها فهي أن جان لوك ميلانشون إذا أراد أن يكون في خدمة الجبهة الشعبية الجديدة عليه أن يتنحى جانبًا وعليه أن يصمت".

يتبنى جان لوك ميلانشون برنامجًا سياسيًا مثيرًا للجدل داخليًا وخارجيًا، إذ يدعو لإطلاق الجمهورية السادسة، وزيادة الحد اﻷدنى للأجور بنسبة 16%، وخفض ساعات العمل الأسبوعية وسن التقاعد

وذلك في إشارة إلى ما يشاع من أن ميلانشون يقوم به في سبيل منع التوصل إلى اتفاق بين تحالف اليسار وتحالف "معًا" الرئاسي لتشكيل الحكومة، إلى درجة أن يمين الوسط قد يتوجه بسبب مواقف ميلانشون وانتقاداته الحادة إلى مغازلة اليمين المتطرف.

يذكر أنّ أفكار ميلانشون وبرامج حزبه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تتناقض جذريًا مع سياسات الرئيس ماكرون، بل يعتبرها البعض متعارضةً حتى مع "تقاليد وأسس الجمهورية الفرنسية الخامسة"، ما يجعل "اليمين بديلًا أقل خطرًا، وألمح هولاند إلى ذلك بقوله: "عندما يكون الرفض لجان لوك ميلانشون أكبر من رفض مارين لوبان أو جوردان بارديلا تأتي لحظة يتعين علينا فيها أن ندرك ما هي المصلحة العامة".

مسيرة ميلانشون

أبصر جان لوك ميلانشون النور في آب/أغسطس 1951 بمدينة طنجة شمالي المغرب، قبل أن يعود إلى فرنسا بعمر 13 عامًا، وينتمي والداه للطبقة العاملة، حيث كانا عاملين في البريد.

وقد بدأ ميلانشون حياته صحفيًا ومدققًا لغويًا، قبل أن ينخرط في عالم السياسة الذي لم يمنعه من التأليف والكتابة، حيث ألف 19 كتابًا، أبرزها كتاب "دعهم جميعًا يذهبون". وكتاب "كن أفضل! نحو ثورة المواطن"، والثالث بعنوان "اختيار العصيان"، و"عصر الشعب" وكتاب "المستقبل المشترك: برنامج الاتحاد الشعبي".

عام 1986، أصبح ميلانشون أصغر عضو في مجلس الشيوخ الفرنسي عن حزب "فرنسا الأبية"، الذي ترشح من خلاله لعدة استحقاقات أهمها الانتخابات الرئاسية.

وتشير معلومات سيرته السياسية إلى التحاقه بـالحزب الاشتراكي الفرنسي عام 1976، حيث تقلد في هذا الحزب مناصب مختلفة، قبل أن يعين عام 1981 سكرتيرًا أول لمكتب رئيس فرنسا حينها فرانسوا ميتران، كما شغل منصب وزير التربية المهنية بين عامي 2000 و2002 في حكومة ليونيل جوسبان. وعمل نائبًا في البرلمان الأوروبي منذ 2009، وأعيد انتخابه في ذات المجلس عام 2014.

وشهد عام 2008 ابتعاد ميلانشون عن الحزب الاشتراكي، بعدما خاض قبل ذلك حملةً ضد معاهدة الدستور الأوروبي عام 2005، مخالفًا موقف الحزب الاشتراكي. وأنشأ مع الاشتراكية مارتين بيلارد حزبًا يساريًا آخر.

وبدأ ميلانشون تجربته مع الانتخابات الرئاسية عام 2012 عندما خاض السباق الرئاسي الذي حل فيه رابعًا، وشارك بعدها في انتخابات 2017، عن حزب فرنسا الأبية الذي أعلن عن تأسيسه قبل بأشهر قليلة، في مواجهة ماكرون الذي دأب على انتقاده بتسميته "ابن المصارف"، وفي انتخابات عام 2022 حل في المركز الثالث خلف ماكرون ولوبان.

ويتبنى ميلانشون برنامجًا سياسيًا مثيرًا للجدل داخليًا وخارجيًا، إذ يدعو لإطلاق الجمهورية السادسة، وزيادة الحد اﻷدنى للأجور بنسبة 16%، وخفض ساعات العمل الأسبوعية وسن التقاعد.

كما يدعو ميلانشون إلى وقف تسريح الموظفين من العمل، ورفع سقف الضريبة على الدخل إلى 90%، ورفع سقف الإنفاق الحكومي بنحو 173 مليار يورو (نحو 184 مليار دولار) على مدى 5 سنوات.

ويعتبر ميلانشون من المنحازين للمهاجرين الذين يدعو إلى إدماجهم في المجتمع الفرنسي، وطالما كرر أنه "يجب معاملة المهاجرين مثل ما نحب أن يعاملونا عندما نذهب إليهم"، وأكد أيضًا أهمية تسوية أوضاع من لا يحملون وثائق إقامة في فرنسا.

جون لوك ميلانشون

وعلى صعيد السياسة الخارجية، يدعو ميلانشون إلى الخروج من حلف شمال الأطلسي (ناتو) وسحب فرنسا من معاهدات الاتحاد الأوروبي إذا لم تتحقق بعض الشروط، إذ يقول "أوروبا إما أن نغيرها وإما أن نغادرها"، إضافة إلى مطالبته بالتخلي عن الطاقة النووية.

كما يعتبر ميلانشون من المساندين للقضية الفلسطينية وأحد نقاد الاحتلال الإسرائيلي في فرنسا. كما كان من بين معارضي دعم فرنسا حرب الخليج 1990.

وبسبب برنامجه الانتخابي وتوجهاته السياسية والفكرية، يصفه خصومه بـ"الشعبوي المتهور"، وتنعته صحافة اليمين الفرنسي بـ"الخطر الفرنسي الجديد"، بينما لقبته صحيفة "لوفيغارو" بـ"شافيز فرنسا"، في إشارة إلى الرئيس الفنزويلي الراحل اليساري هوغو شافيز.

أما صحيفة "ليبراسيون" فقالت إن ميلانشون يسير في السياسة الخارجية على خطى "شافيز وبوتين"، وأطلقت عليه في افتتاحية لها "الخطيب الأحمر".

وبات ميلانشون اليوم رقمًا صعبًا في السياسة الفرنسية بعدما أحرز حزبه حزب فرنسا الأبية 78 مقعدًا في البرلمان.