هل يتكرر سيناريو باريس الإرهابي في مدينة نيويورك أو واشنطن أو أي مدينة أمريكية أخرى؟ وهل بإمكان عناصر تنظيم داعش الحاضرين بقوة على منصات السوشيال ميديا الأمريكية التسلل إلى أرض الولايات المتحدة وتنفيذ عمليات إرهابية منسقة كالتي شهدتها العاصمة الفرنسية؟ هل نجحت استراتيجية باراك أوباما في محاربة داعش؟ ...وغيرها الكثير من الأسئلة تتردد يوميًا في وسائل الإعلام الأمريكية ويحاول مسؤولون أمنيون أمريكيون وسياسيون وخبراء في مكافحة الإرهاب الإجابة عنها.
تأخذ استراتيجية أوباما في محاربة داعش في حسبانها الفوارق الأيديولوجية والدعائية والعملياتية بين تنظيمي القاعدة وداعش
الأرجح أن مهندسي استراتيجية أوباما في محاربة داعش كانوا أيضًا مهجوسين بمثل هذه الأسئلة، وإن كان هاجسهم الأكبر إجراء قراءة نقدية لاستراتيجية الحرب على الإرهاب التي أعلنتها إدارة الرئيس السابق جورج بوش بعد ساعات قليلة من سقوط برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك في هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 التي شنها تنظيم القاعدة ضد الولايات المتحدة. واستخلاص العبر من هذه التجربة الميدانية المؤلمة والتوقف عند محطاتها الرئيسية، من غزو أفغانستان والعراق إلى فضائح التعذيب في سجن أبو غريب واستخدام وسائل التعذيب الممنوعة دوليًا في سجن غوانتانامو.
والأغلب أنه لم يفت استراتيجية أوباما إعادة قراءة المواجهة الأيديولوجية والإعلامية مع القاعدة والتنظيمات الإرهابية المشابهة ومراجعة مقولة الصراع الحضاري مع الإسلام التي شكلت الإطار الأيديولوجي لتلك الحرب، والتي كان من ثمارها ما نشهده من خلط في الوعي الغربي بين الحرب على الإرهاب وبين الحرب على الإسلام والمسلمين.
تأخذ استراتيجية أوباما في محاربة داعش في حسبانها الفوارق الأيديولوجية والدعائية والعملياتية بين تنظيمي القاعدة وداعش، ولا تغفل مظاهر صراع الأجيال الدائر بين "الجهاديين" أنفسهم. فالاختلاف جوهري بين هجرة "المجاهدين" إلى أفغانستان في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وإسقاط السوفيت وتأسيس أسامة بن لادن لتنظيم القاعدة ودعوته إلى أممية إسلامية تأخذ على عاتقها محاربة الكفر في كل العالم وإقامة دولة الإسلام، وبين عودة "مجاهدي" داعش بالآلاف من المجتمعات الغربية إلى "دولة الخلافة" التي أعلن أبو بكر البغدادي قيامها في بلاد الشام. فقد اختار داعش السير عكس المسار الذي سلكته القاعدة من الأممية إلى الإقليمية وأخيرًا الوطنية. فاستفاد داعش من حساسيته الوطنية العراقية، وملأ الفراغ السياسي الذي أحدثته الحرب الأمريكية على العراق والإطاحة بصدام حسين، كما اغتنم فرصة انفجار الثورة السورية لتأمين موطىء قدم ومركز لدولة الخلافة، تمددت منه إلى شبه جزيرة سيناء وشمال أفريقيا وغيرها من الملاذات الآمنة الخارجة عن سيطرة الحكومات في نيجيريا وأفغانستان وباكستان وغيرها.
كذلك تنظر استراتيجية أوباما إلى تنظيم داعش على أنه ظاهرة إلكترونية أو نسخة إلكترونية من تنظيم القاعدة بمعنى أنه تخفف من الثقل الأيديولوجي لتنظيم أسامة بن لادن وأيمن الظواهري. فاستعاض عن الأيديولوجية التي تتوسل النصوص الدينية في الترويج والتجنيد والحث على الجهاد بثقافة الصورة الهوليودية، ومن خلال نشر مشاهد الحرق والذبح وعمليات القتل الملحمية التي ينفذها في مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت.
في معرض توصيفه لتنظيم البغدادي بعد هجمات باريس يقول الرئيس الأمريكي باراك أوباما إن داعش عبارة عن شبكة من المجرمين يبلون بلاءً حسنًا في السوشيال ميديا. فالحرب الإلكترونية ضد داعش هي نصف المعركة، والنصف الثاني الكفيل بهزيمة التنظيم هو نزع الغطاء الديني الذي يتخفى خلفه. على هذا لا يرى أوباما أي جدوى على المدى الاستراتيجي لوجود قوات أمريكية على الأرض في سوريا والعراق لمحاربة داعش، ويرى أن مهمة قتال داعش على الأرض إذا أريد لها أن تنجح فإنها تقع على عاتق المسلمين وحدهم وخصوصًا السنة.
يرى المدافعون عن استراتيجية أوباما في محاربة داعش علامات تقدم كبيرة ستؤدي على المدى البعيد إلى القضاء على هذا التنظيم. ويشيرون إلى استعادة الأكراد بدعم جوي أمريكي مدينة سنجار في العراق وقبلها كوباني في سوريا، والعمليات النوعية التي تنفذها الفرق الأمريكية الخاصة مثل قتل "ذباح الرهائن" لدى داعش المعروف باسم "الجهادي جون". أضف إلى ذلك نجاح مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، من خلال المراقبة الإلكترونية المتواصلة للمشتبه بهم في الولايات المتحدة، في اعتقال وتفكيك عدد كبير من الشبكات الإرهابية المرتبطة بداعش، ومنع عشرات الشبان الأمريكيين من التوجه إلى سوريا والعراق بهدف الالتحاق "بدولة الخلافة ".
والأهم من ذلك كله، وفق وجهة النظر نفسها، أن أهداف الإرهاب ما عادت أهدافًا أمريكية بالدرجة الأولى. فالروس والفرنسيون باتوا أكثر عرضة للهجمات، من الطائرة الروسية في شرم الشيخ إلى باريس. بهذا المعنى فإن استراتيجية أوباما منعت حتى الآن الخطر الداعشي من الضرب داخل الولايات المتحدة، ونجحت في حماية الأمريكيين والأمن القومي الأمريكي، على عكس الأوروبيين المرعوبين والروس الغارقين في المستنقع السوري.
اقرأ/ي أيضًا: