وجهت سفارة الولايات المتحدة في الخرطوم، اتهامًا مباشرًا لقوات الدعم السريع بالوقوف وراء المجزرة المروعة التي حدثت في مدينة الجنينة بمحافظة غرب دارفور.
حذر مدعي محكمة الجنايات الدولية من أن "كل فرد يثبت تورطه في ارتكاب الجرائم التي تقع ضمن اختصاص مكتبه- أي جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب- سيخضع للتحقيق"
وقالت السفارة في بيان، إن التقارير عن مقابر جماعية بمستيري والجنينة تقدم أدلة إضافية على فظائع التي ترتكبها قوات الدعم السريع، وطالبت السفارة بضرورة توقف القتال في السودان، وأن تكون هناك مساءلة.
بدورها، دانت وزارة الخارجية الأمريكية استمرار ما وصفته بالأعمال الوحشية لقوات الدعم السريع وحلفائها في غرب دارفور.
من جهته، حمل رئيس البعثة الأممية بالسودان فولكر بيرتس، الأطراف المتحاربة مسؤولية الجرائم المرتكبة، مؤكدًا على ضرورة محاسبة قيادتها.
تحقيق بجرائم الحرب في السودان
تأتي هذه التصريحات في الوقف الذي أعلن فيه المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، أمس الخميس، فتح تحقيق جديد بشأن جرائم حرب في السودان، مشيرًا إلى أن "النزاع الراهن يثير قلقًا كبيرًا".
وأبلغ المدعي العام، مجلس الأمن الدولي أنه "فتح تحقيقًا بشأن الأحداث التي وقعت في إطار الأعمال القتالية الراهنة"، في إشارة إلى المعارك التي اندلعت منذ منتصف نيسان/ أبريل الماضي، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وأشار المدعي العام إلى تقرير مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الذي تحدث عن تلقيه معلومات موثوقة تفيد بدفن ما لا يقل عن 87 شخصًا من أفراد من قبيلة المساليت، في مقابر جماعية خارج مدينة الجنينة، بعد أن قتلهم أفراد من قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها في غرب دارفور.
وأوضح التقرير أن دفن الجثث جاء تنفيذًا لأوامر من الدعم السريع، مشيرًا إلى أن "السكان المحليين أُجبروا على التخلص من الجثث في مقبرة جماعية، مما حرم الموتى من أن يُدفنوا في إحدى مقابر المدينة بكرامة".
وحذر المدعي العام من التقارير "المروعة" والمتزايدة التي "تنذر بتكرار نفس التاريخ التعيس الذي أرغم مجلس الأمن في 2005 على إحالة الوضع في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية".
ودعا كريم خان، أعضاء مجلس الأمن إلى "التصرف بشكل عاجل وجماعي لحماية الفئات الأكثر ضعفًا"، مشددًا على أن "أهل دارفور عاشوا في ظل عدم اليقين والألم، وندوب الصراع لما يقرب من عقدين من الزمن"، وخاطب خان، أعضاء مجلس الأمن، قائلًا: وإذ أحدثكم الآن هناك نساء ورجال، فتيات وصبيان، رجال مسنون ونساء مسنات يخشون على حياتهم، ويعيشون في قلق في خضم النزاع. تحترق ديارهم والكثيرون لا يدرون ماذا سيحمل لهم الليل في طياته وما سيكون مصيرهم غدًا".
وحذر مدعي محكمة الجنايات الدولية من أن "كل فرد يثبت تورطه في ارتكاب الجرائم التي تقع ضمن اختصاص مكتبه- أي جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب- سيخضع للتحقيق"، مشيرًا إلى أن "من يثبت تورطهم في ارتكاب هذه الجرائم سيحاسبون في ظل محاكمات عادلة ومنصفة".
ووجه خان كلامه للقوات المتحاربة في السودان، قائلًا: "أريد أن أوجه رسالة صريحة لكل قائد، لكل مقاتل، لكل جندي بحوزته سلاح ويعتقد أن بإمكانه أن يتصرف كما يحلو له. إن استهداف المدنيين وديارهم وأماكن معيشتهم، واستهداف النساء والأطفال بشكل خاص هي جرائم حرمها نظام روما الأساسي. إن استهداف المدارس والإمدادات الإنسانية والمرافق الإنسانية يجب أن يتوقف فورًا، لأن الضرر الذي تلحقه هذه الأفعال تعجز الكلمات عن وصفه".
وأضاف خان: "كل من يحرض ويشجع ويوجه بارتكاب جرائم في دارفور من خارج السودان سيكون موضع التحقيق هو الآخر"، وتابع: "هذه هي اللحظة التي ينبغي أن تتضح فيها الأمور بشأن مآل الأوضاع وبشأن الخيارات وبشأن المسؤولية الأخلاقية والقانونية التي نحن مدينون بها لأناس حسوا أنهم مخفيون على مدى عقدين، وأنهم يرون أن ما يصدر من هذا المجلس من قرارات وجزاءات لا يؤخذ على محمل الجد، ولا يشكل ردعًا لهم كما يطالب بذلك ميثاق الأمم المتحدة".
جريمة الجنينة
وكان مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، قد كشف، أمس الخميس، عن دفن 87 شخصًا على الأقل، بعضهم من قبيلة المساليت، في مقبرة جماعية غرب دارفور بالسودان، مشيرًا إلى أن لديه "معلومات جديرة بالثقة عن مسؤولية قوات الدعم السريع عن ذلك".
وبحسب المصادر التي استقى منها مكتب حقوق الإنسان المعلومات، فإنه "تم دفن ما لا يقل عن 37 جثة في 20 حزيران/يونيو في مقبرة بعمق متر واحد تقريبًا بمنطقة مكشوفة تسمى التراب الأحمر، تقع في منطقة الرانقا على بعد 2 إلى 4 كم شمال غرب المقر الرئيسي لشرطة الاحتياطي المركزي غرب الجنينة".
كما تم دفن 50 جثة أخرى بنفس الموقع في 21 حزيران/يونيو. وكانت جثث 7 نساء و7 أطفال ضمن من تم دفنهم.
وبناءً على المعلومات الموثوقة التي تم جمعها بواسطة المكتب، فإن الذين تم دفنهم كانوا قد "قُتلوا من قبل قوات الدعم السريع والمليشيات الموالية لها في الفترة بين 13-21 حزيران/يونيو في أحياء المدارس والجمارك في مدينة الجنينة"، ومن ضمنهم العديد من ضحايا العنف الذي أعقب مقتل والي غرب دارفور خميس أبكر في 14 حزيران/يونيو بعد وقت قصير من اعتقاله من قبل قوات الدعم السريع.
وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك "أدين بأشد العبارات قتل المدنيين والعاجزين عن القتال، كما أشعر بالفزع من الطريقة القاسية والمهينة التي عومل بها القتلى وعائلاتهم ومجتمعاتهم"، ودعا إلى إجراء تحقيق سريع وشامل.
قمة دول جوار السودان
على الصعيد السياسي، أكد قادة الدول المشاركة في قمة دول جوار السودان الذي عقد في القاهرة، أمس الخميس، على أهمية الحل السياسي للصراع الدائر في السودان منذ شهور، واتفقوا على "إنشاء آلية وزارية لوقف القتال بين الأطراف السودانية المتحاربة، والتوصل إلى حل شامل للأزمة"، وحذر المشاركون في القمة، من "التداعيات الكبيرة للأزمة على أمن واستقرار المنطقة والعالم".
وشارك في القمة رؤساء دول وحكومات جمهورية أفريقيا الوسطي، وتشاد، وإريتريا، وإثيوبيا، وليبيا، وجنوب السودان.
وخلال البيان الختامي للقمة، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أن الآلية الوزارية ستعقد أولى اجتماعاتها في تشاد، لوضع "خطة تنفيذية تتضمن وضع حلول عملية وقابلة للتنفيذ لوقف الاقتتال"، وأوضح الرئيس المصري أن الآلية التي اتفق عليها المشاركون في القمة "مُكلفة أيضًا بالتوصل إلى حل شامل للأزمة عبر التواصل المباشر مع الأطراف السودانية المختلفة، في تكاملية مع الآليات القائمة، بما فيها إيغاد والاتحاد الأفريقي".
وأشار السيسي كذلك، إلى أن الآلية ستعمل على "وضع الضمانات التي تكفل الحد من الآثار السلبية للأزمة على دول الجوار، ودراسة آلية إيصال المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى الشعب السوداني، على أن تعرض نتائج اجتماعاتها وما توصلت إليه من توصيات على القمة القادمة لدول جوار السودان".
وأعرب المشاركون في القمة عن قلقهم البالغ إزاء تدهور الأوضاع الإنسانية في السودان، وإدانتهم "للاعتداءات المتكررة على المدنيين، والمرافق الصحية والخدمية"، وشدد المشاركون في القمة "على ضرورة الاتفاق على تسهيل نفاذ المساعدات الإنسانية المقدمة للسودان عبر أراضي دول الجوار، بالتنسيق مع الوكالات والمنظمات الدولية المعنية".
ترحيب مجلس السيادة السوداني
ورحب مجلس السيادة السوداني بمخرجات قمة دول جوار السودان، وقال المجلس في بيان إن "حكومة السودان حريصة على العمل مع كل الأطراف الساعية لوقف الحرب وعودة الأمن والطمأنينة"، وأكد البيان أن "القوات المسلحة السودانية مستعدة لوقف العمليات العسكرية فورًا، إذا التزمت المليشيا المتمردة (الدعم السريع) بالتوقف عن مهاجمة المساكن والأحياء والأعيان المدنية والمرافق الحكومية وقطع الطرق وأعمال النهب".
رحب مجلس السيادة السوداني بمخرجات قمة دول جوار السودان، وقال المجلس في بيان إن "حكومة السودان حريصة على العمل مع كل الأطراف الساعية لوقف الحرب وعودة الأمن والطمأنينة"
كما أكد البيان "الالتزام ببدء حوار سياسي فور توقف الحرب يفضي إلى تشكيل حكومة مدنية تقود البلاد خلال فترة انتقالية تنتهي بانتخابات يشارك فيها جميع السودانيين".