27-أبريل-2024
السفارة الصينية في برلين

(epa) السفارة الصينية في برلين

تشهد أوروبا حالة من الذعر من كل ما هو صيني عقب إيقاف عدة أشخاص، بينهم من عَمِل لدى سياسيين وبرلمانيين، بتهمة التجسس لصالح الصين في كل من ألمانيا والمملكة المتحدة.

وفي أسبوع واحد فقط، اعتُقل مواطن بريطاني يُعرف بآرائه المتشددة بشأن الصين ويعمل مساعدًا لعضو بارز في البرلمان البريطاني، وآخر ألماني من أصل صيني كان يعمل مساعدًا لعضو في البرلمان الأوروبي يمثّل اليمين المتطرف في ألمانيا، بتهمة التجسس لصالح الصين، قبل أن يتم اعتقال 4 أشخاص آخرين، واحد في بريطانيا وثلاثة في ألمانيا، بالتهمة نفسها بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.

وقالت الصحيفة إن ثلاثة من الأشخاص الأربعة الذين تم القبض عليهم في ألمانيا، وهم زوج وزوجة ورجل آخر، متورطون في التجسس الاقتصادي وتمرير معلومات حساسة حول أنظمة الدفع البحرية الألمانية ذات القيمة الكبيرة بالنسبة إلى الولايات المتحدة، واستخدام شركة تُدعى "Innovative Dragon" لشراء ليزر عالي الطاقة ومزدوج الاستخدام، وقاموا بتصديره إلى الصين دون إذن السلطات.

أوقفت ألمانيا والمملكة المتحدة عدة أشخاص بتهمة التجسس لصالح الصين، وداهمت السلطات الهولندية والبولندية مكاتب شركة موردة للمعدات الأمنية الصينية

أما الشخص الرابع، وهو رجل صيني ألماني عمل مساعدًا لماكسيميليان كراه، عضو البرلمان الأوروبي عن حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف، المؤيد لروسيا والصين، فقد وصف ممثلو الادعاء قضيته بأنه "خطيرة بشكل خاص"، وقالوا أيضًا إنه متهم بالعمل والتجسس لصالح وزارة أمن الدولة الصينية.

وأعقبت هذه الاعتقالات حملة ضد الشركات التجارية وبعض الشخصيات الصينية أو المقربة من الصين، فبعد وقت قصير من إعلان مسؤولين بريطانيين وألمان إيقاف ستة من مواطنيهم بتهمة التجسس، داهمت السلطات الهولندية والبولندية، الأربعاء الفائت، مكاتب شركة موردة للمعدات الأمنية الصينية.

ولفتت الصحيفة إلى أن هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها المفوضية الأوروبية قانونًا جديدًا لمكافحة الدعم الأجنبي لمداهمة شركة صينية. وكانت السويد قد طردت، في مطلع نيسان/أبريل الجاري، صحفيًا صينيًا كان مقيمًا في البلاد لمدة عقدين لأنه يشكّل تهديدًا لأمنها القومي، وفق السلطات السويدية.

وقالت الصحيفة الأميركية إن هناك مقاومة متزايدة من قِبل الدول الأوروبية ضد "النفوذ الصيني الخبيث" في السياسة والتجارة في أوروبا. وأشارت إيفانا كاراسكوفا، باحثة تشيكية في جمعية الشؤون الدولية، ومستشارة سابقة للحكومة الصينية، إنه بعد سنوات من المشاحنات حول التجارة التي أعقبتها مصالحة بين الطرفين: "نفذ صبر أوروبا تجاه الصين".

وإذ أشارت كاراسكوفا إلى أن الصين لا تزال تتمتع بأصدقاء مخلصين في الاتحاد الأوروبي، سيما المجر، لكنها أكدت أن أوروبا انتقلت من موقف "الإنكار التام"، في بعض الأوسط، بشأن الخطر الذي تشكله عمليات التجسس والتأثير الصينية، إلى: "اتخاذ وجهة نظر أقل سذاجة، وتريد الدفاع عن المصالح الأوروبية في مواجهة الصين".

وبيّنت عملية توقيف هؤلاء الجواسيس أن الصين تجاوزت التجسس لصالح الأعمال التجارية، والمتعلقة بها، إلى التدخل السياسي السري، حيث أفاد مسؤولون أوروبيون بأن الصين تستخدم جواسيس للاختراق والتأثير على العملية الديمقراطية في ألمانيا وبريطانيا، ما أثار قلقًا متزايدًا لدى المسؤولين الأوروبيين الذين كانوا ينظرون إلى التدخل في الانتخابات على أنه: "تخصص روسي إلى حد كبير".

وقال مارتن ثورلي، خبير بريطاني في الشؤون الصينية، إن فترة رئاسة ديفيد كاميرون للحكومة البريطانية، التي شهدت ما عُرف بـ"العصر الذهبي" للعلاقات الصينية – البريطانية، سهّلت على الصين إغراء الساسة ورجال الأعمال البريطانيين، واصفًا ما سُمي بـ"العصر الذهبي"، بأنه "خطأ ذهبي".

وأضاف ثورلي أن قضايا التجسس دقت ناقوس الخطر بشأن الأنشطة الصينية، لكنه أشار إلى أنها ليس سوى جزء صغير من الجهود التي تبذلها الصين للحصول على النفوذ والمعلومات في أوروبا. ولفت إلى أن الأمر الأكثر أهمية من التجسس التقليدي، هو: "استخدام الصين "لشبكة كامنة" من الأشخاص الذين لا يعملون بشكل مباشر في وزارة أمن الدولة".

وأشارت الصحيفة إلى أن كاميرون، الذي يشغل الآن منصب وزير الخارجية البريطاني، قد أصبح منتقدًا صريحًا للصين. فخلال زيارته إلى واشنطن، في كانون الأول/ديسمبر الفائت، قال إن هناك الكثير من الحقائق التي تغيّرت، معلنًا أن الصين أصبحت: "تحديًا يحدد عصرًا".

ويعكس تحوّل موقف كاميرون تحوّلًا أوسع نطاقًا يشمل معظم أنحاء أوروبا في المواقف تجاه الصين، التي اعتمدت منذ فترة طويلة على الدول الأوروبية، سيما ألمانيا، للرد على ما تصفه بأنه "ضجيج مناهض للصين" مصدره واشنطن.

وكان جهاز الأمن الألماني قد حذّر بدوره من الصين في منذ عام 2022. وحذّرت وكالة الاستخبارات الداخلية الألمانية، العام الماضي، من أن الصين كثّفت: "بشكل كبير جهودها للحصول على معلومات سياسية عالية الجودة والتأثير على عمليات صنع القرار في الخارج".

وخلال الأسبوع الحالي، قالت وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر: "نحن ندرك الخطر الكبير الذي يشكله التجسس الصيني على الأعمال والصناعة والعلوم"، وأضافت: "إننا ننظر عن كثب إلى هذه المخاطر والتهديدات وأصدرنا تحذيرات واضحة ورفعنا مستوى الوعي حتى يتم زيادة إجراءات الحماية في كل مكان".

لكن الصين رفضت هذه الاتهامات، ووصفتها وزارة الخارجية بأنها: "افتراء وتشويه ضد الصين" لا أساس لها من الصحة، مطالبةً ألمانيا: "بالتوقف عن الضجيج الخبيث"، وكذلك: "وقف الأعمال الدرامية السياسية المناهضة للصين".