28-سبتمبر-2024
اغتيال نصر الله

صورة أرشيفية لطفلين يحملان صورة لأمين عام "حزب الله" حسن نصر الله في فعالية (رويترز)

يعيد اغتيال، حسن نصر الله، تشكيل المشهد السياسي والعسكري في المنطقة بطرق متعددة، ويشكّل نقطة تحول رئيسية في استراتيجية "إسرائيل" للتعامل مع "حزب الله"، حيثُ يترك الاغتيال تأثيرًا كبيرًا على المحور الإيراني، ويدفع "حزب الله" لمواجهة تحديات كبرى قد تؤدي إلى تراجعه أو حتى تفككه.

ستكون المرحلة المقبلة مليئة بالتصعيد وعدم اليقين، حيث ستحاول كل الأطراف إعادة تموضعها لتحقيق مكاسب في هذا السياق الجديد؛ إذ إن إيران و"حزب الله" يواجهان ضغوطًا هائلة للحفاظ على مكانتهما، بينما تسعى "إسرائيل" وحلفاؤها الغربيون للاستفادة من هذا الوضع لتعزيز الاستقرار وتقليل نفوذ خصومهم.

يبدو مستقبل "حزب الله" محفوفًا بالتحديات المتعددة الأبعاد، خاصة فيما يتعلق بالقيادة الجديدة، وقدرة الحزب على الحفاظ على تماسكه وهيكله التنظيمي في ظل تداعيات الوضع الإقليمي. اغتيال، حسن نصر الله، كان ضربة قوية لـ"حزب الله" ومحور المقاومة، حيث أدى إلى فقدان قائد كارزمي ورمز قيادي يصعب تعويضه، مما يهدد تماسك الحزب واستمرار دعمه الشعبي. 

يبدو مستقبل "حزب الله" محفوفًا بالتحديات المتعددة الأبعاد، خاصة فيما يتعلق بالقيادة الجديدة، وقدرة الحزب على الحفاظ على تماسكه

كما أن تداعيات اغتيال نصر الله تمتد إلى تراجع دور "حزب الله" الإقليمي، حيث يُحتمل أن يعاني الحزب من ضعف قدرته على التأثير والتنسيق مع الفصائل الحليفة، مثل "حماس" والحوثيين. بالإضافة إلى ذلك، تؤدي الضربات المتكررة إلى زعزعة الهيكل التنظيمي للحزب، وإثارة الشكوك بين كوادره، مما يساهم في انشقاقات محتملة وتراجع الانضباط.

من المرجح أن تلجأ إيران إلى زيادة تدخلها المباشر لتعويض خسارة نصر الله، مما يجعلها في موقف صعب يفرض إعادة تقييم استراتيجياتها في ظل الضغوط الدولية والعقوبات المتزايدة.

في السياق الإقليمي، قد تستغل "إسرائيل" الوضع الحالي لتحقيق أهدافها في إضعاف القدرات العسكرية لـ"حزب الله"، وربما محاولة التخلص من قيادته بشكل كامل. سيضع هذا التصعيد إيران في موقف صعب، حيث تواجه تحديات جديدة للحفاظ على نفوذها في المنطقة، مما قد يدفعها إلى تبني استراتيجيات تعويضية، مثل زيادة الدعم لجماعات حليفة في اليمن والعراق؛ كما قد يتفاقم التوتر بين إيران و"إسرائيل" في ظل محاولات إيران الرد على خسائرها، مما يزيد من احتمالية حدوث تصعيد إقليمي.

لبنان أيضًا يواجه تبعات هذا الاغتيال، حيث يسهم تزايد الصراعات بين "حزب الله" و"إسرائيل" في تدهور الوضع الأمني، مما يفاقم من معاناة الشعب اللبناني الذي يواجه بالفعل أزمة اقتصادية خانقة. الفوضى السياسية والاقتصادية في لبنان تتزايد، مما يهدد استقرار البلاد ويجعل من الصعب الحفاظ على منطقة مستقرة في الجنوب.

من حيث الفرص والمخاطر، يمكن القول إن "إسرائيل" هي المستفيد الأكبر من اغتيال نصر الله، حيث يساهم ذلك في تقليص التهديدات العسكرية من "حزب الله"، ويعزز موقف "إسرائيل" كقوة ردع في المنطقة. وبالمثل، فإن الدول المطبّعة مع "إسرائيل" قد ترى في تراجع "حزب الله" فرصة لتعزيز تحالفاتها مع "إسرائيل"، وتوسيع التعاون الأمني والسياسي.

أما المتضررون فيأتي "حزب الله" على رأسهم، إذ يواجه تراجعًا كبيرًا في تأثيره الإقليمي، وهو الأمر الذي ينعكس أيضًا على إيران التي تفقد حليفًا استراتيجيًا قويًا، مما يقلل من نفوذها في المنطقة. وبالنسبة للبنان، فإن الشعب اللبناني يتحمل العبء الأكبر من تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية نتيجة للغارات الإسرائيلية المتكررة.

التوازن الإقليمي أيضًا يشهد إعادة ترتيب في ظل تراجع نفوذ "حزب الله" وإيران، مما يفتح المجال أمام دول مثل السعودية والإمارات لتعزيز مواقفها وتطوير تحالفاتها مع "إسرائيل"، وهو ما قد يؤدي إلى تغيير في موازين القوى. تركيا وروسيا قد تجدان في تراجع النفوذ الإيراني فرصة لتعزيز أدوارهما، خاصة في سوريا ولبنان.

أما إيران فتواجه تحديات كبيرة في الحفاظ على نفوذها بعد الاغتيال، وزيادة الضغوط الدولية والعقوبات الاقتصادية. هذا يجعل القيادة الإيرانية أمام تحدٍ جديد لإعادة تقييم استراتيجياتها والتركيز على تقوية تحالفاتها الإقليمية المتبقية.

سيواجه "حزب الله" مستقبلًا غامضًا، إذا لم ينجح في إدارة مرحلة ما بعد نصر الله بفعالية. التحدي الأكبر يكمن في إيجاد قيادة جديدة تستطيع توحيد الصفوف في ظل الانقسامات السياسية والضغوط الداخلية المتزايدة في لبنان.

في الخلاصة، يمثل اغتيال حسن نصر الله نقطة تحول كبرى في استراتيجية "إسرائيل" للتعامل مع "حزب الله"، ويتجاوز تأثيره حدود لبنان ليشمل المنطقة، بحيث إنه سيعيد تشكيل المشهد الإقليمي. ورغم أن "إسرائيل" قد تزيد من نفوذها في المنطقة نتيجة هذه التحولات، إلا أن السيطرة المطلقة تبدو بعيدة المنال.

لا يزال الدعم الشعبي للقضية الفلسطينية قويًا وفاعلًا في العالم العربي والإسلامي، مما يحد من قدرة "إسرائيل" على فرض سياساتها بدون مواجهة معارضة شعبية واسعة. كما أن الوضع الداخلي في "إسرائيل" نفسها يمثل تحديًا، حيث إن الأزمات السياسية والانقسامات الداخلية، سواء بشأن قضايا الإصلاح القضائي أو التوترات الاجتماعية، تؤثر بشكل مباشر على قدرة "إسرائيل" على الحفاظ على استقرار استراتيجي طويل المدى.

على الرغم من أن "إسرائيل" تمتلك الدعم الكامل من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، إلا أن هذا الدعم ليس بلا حدود. التحولات في السياسات الأمريكية الداخلية، بالإضافة إلى المنافسة الدولية المتزايدة من قوى مثل الصين وروسيا، قد تحد من مدى هذا الدعم في المستقبل، مما يؤثر على قدرة "إسرائيل" على فرض هيمنتها في المنطقة بمفردها.

رغم المكاسب الإسرائيلية الأخيرة، تبقى السيطرة المطلقة بعيدة بسبب تعقيدات التوازنات الإقليمية، والدعم الشعبي للقضية الفلسطينية، والتحديات الداخلية في "إسرائيل"، إلى جانب عدم ضمان استمرارية الدعم الدولي.