المشهد في وزارة البيئة اللبنانية يذكّر بفيلم "الإرهاب والكباب"، بطولة عادل إمام ويسرا، وإخراج شريف عرفة، الذي تدور أحداثه في "مجمع التحرير" في مصر، حيث يتوجه أحمد/ عادل إمام لنقل طفليه من مدرسة إلى مدرسة أخرى. يصطدم هناك بعقبات الروتين. وتتطور الأحداث ليجد نفسه فجأة يحمل سلاحًا يشهره وسط المواطنين. يتخذ بعض الرهائن وينضم إليه بعض الموجودين وسرعان ما تأتي قوات الشرطة لتحاصر المكان، وتتم المفاوضات بوجود وزير الداخلية الذي يتابع الموقف، ليفاجأ بعد المفاوضات أن أبرز مطالب الخاطفين والمخطوفين على السواء هي الكباب والكفتة!
احتل المتظاهرون اللبنانيون مكاتب وزارة البيئة ويطالبون باستقالة الوزير
يهتف الجميع "الكباب الكباب يا نخلي عيشتكم هباب". الطعام، أبسط الحقوق، هو أبرز المطالب، في مصر حسني مبارك آنذاك، التي كانت تواجه أي مطلب معيشي بتهمة الإرهاب. الأمر يتكرر اليوم في لبنان، في مشهد حقيقي. مواطنون من حملة "طلعت ريحتكم" يحتلون وزارة البيئة. المبنى شبيه بالدائرة الرسمية في الفيلم. الصور الآتية من وزارة البيئة تشبه تلك التي شاهدناها في "الإرهاب والكباب"، مواطنون يرفعون أعلامًا من شرفات وزارة البيئة، آخرون يفترشون الممرات في الوزارة، ويهتفون "ليلة عيد ليلة عيد الليلة ليلة عيد هيدا مجلس زبالة مجلس التمديد"، في إشارة إلى مجلس النواب الممدد لنفسه. مطالبهم متشابهة. بدل الكباب، يطالب الناس في لبنان بإزالة النفايات من الشوارع، وباستقالة وزير البيئة محمد المشنوق. الدولة ترد باتهام المتظاهرين والمعتصمين بأنهم مندسون ومشاغبون، وتستدعي القوى الأمنية لضربهم وإخراجهم من وزارة البيئة بالقوة. غباء السلطة يتشابه بين الفيلم والواقع. تعجز الدولة عن التواصل مع ناسها، وتصمّ آذانها عن سماع مطالبهم. والناس لا تريد إلا أبسط مطالبها "لقمة عيش نظيفة وشوارع نظيفة وسياسيون نظيفون".
لدى التيار العوني محاكم تفتيش رصينة لضبط النشطاء بتهمة الإلحاد، كتلك التي تتهمهم بالعمالة للشيطان الأكبر
في "الإرهاب والكباب"، يخرج الخاطفون والمخطوفون، وكلهم مواطنون) سويًا من المبنى في نهاية الفيلم. وتدخل الشرطة لتجد المبنى خالٍ تمامًا، ولا تتعرف على "الإرهابيين" المفترضين. بمعنى آخر، الناس جميعًا إرهابيون في منطق السلطة. كل من يطالب بحقه إرهابي، وخائن، وتحركه أجهزة وأحزاب ويتلقى الأموال من "النفط والغاز". كل مطالب بحقه، تشيطنه السلطة، وتجعله إما إرهابيًا متشددًا وإما كافرًا زنديقًا، كما حدث مع أحد أعضاء حملة "طلعت ريحتكم" أسعد ذبيان الذي اتهمه النائب نبيل نقولا من التيار الوطني الحر بأنه يتعرض للأديان ورفع عليه دعوى قضائية بعد أن نبش له من صفحته في فيسبوك تعليقات تعود لسنين مضت ينتقد فيها بعض السلوكيات الدينية المسيحية، فيما الخطاب الطائفي العوني ظل في ذروته في السنوات الماضية لشدّ العصب المسيحي وشحن الناس طائفيًا، لإبقائهم في الحظيرة العونية التي تدعي تمثيل النسبة الأعلى من المسيحيين. وفي سياق مواز، أطلق الإعلامي شارل جبور، غير المعروف بالنسبة إلى كثيرين، تصريحات طائفية، داعيًا اللذين هم من مذهب الوزير للدفاع عنه، في تحريضٍ طائفي لا يقل سوءًا عن التحريض العوني.
لكن حراك المجتمع المدني والمجموعات الشبابية، كشف أن قدرتهم على الحشد تفوق بأشواط قدرة العونيين الهزيلة، وقدرة الطائفي الذي دعا إلى دفاع مذهبي عن السلطة. وهذا ما جعل النواب العونيين يفقدون صوابهم، ويتهمون المنظمين بالكفر والإلحاد. هي قصة الإرهاب والكباب نفسها. حتى كتابة هذه السطور، كان وزير البيئة محمد المشنوق لا يزال في مكتبه بحماية القوى الأمنية، والمواطنون يحتلون ممرات الوزارة ويطالبونه بالاستقالة. لا بأس بأن يضيف المتظاهرون من حملة "طلعت ريحتكم" مطلبًا آخر إلى مطالبهم، خصوصاً مع حلول موعد الغداء "الكباب الكباب يا نخلي عيشتكم هباب"...