لا يعتبر التّقرير الذي نشره مركز العلوم والأمن الدولي، عن إعفاءات سرّية من أمريكا ودول الخمسة زائد واحد لإيران عقب الاتفاق النّووي صادمًا. المفاوضات استغرقت سنوات، ولم تقتصر على الجانب التّقني فقط، بل تعدّته للتفاوض السّياسي بين أمريكا وإيران بالدّرجة الأولى، ومجموعة الخمسة زائد واحد بالدّرجة الثّانية.
مواقف خامنئي التّصعيدية اليوم، والتّصعيد الخطابي ضدّ أمريكا، ليست إلا محاولة لقطع الطّريق على روحاني كي لا يكسب ولايةً رئاسيةً ثانية
مما يعني أن الاتفاق لا يمكن أن يبقى سرّيًا في ظل وجود عدّة أطرافٍ مشاركة، الأمريكيون والإيرانيون تفاوضوا بكثافة وبشكلٍ سرّي قبل عقد الاتفاق، وفور إعلانه، أفرجت أمريكا عن 18 معتقلًا إيرانيًا وأعادتهم لوطنهم، ولا يمكن اعتبار الإفراج عنهم صدفة أو حدثًا عابرًا.
اقرأ/ي أيضًا: مأزق الخليج في مصر
تستطيع إيران اليوم، الحصول على كميات من اليورانيوم غير المخصّب، وعلى كمية تصل لـ 300 كغم من مخزون اليورانيوم المخصّب في ظل ظروف معينة. حيث أعطت اللجنة لإيران إعفاءً على مفاعل UF6 (سادس فلوريد اليورانيوم وهو المادة المغذية لجهاز للطرد المركزي) على شكل نفايات منخفضة التّأثير. ويُعدّ هذا انتهاكًا طفيفًا للاتفاق العلني، على الرغم من أن التقرير أشار إلى أن الكمية المُتفق عليها من هذه المواد غير معروفة.
التّعاون بين أمريكا وإيران مطبّق وجارٍ تنفيذه. والتّعاون ليس محصورًا فقط في الاتفاق النّووي، بل يتعداه للساحتين السّورية والعراقية، حيث يتعاون وينسق الجانبان أيضًا.
إيران حصلت على المهم من العلوم النّووية، وتملك الخبرات العلمية والبشرية القادرة على صيانة الملف النّووي لفترة طويلة، فإيران تريد أن تصبح دولة منتجة للصناعات النّووية وبيعها، وهي تبيع المياه الثّقيلة اليوم من قاعدة آراك، وستبيع الإنتاج النّووي المخصب بدرجة 20%، وقد تصبح مصدّرة للمواد النّووية منخفضة التّخصيب، الحديث عن صناعتها قنبلة هو حديث تقني، فالإيرانيون أتقنوا العلوم النّووية، وإنتاج القنبلة في حال أرادوا لن يستغرق عامًا واحدًا بل أقل.
اقرأ/ي أيضًا: لماذا دخلت تركيا إلى الحرب السورية
المشكلة الأساسية للمجتمع الدّولي مع إيران هي أنّها تتابع سياستها بالتّدخل بالمناطق المجاورة، كسوريا والعراق واليمن. الاتفاق النّووي لم يغيّر شيئًا من دورها، فأمريكا بحاجة لإيران لأنها دولة إقليمية، وأثبتت إيران أنها مستعدة لدفع أي ثمن بشري ومادي وتتحرك بدورٍ سلبي لفرض شروطها على الولايات المتحدة وغيرها، بذلك، لا يمكن عقد أي تسوية اليوم دون التّفاهم مع إيران.
لم ينجح ترامب في استغلال الاتفاق لمهاجمة كلينتون، لأن مسؤولية الاتفاقات الموقّعة مع الخارج للإدارة الأمريكية لا للحزب الدّيمقراطي، وما يجري اليوم هو إمرارٌ للوقت بانتظار الانتخابات الرّئاسية الأمريكية وما سينجم عنها، وأوروبا اليوم ليست بعيدة عن الاتفاق، فهي تريد تحقيق مكاسب اقتصادية على الصّعد كافة، لا سيما القطاع المصرفي وبيع الطّائرات.
أوروبا، أو الدّول الممثلة بالاتفاق النّووي مع إيران، تحاول التّوثيق بين حاجاتها الاقتصادية ومواقفها السّياسية، مع أن الاتحاد الأوروبي اليوم ضعيفٌ بعد خروج بريطانيا منه، الصّراع الاقتصادي المبني على المصالح بين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية سيُحسم لصالح الأمريكي، لأن الأوروبي ضعيف، والرّوسي ماضٍ باقتحامه المنطقة عسكريًا واقتصاديًا، وبالتّالي بسط نفوذه، فعوامل الصّدام وكثرة المصالح ليست كافيةً بالنّسبة للأوروبي، بل يعتبر التنسيق مع جميع الأطراف أولوية.
مواقف خامنئي التّصعيدية اليوم، والتّصعيد الخطابي ضدّ أمريكا، من قبله أو من قبل قادة الحرس الثّوري الإيراني ليست إلا مادّة في البازار الانتخابي الدّاخلي، ومحاولة قطع الطّريق على روحاني كي لا يكسب ولايةً رئاسيةً ثانية، الهجوم الكلامي على أمريكا يقابله تنسيقٌ وتعاونٌ سياسي وميداني في العراق وسوريا، إيران تعتمد براغماتية معقّدة في سياستها، وخطابين، خطابٌ موجّه للداخل، وخطاب موجّه للخارج، واليوم يتمّ استثمار الخطاب التّصعيدي لضرب المعتدلين الإصلاحيين في إيران.
بينما تمضي في تنسيقها مع أمريكا والغرب في الميادين، تصعّد إيران عسكريًا حربها ضدّ السّعودية، وظهر ذلك جليًّا في اليمن، بالإعلان عن صاروخ "بركان 1" المعدّل البالستي، وإيران ستواصل تصعيدها، كما ستفعل روسيا والسّعودية وأمريكا، تمهيدًا لأي تسوية قد تتم في المنطقة.
اقرأ/ي أيضًا: