هاجمت "إسرائيل" اجتماعًا لقادة "حزب الله" في مجمع القائم بالضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، الجمعة الماضي، وجاء هذا الهجوم الذي أدى إلى اغتيال قادة وحدة النخبة "قوات الرضوان"، في أعقاب تفجير آلاف أجهزة النداء "البيجر" والاتصال اللاسلكية "أيكوم" المحشوة بالمتفجرات، قبل نحو ثلاثة أيام.
وتباهى الجيش الإسرائيلي بـ"الضربات الدقيقة" في "قلب معقل حزب الله في بيروت"، فيما استحضرت اللغة الإعلامية الإسرائيلية عملية "ضد مجمع عسكري محمي جيدًا"، مبنى من نوع وزارة الخارجية الأميركية "البنتاغون"، لكن في واقع الأمر، كانت هذه ضربة هائلة دمرت مبنى سكنيًا بالكامل، وأدت إلى اغتيال قادة "حزب الله"، بقدر ما أدت إلى استشهاد عدد لا يحصى من العائلات داخل المبنى، وفقًا لموقع "ذا إنترسبت" الأميركي.
وسائل الإعلام الأميركية الغربية تكرر البروباغندا الإسرائيلية
يقول الموقع الأميركي، إنه في كل مرة تقريبًا تظهر فيها أنباء من جنوب بيروت، تردد وسائل الإعلام الأميركية والغربية لغة الجيش الإسرائيلي والبروباغندا الخاصة به، وكأن "معقل حزب الله" جزء من اسم الحي بشكل رسمي. وقد يشير المدافعون عن هذا النوع من اللغة المضللة إلى استخدام "المعاقل" لوصف قواعد الدعم للحزب الديمقراطي أو حزب العمال البريطاني، ولكن هذه استخدامات في سياق غربي، وهو استخدام لا يختلط على أحد.
في كل مرة تقريبًا تظهر فيها أنباء من جنوب بيروت، تردد وسائل الإعلام الأميركية والغربية لغة الجيش الإسرائيلي والبروباغاندا الخاصة به
وبحسب "ذا إنترسبت"، في لبنان، تبدو الدلالات واضحة، وهي تخدم المصالح الإسرائيلية بشكل مباشر، إذ إن تحويل جنوب بيروت، المعروف باسم الضاحية الجنوبية، إلى معقل عسكري، يمنح "إسرائيل" الإذن باستخدام القوة الهائلة التي تشمل استهداف البنية الأساسية المدنية كجزء من هجومها الرئيسي، والهدف الإسرائيلي المعلن هو "ردع أي هجمات مستقبلية من خلال ضرب القاعدة الأكثر تركيزًا لدعم حزب الله". وتجعل "إسرائيل" المدنيين الأبرياء يدفعون ثمن أي نشاط لـ"حزب الله".
ويوضح الموقع الأميركي، أن هذه الاستراتيجية تحمل مسمى: "عقيدة الضاحية"، الذي صاغته "إسرائيل" بعد أن كادت أن تدمر جنوب بيروت في حربها مع "حزب الله" عام 2006، وقد أصبح هذا المبدأ هو أسلوب العمل الذي تنتهجه إسرائيل في الحروب المستقبلية، وخريطة الطريق لتدمير قطاع غزة بالكامل اليوم.
والآن، ومع تصاعد الهجمات الإسرائيلية على لبنان بسرعة، فإن "عقيدة الضاحية" تعود إلى الظهور مجددًا، مبررة ذلك باللغة الدعائية الإسرائيلية التي تصف المنطقة بأنها "معقل للإرهابيين"، وفقًا لـ"ذا إنترسبت".
"عقيدة الضاحية"
الضاحية عبارة عن مجموعة من الأحياء ذات الأغلبية الشيعية المسلمة الواقعة جنوب مدينة بيروت، حيث يعيش مئات الآلاف من السكان، وهي أكثر كثافة سكانية بكثير من العاصمة نفسها، ويوجد داخل الضاحية عدة مخيمات للاجئين الفلسطينيين وغيرهم من المجموعات، وهي أكثر كثافة سكانية من البلديات الحضرية المحيطة بها، وفقًا للموقع ذاته.
وبحسب "ذا إنترسبت"، في الثمانينيات خلال الحرب الأهلية التي استمرت لـ15 عامًا في البلاد، تعرضت المنطقة "لمذابح على يد أعضاء الميليشيات المسيحية اللبنانية اليمينية المدعومة من إسرائيل"، ثم عانت الضاحية من القتل الجماعي، مرة أخرى، في عام 2006 عندما تعرضت لقصف إسرائيلي مكثف خلال حرب تموز/يوليو بين "إسرائيل" و"حزب الله".
ويشير الموقع ذاته إلى أن "حزب الله" يحظى بدعم كبير في المنطقة، وله جناحان: عسكري ومدني، وهو حزب له نصيب مع مؤسسات الدولة، ويخوض الانتخابات مثل أي حزب سياسي آخر في لبنان، وتضيف أن "المشي في الضاحية، وخاصة في هذه الأيام، يتطلب أن تكون أعمى حتى لا تفوتك صورة تلو الأخرى لمقاتلي حزب الله الذين قضوا نحبهم، أو صور الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله".
This is the same framing that Israel has used (and the media parrots) to justify the slaughter in Gaza. Indiscriminate bombing that kills hundreds and injures over a thousand people in one day is not a targeted attack.
Israel isn’t “striking Hezbollah” they are bombing Lebanon. pic.twitter.com/22ZhRrtXMQ
— Assal Rad (@AssalRad) September 23, 2024
ورغم أن مسمى "عقيدة الضاحية" جاء بعد عام 2006، إلا إن المسؤولين العسكريين الإسرائيليين تحدثوا بصراحة عن نهجهم في الضاحية، وأعلنوا عن سياسة صريحة في نيتهم عدم التمييز بين البنية التحتية المدنية والعسكرية، بحسب ما يقول "ذا إنترسبت".
وينقل تقرير الموقع الأميركي، أن الجنرال الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، الذي ساعد في صياغة "عقيدة الضاحية"، أوضح في مقابلة أُجريت معه عام 2008، أن استراتجية الهجمات كانت ضد البنية التحتية المدنية في لبنان، وليس التأثير غير المقصود خلال القصف.
وقال: "ما حدث في الضاحية الجنوبية في بيروت عام 2006 سوف يحدث في كل قرية يتم إطلاق النار منها على إسرائيل. وسوف نستخدم القوة غير المتناسبة على القرية، ونسبب أضرارًا ودمارًا كبيرين هناك. ومن وجهة نظرنا، هذه ليست قرى مدنية، بل هي قواعد عسكرية"، وأضاف "هذه ليست توصية، هذه خطة إسرائيل، وقد تمت الموافقة عليها".
وتعليقًا على كلام آيزنكوت، يقول "ذا إنترسبت"، بالنسبة لـ"إسرائيل"، أرواح اللبنانيين يمكن التضحية بها في الحرب ضد "حزب الله"، بكل بساطة، وقد أصبحت تداعيات هذا التحول الصريح أكثر وضوحًا في قطاع غزة.
"غزة قاعدة لحماس"
يقول "ذا إنترسبت"، منذ أشهر، شهدنا تقريرًا تلو الآخر للإعلام الغربي، يعلن أن "كل شيء تقريبًا في قطاع غزة هو قاعدة لحماس. مكان لإيواء إرهابيي حماس، ومركز قيادة لحماس"، ويضيف أنه حتى المساجد والمستشفيات والمدارس كلها كانت أهداف واضحة للجيش الإسرائيلي، وغالبًا ما يتم ربطها بـ"حماس".
ووفقًا للموقع الأميركي، لقد سارت وسائل الإعلام الأميركية والغربية السائدة على هذا النهج الإسرائيلي، فأرست الأساس لتدمير أماكن، مثل "مستشفى الشفاء"، في غزة، دون ضجة كبيرة، وفي لبنان تستخدم "إسرائيل" مبدأ "عقيدة الضاحية" أيضًا، إذ إن أي شيء يمس "حزب الله" يصبح تلقائيًا هدفًا عسكريًا على أوسع نطاق ممكن.
لكن وسائل الإعلام الأميركية والغربية لن تتسامح مطلقًا مع هذا النوع من اللغة المستخدمة ضد الإسرائيليين، ولن تقبل أي وسيلة إعلامية على الإطلاق بجدية الحجة القائلة بأن "القوات الإسرائيلية تستخدم دروعًا بشرية من خلال إقامة مقرها في وسط مدينة تل أبيب"، كما يقول الموقع الأميركي.
الاحتلال يفرض رقابة صارمة على إعلامه بخصوص الخسائر للحفاظ على معنويات الإسرائيليين وممارسة الحرب النفسية كأحد عناصر الحرب، بحسب وكالة الأناضول. اقرأ أكثر: https://t.co/cxznjpl8us pic.twitter.com/sxCVGoCVMK
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) September 27, 2024
ويعيد "ذا إنترسبت" التذكير، بأن الجيش الإسرائيلي رد على غارة بطائرة مسيّرة يمنية في "تل أبيب" برسم توضيحي للمنطقة يظهر قربها من البنية التحتية المدنية المهمة، واستنكر تهورها، على ما يبدو دون أن يشعر بأي سخرية من نفسه.
وتعليقًا على ذلك، يقول الموقع الأميركي، إن "هدف هذه اللغة واضح: محو وجود هذه الأماكن والمدن والبلدات والأحياء مثل الضاحية باعتبارها مراكز سكانية نابضة بالحياة، ذات تعقيدات سياسية مثل العديد من الأماكن الأخرى، ولكنها في المقام الأول موطن لملايين الأشخاص الذين يعيشون حياتهم اليومية".
ويضيف "ذا إنترسبت" قائلًا، ما دام هؤلاء الناس موجودين خارج نطاق النفوذ الأميركي والإسرائيلي، وبالتالي يمكن الاستغناء عنها، باعتبارها "أضرارًا جانبية" على نحو لا يتسامح معه الأميركيون والإسرائيليون أبدًا، ولا تُعطى حياتهم أي أهمية إلا عندما يمكن استخدامها كأداة ضد الجماعات التي يعارضها الغرب، وعندما يرفضون الانصياع، يتم نسيانهم بنفس السرعة.