آدم...
الليل يطول وأنا أقف بشرفة غرفة العزلة أرنو إلى السماء، عمّا تراني أبحث؟
الليلة صيفية غير مقمرة ونجوم الأفق تلتهب، نسمة بحرية سربها الشمال إلى جسد الجنوب القاحل، أغتنم سخاءه وأغمض عينيّ لتمتصها رئتيّ بتلذذ. قد لا تتكرر نسماته كل ليالي الصيف القائظ!
ليلة الإيغوانا ...أذكر تينسي ويليامز وليلة الإيغوانا المقيدة، المعذبة حتى يحل الفجر.
هناك في البلاد الحارة البعيدة طقوس غريبة تحملها ليلة صيف واحدة يُقيّد فيها الحيوان ويتسلى الناس بتعذيبه حتى الموت.
هناك في بلاد غير بعيدة، طقس آخر، يأتي مرة في السنة، يدعى الكوريدا...
إيغواناته ثيران.
وهناك في بلاد قريبة قريبة إيغوانات قردة عراة من سلالة البشر على مدى العمر مقيّدة تنتظر ساعة خلاص... ساعة فجر!!
وما زلت أنتظر، مع أن الليلة ليست مقمرة إلاّ أنها مضيئة.
نجوم تتهاوى من السموات العلا كأنني أراها تلك الشياطين تتسلق عنق السماء.
تتسابق في اقتناص أخبار الكون وأسراره، كأنني أراها تُرجم من قِبل ملائكة حارسين.
ومع ذلك تشدني الخرافة وأُخرج من جوفي أمنية، أغمضُ عينيّ كما في الأفلام وأشكّل جملة بسيطة أقذفها في رحم الكون مربوطة بنجمة تموت، علّها تلقّح لي من عوالم الزوال أخبارًا عن آدم:
"يا أيتها النجمة الزائلة.. احملي معك خيباتي واعيديني لآدم "
آدم ..
مالي أراك تبتعد؟
ما لي أتحول إلى إيغوانا تتخبط بين أوهام بعمرِ خلقك
مالي أراها تتعذب؟
ما أجهلك يا آدم! ما أضيقك يا آدم!
حتى هذا الانتظار سجن ولقد رأيتني أدور في فلكك وأعيش في مدارك
وأضبط عمري بتوقيتك.
صرت بارعة في الحساب، الطرح والإضافة، خائبة في القسمة والضرب.
أضيف إلى دورتي خيبات.
وأطرح من عمري سعادات.
أضيف إليك أناك وأطرح مني نفسي. أقسمني على ضلعاتك، أضربني بكذباتك
لــ: يظلّ الواحد واحد، إن قسمته على نفسه أو ضربته في نفسه يبقى واحد".
*
البرد يا آدم والليل طويل وكل حساباتي/أحلامي خائبة، كما تلك النجمات الزائلة، أرجم بها شياطين تشوش أمنياتي لكنها تؤول دائما الى عالم من ضباب.
ما أبرد العالم يا آدم...
ولم يستكمل خلقك بعد. فهل يحدث؟ هل حقا سيحدث؟
بالشرفة نسمات برد وأوصالي ترتعش وقميص نومي لا يؤمن لي الدفء.
نستعيض بأثواب على الدفء وأطياف على الوحدة وأوهام من خلق!
فهل وأنا أسوّيك أبحث عن نهايتي؟
هل سأتحول حتمًا إلى إيغوانا تنتظر الخلاص ساعة فجر؟
لكم يعذبني احتمال فقدك..
كثيرًا ما أتعمد تصور فقدك قبل خلقك. مازوخية بطبعي؟ لا أعلم.
كثيرًا ما نحكم قبضتنا على أنفسنا بأيدينا، بآمالنا الموبوءة.
فنتحول الى إيغوانات غبيّة تصارع ليلا صنعته غربة وتصارع قيدًا صنعه حلم، وتبحث عن ساعة انعتاق/ موت/ انتحار.
ما زال الليل يخرب في كرش الكون، وما زلت لا أصدق أنك قبل المجيء سترحل.
هذه النجوم الآفلة وتلك الإيغوانا وأنا وأنت كائنات من وهم.
لأنك ستريد روحك.. أعلم.. وسأريد روحي أيضًا.
كلنا إيغوانات معذبة في ليلة عمر..
كلنا إيغوانات مقيّدة تنتظر.
اقرأ/ي أيضًا: