تفاعل المستوطنون في الضفة الغربية بنوع من السخرية مع الأمر التنفيذي الذي وقعه الرئيس الأمريكي جو بايدن، بداية الشهر الجاري، وفرض بموجبه عقوبات على أربعة من المستوطنين الذين "يقوضون السلام والأمن والاستقرار" في الضفة الغربية.
ونشر محرر في موقع يميني متطرف شهير رسمًا كاريكاتوريًا لراعي يهودي في الضفة الغربية، وكتب تحته تعليقًا ساخرًا: "ماذا سأفعل الآن بجميع أصولي في نيويورك؟".
تشير مجلة "الإيكونومست" البريطانية، في تقرير لها، إلى أن هذه السخرية بدأت بالتلاشي عندما قامت البنوك الإسرائيلية بإيقاف حسابات المستوطنين الذين استهدفهم قرار العقوبات الأمريكي، على الرغم من تعهد وزير المالية الإسرائيلي بتسالئيل سموتريش، وهو مستوطن قومي متطرف، بمنع المؤسسات المالية من تنفيذ العقوبات، لكن سلطته في هذه المسألة يبدو أنها لا تُذكر.
وقال أحد كبار المصرفيين: "إذا كان أي شخص يعتقد أنه من أجل عدد قليل من حسابات المستوطنين أن البنوك الإسرائيلية ستعرض أصولها في النظام المالي العالمي الذي يسيطر عليه الأمريكيون للخطر، فإنهم واهمون".
قالت "الإيكونومست" إن المستوطنين اليهود في الضفة الغربية هم من بين أكبر العقبات التي تعترض خطط الولايات المتحدة "الطموحة" من أجل السلام
ووفقًا لـ"الإيكونومست"، فإنه بات من الواضح أن صبر بايدن - الذي يقول إنه صهيوني ونصّب نفسه داعمًا لإسرائيل بعد هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر - على الائتلاف المتطرف الذي يقوده نتنياهو بدأ يتآكل.
وقالت المجلة البريطانية إن المستوطنين اليهود في الضفة الغربية، قلب دولة الفلسطينية المستقبلية، هم من بين أكبر العقبات التي تعترض خطط الولايات المتحدة "الطموحة" من أجل السلام.
وحتى الآن، فإن العقوبات لم تطل سوى أربعة مستوطنين صغار إلى حد ما، متهمين بالعنف ضد الفلسطينيين. لكن صياغة الأمر الرئاسي لا تترك مجالًا للشك في أن الأرقام ستزيد، وستشمل مستقبلًا وزراء في حكومة نتنياهو.
بالنسبة لمسؤول إسرائيلي مشارك في محادثات مع الأمريكيين، فإن هذه العقوبات ليست سوى "طلقة تحذيرية، والهدف هو نتنياهو". إذ يبدو أن بايدن يحاول دق إسفين بين المستوطنين وباقي الإسرائيليين، تاركًا لنتنياهو خيارًا واحدًا: "إما التخلص من شركائه المتطرفين وإما الاستسلام لهم".
وبحسب المجلة، فإن عدد المستوطنين يكذب ثقلهم السياسي. فمن بين 10 ملايين إسرائيلي، يعيش حوالي 460،000 في الضفة الغربية - لا يشمل ذلك القدس الشرقية- ومعظمهم يقيم في مستوطنات بالقرب من حدود ما قبل عام 1967، حيث تم إغراؤهم بمساكن رخيصة. وفي أي اتفاق سلام قادم، من المفترض أن يتم استيعاب هذه الكتل الاستيطانية في "إسرائيل". بالمقابل، سيتم إجراء تبادل للأراضي الموجودة حاليًا داخل "إسرائيل" وأراضي الدولة الفلسطينية الجديدة.
وبحسب "الإيكونومست"، تبقى الإشكالية الأكبر هي المستوطنات الصغيرة المقامة في عمق الضفة الغربية،والتي سيتعين تفكيكها. ومعظم سكان هذه المستوطنات من المستوطنين المتدينين المتطرفين الذين يشكلون أقل من 2 % من سكان "إسرائيل"، ولكنهم يتمتعون بدعم واسع. وقد: "أبلت أحزاب التي تمثلهم بلاءً حسنًا في انتخابات عام 2022"، مما ساعد على إعادة انتخاب نتنياهو في منصب رئيس الحكومة.
ولفتت المجلة إلى أن نتنياهو يعتمد على أحزاب المستوطنين ليحافظ على أغلبيته، وتمت مكافأتهم بسخاء بإعطائهم خمس حقائب وزارية. وذكرت أن نفوذ المستوطنين كان واضحًا في 28 كانون الثاني/يناير عندما حضر 12 وزيرًا مؤتمرًا في القدس يدعو إلى إعادة بناء المستوطنات داخل قطاع غزة بعد الحرب.
وعلى الرغم من حديث نتنياهو عن أن ذلك "غير واقعي"، مدعيًا أن "إسرائيل" ليس لديها نية للقيام بذلك، لكنه لم يمنع وزراء حزب الليكود من حضور المؤتمر، حيث دعا المتحدثون إلى إعادة احتلال قطاع غزة وتهجير 2.3 مليون فلسطيني يعيشون هناك.
وحتى بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، يدعم ربع الإسرائيليين فقط مثل هذه الخطة، وفقًا لاستطلاع للرأي أجري في تشرين الثاني/نوفمبر. لكن ممثلي المستوطنين يحثون بالفعل العائلات على لاستقرار في هذه البؤر الاستيطانية الجديدة، وأثبتوا باستمرار أنهم قادرون على تحريك سياسة الحكومة في الضفة الغربية لصالحهم.
ولأكثر من نصف قرن، تحدى المستوطنون الحكومات الإسرائيلية، بما في ذلك اليمينية، من خلال بناء المستوطنات في عمق الضفة الغربية، والحصول في نهاية المطاف على دعم حكومي بأثر رجعي.
وقالت المجلة إن: "نتنياهو حاليًا يتخبط"، مشيرةً إلى استطلاعات الرأي الذي أوضحت أنه إذا تم إجراء الانتخابات قريبًا، فمن شبه المؤكد أن يفقد ائتلافه السلطة. ولكن. وبحسبها، فإن المستوطنين حتى وإن غابوا عن الحكومة سيظلون قوة سياسية، وعلى الأرض كذلك. إذ يخدم العديد منهم في الوحدات القتالية، ويشاركون بعدد كبير في القتال الدائر بغزة. وسيجادلون بأن: "تضحياتهم تتعرض للإهانة إذا كانت منازلهم في الضفة الغربية مهددة". وسيكون لهذا صدى لدى العديد من الإسرائيليين، حتى أولئك الذين ليسوا في معسكرهم السياسي.
وقياسًا على التجارب السابقة، سيحاول هؤلاء منع تقديم أي تنازلات للفلسطينيين حتى بالعنف. فقد قتل المستوطنون، الذين سلّحتهم الحكومة، ما لا يقل عن عشرة فلسطينيين العام الماضي، وفقًا لتقرير صادر عن "ييش دين"، وهي مجموعة حقوقية إسرائيلية.
وأشارت "الإيكونومست" في ختام تقريرها إلى أنه إذا كان هناك احتمال لقيام دولة فلسطينية، وأن تحظى الخطط الأمريكية للسلام بفرصة، فيجب مواجهة تهديد المستوطنين، لكن حكومة نتنياهو لا تُبدي أي اهتمام للقيام بذلك.