يبدأ التنافس الحزبي على الانتخابات البرلمانية الألمانية المرتقبة في أيلول/سبتمبر القادم، حيث يسعى كل حزب للفوز بأكبر نسبة من أصوات الجمهور، حتى يتمكن من تشكيل الحكومة الجديدة وفق أولوياته السياسية.
وتتضمن لائحة الأحزاب الألمانية المتوقع فوزها بأكبر عدد من الأصوات هذا العام، حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي (CDU)، الذي تتزعمه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي فازت بثلاث ولايات سابقة وتسعى للرابعة أنجيلا، واضعة ميزانية قدرها 20 مليون يورو للحملة الدعائية للحزب، الذي استخدم ألوان العلم الألماني في الملصقات الإعلانية تحت شعار "نحن بلد في وضع جيّد، ويمكننا أن نفتخر به"، وتمّ التركيز في الحملة على قضايا مثل الأمن والأسرة والعمل.
تتعدد الأحزاب المتنافسة على أكبر نسبة أصوات في الانتخابات الألمانية القادمة، ليفوز أحدها بتشكيل الحكومة الجديدة
هناك أيضًا حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي (CSU)، والذي يتحد مع حزب ميركل منذ الانتخابات السابقة تحت اسم "التحالف المسيحي". إلى جانب الحزب الديمقراطي الحر الذي كلّفته الحملة الدعائية أكثر من خمسة ملايين يورو، وبالاعتماد في الحملة على شخص واحد هو زعيم الحزب كريستيان ليندنر، الذي يظهر في محافل الحملة بلحيته الخفيفة، مرددًا شعار: "دعونا نفكر بشكل جديد!".
اقرأ/ي أيضًا: هجمات يمينية متصاعدة على السياسيين في ألمانيا
وقد سبق لهذا الحزب أنّ حقق أفضل نتيجة انتخابية في تاريخه، في انتخابات عام 2009، بحصوله على 14.6% من أصوات الناخبين، وأخرجت هذه النتيجة الحزب من مقاعد المعارضة بعد دخوله مع الحزب المسيحي الديمقراطي في الائتلاف الحاكم الحالي، الذي استطاعت ميركل الفوز من خلاله.
أيضًا هناك الحزب الاجتماعي الديمقراطي (SPD)، والذي يشارك في الائتلاف الحاكم أيضًا، ويُعتبر أقدم حزب سياسي في ألمانيا وأكثر الأحزاب معارضة في برلمانها رغم مشاركته في الائتلاف الحاكم. ويتواجد هذا الحزب بقوة في الانتخابات القادمة، عن طريق مرشحه المنافس لميركل، ورئيس الحزب، مارتن شولتس.
ومن المتوقع أن يتحالف الحزب الاجتماعي الديمقراطي مع حزب الخضر الألماني الذي بدوره يعتمد على العبارات التقليدية في تاريخه وذات الرمزية، ويعتبر وفيًا لقضايا مثل البيئة و الاندماج المجتمعي، وتستحوذ على كثيرٍ من اهتمامه. واضعًا زهرة عباد الشمس الصفراء على خلفية خضراء، رمزًا أساسيًا في كل الملصقات الانتخابية. هذا بخلاف أحزاب كالنازيين الأحرار والقراصنة وغيرهم، ممن يحصلون على القليل من الأصوات التي لا يمكنها التأثير بقوة على مسار الانتخابات.
اللاجئون.. أهم قضايا السباق الانتخابي
في أواخر عام 2014 وبداية 2015، كان تعداد اللاجئين والمهاجرين يزداد يومًا تلو الآخر، تحديدًا في أوروبا، فاستقبلت ألمانيا خلال تلك الفترة حوالي 890 ألف لاجئ، ثمّ قل العدد في 2016 إلى نحو 280 ألف لاجئ، ومع بداية 2017 حتى تموز/يوليو الماضي انخفض العدد إلى 83 ألف، إذ إنّه بداية من عام 2016، شددت ألمانيا مراقبة حدودها، وحدّت من استقبال اللاجئين، وبدأت ميركل تدريجيًا، وبضغط سياسي، بتقليص أعداد اللاجئين الذين بإمكانهم دخول ألمانيا، وزيادة الشروط الخاصة بذلك.
وعليه تُصبح قضية اللاجئين أحد أبرز القضايا المطروحة في ألمانيا التي تنتظر انتخابات تعتبر مصيرية في تاريخها. وعلى هذه القضية تتنافس الأحزاب ومرشحوها تنافسًا متباينًا، فمن جهة حزب ميركل، وبعد الانتقادات والضغوطات التي تعرض لها بسبب سياساته السابقة في فتح الطريق أمام اللاجئين؛ وعد الحزب بمزيد من التشديد على شروط استقبال اللاجئين.
تمثل قضية اللاجئين أبرز المطروح في السباق الانتخابي، وعليها تتنافس الأحزاب الألمانية بطرق مختلفة لكسب تأييد مزيد من الناخبين
في المقابل فإن الحزب الاجتماعي الديمقراطي، في محاولة لاستمالة أصوات المسلمين وذوي الأصول المهاجرة، أعلن أنّه سيخصص مزيدًا من الأموال للولايات الألمانية التي تستقبل أعدادًا أكبر من المهاجرين، كما اقترح تأمين شقق بأسعار مقبولة للاجئين، واعدًا بتسريع الموافقة على طلبات اللجوء إجمالًا. وقال الحزب إنّه "بدلًا من التضييق على اللاجئين، نريد مكافحة الأسباب التي تدفع إلى اللجوء"، مُؤكدًا على أنّه سيعمل على وقف عمليات ترحيل اللاجئين. وفي المقابل وعد الحزب بالسعي نحو إلغاء اتفاقية اللاجئين المبرمة بين بلاده والاتحاد الأوروبي من جهة وبين تركيا.
اقرأ/ي أيضًا: "أوروبا الجديدة" التي تكره اللاجئين
دفع هذا ميركل إلى التعهد بمزيدٍ من المخصصات المالية لمواجهة أزمة اللاجئين، كما أعلنت دعمها اقتراح مضاعفة أعداد اللاجئين الذين يمكن للاتحاد الأوروبي استقابلهم بصفة دائمة، من 20 ألف شخص إلى 40 ألف شخص، قائلةً إنّ "الاتحاد الأوروبي الذي يبلغ عدد سكانه 500 مليون شخص، يمكنه استقبال هذا العدد من اللاجئين، لتأتي تصريحاتها تلك رغمًا عن الوعود السابقة بالتشديد فيما يخص استقبال مزيدٍ من اللاجئين.
سيدة ألمانيا في مواجهة لاعب الكرة السابق
في انتخابات 2012 ، اعترف الحزب الديمقراطي الاجتماعي، على لسان زعيمه آنذاك، ورئيس ألمانيا الاتحادية حاليًا، فرانك فالتر شتاينماير، بالهزيمة أمام حزب ميركل، حين قال: "لا جدال حول الأمر، إنها هزيمة قاسية". فهل تتكرر الهزيمة هذه المرة أيضًا، أم أنّ مارتن شولتز، الزعيم الحالي للحزب الديمقراطي الاجتماعي، قادرًا على قيادة حزبه للفوز برئاسة الحكومة؟
وكما تركزت المنافسة بين حزب ميركل والحزب الديمقراطي الاجتماعي في 2012، فيبدو أنّها كذلك الآن أيضًا، مع فارق أنّ ألمانيا اليوم تشهد جدلًا سياسيًا كبيرًا فيما يخص قضية اللاجئين التي تسيطر بشكل كبير على المشهد السياسي، وتضع ميركل في موقف مُحرج، رغم ما استطاعت تحقيقه لبلادها على عدة مستويات، ليست أقلها تقليص نسب البطالة إلى أقل معدلاتها 3.80% بعد أن كان يقترب من 8% في 2010.
تواجه ميركل ضغوطًا كبيرة فيما يخص ملف اللاجئين، يستغلها ويلعب عليها زعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي مارتن شولتز
في المقابل، فإنّ مارتن شولتز، زعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي، الذي كان يحلم بأن يصبح لاعب كرة قدم لكنه فشل في تحقيق ذلك، يلعب الآن على وتر قضية اللاجئين من جهتين، الأولى انطلاقًا من مبادئ حزبه اليسارية، وهو الحزب صاحب العضوية الكاملة في الأممية الاشتراكية، ومن جهة التعريض بميركل وتصريحاتها وتصريحات حزبها حول القضية، في ظل ضغوطات كبيرة تواجهها على صعيد الداخلي والخارجي في محيط الاتحاد الأوروبي.
اقرأ/ي أيضًا: تعرف على الرجل الذي يمكنه أن يهزم ميركل
كما يُركّز شولتز في خطابه على الانتقاد القوي لليمين وسياساته، ولم يسلم من هذا الانتقاد بطبيعة الحال، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وقد تعهّد مرارًا بمواجهة "السياسات الشعبوية"، مُؤكدًا على تمسك حزبه بالاتحاد الأوروبي.
استطلاعات الرأي
تُشير استطلاعات الرأي الأولية، إلى احتمالية فقدان ميركل وحزبها للكثير من الأصوات في الانتخابات، لكن ذلك قد لا يعني الكثير بالنسبة للحزب الديمقراطي الاجتماعي وزعيمه مارتن شولتز، إذ رغم ذلك لا يزال حزب ميركل يحظى بالصدارة، فيما ارتفع رصيد الحزب الديمقراطي الاجتماعي نقطة واحدة فقط، لا يبدو أنّها ستُؤثّر كثيرًا في مجريات الأمور، إلا أن تشهد البلاد ما يدفع لتغيير كبير في فروق التأييد الشعبي بين الحزبين، وهو ما سنتابعه خلال الأسابيع القليلة القادمة.
اقرأ/ي أيضًا: