انطلقت قناة السعودية الثقافية قبل بضع أيام في عرض الحفلات الغنائية لأوّل مرّة في تاريخها، وكانت البداية بأم كلثوم، التي ربّما أمل ولي العهد والملك الفعلي محمد بن سلمان أن تغنّي له "بالّسلام وبالمجد"، وهو يرى نفسه يصعد رويدًا لعرش والده، غير أنه على الأرجح باغتته الأمم المتحدة بعنوان "إنما للصبر حدود"، وذلك بقرار إدراجها للتحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، على القائمة السّوداء، بسبب انتهاكاته ومنها قتل الأطفال وهدم المدارس والمستشفيات.
استكمالًا لهزائم ابن سلمان في اليمن، أدرجت الأمم المتحدة التحالف السعودي على القائمة السوداء بسبب انتهاكاته
وليتأكد بذلك استمرار معاناة ابن سلمان، فالحرب الذي أعلنها، وهو وزير الدّفاع، في آذار/مارس 2015 في اليمن، جعلت بلاده في مستنقع تسعى للخروج منه بحفظ ما تبقى من ماء الوجه، فلم تتحقّق أهداف التحالف، سواء على المستوى السياسي بإنهاء سلطة الانقلابيين في صنعاء، وطبعًا على المستوى العسكري بهزيمة صالح والحوثيين الذين باتت صواريخهم تتجوّل في الأجواء السعودية الجنوبية. ولعلّه للخروج من هذه الورطة يحاول ابن سلمان، ووفق ما كشف تسريبات في وقت سابق، وبتخطيط إماراتي، للتحالف مجدّدا مع علي عبدالله صالح، وإجهاض ما تبقّى من السقف الأدنى بأصله للعملية السياسية الناشئة بعد الثورة اليمنية.
اقرأ/ي أيضًا: مبادرة إماراتية وسعودية في اليمن.. صفقة "كارثية" على درب حرب لا نهاية لها
ويسعى ابن سلمان حاليًا للترويج لنفسه أمام أصدقائه الأمريكيين، وأمام العالم، بأنه فارس ليبرالي مغوار محارب للتطرّف، من باب دخول الفتيات للملاعب والسماح للمرأة بالقيادة وجواز حمل الفتيات لهاتف جوال في الجامعة، في سلسلة قرارات لازمة منذ أمد بعيد بالمنطق الاجتماعي المحض، بل وبمنطق السنة الطبيعية، لكنها لا تنبع في جوهرها من ركيزة إصلاحية بقدر ما هي أدوات للترويج لمشروع يتضح يومًا بعد يوم، أن عنوانه هو الارتهان للمشروع التخريبي الإماراتي، ووضع اليد في اليد دون قفازات مع الاحتلال الإسرائيلي، والتعامل بالحديد والنّار مع المعارضين، أو حتى المحايدين، على غرار حملة الاعتقالات التي طالت وجوهًا دعوية وإعلامية عديدة في السعودية.
فثنائية الترويج للإصلاح من جهة، وسجن من يُسمون بـ"الإصلاحيين"، تؤكد -سواء بالنسبة للداخل السعودي أو للخارج- أن الإجراءات الأخيرة هي ذرّ رماد في الأعين.
ماذا يعني الآن إدراج التحالف السودي على القائمة السوداء؟
في البداية، تضمّ هذه القائمة الدّول والمنظمات التي تتهمها الأمم المتحدة بانتهاك حقوق الأطفال، حيث وقعت هذه المرّة السعودية في الحفرة التي ذهبت إليها بنفسها، فرغم إفلاتها السنة الماضية من إدراج التحالف على القائمة بعد ضغوطات على الأمين العام الأممي السابق بان كي مون، بل وممارستها للابتزاز بالتهديد بوقف تمويل مؤسسات أممية، إلا أن استمرار ممارستها للانتهاكات أدى للدخول في النهاية إلى القائمة السوداء هذه السّنة، إذ لا ينفع دائمًا ممارسة الضغوطات السياسية والمالية لمنع نتيجة طبيعية بالضرورة.
يمثل إدراج التحالف السعودي في القائمة السوداء انتصارًا حقوقيًا ستدفع السعودية ثمنه من الصورة التي تحاول ترويجها لنفسها
ولطالما نادت المنظمات الحقوقية وعلى رأسها "هيومن رايتس ووتش" ومنظمة العفو الدّولية، منذ شهور طويلة، بتحرّك المجتمع الدولي لإيقاف نزيف انتهاكات التحالف السعودي في اليمن، ليمثل حاليًا إدراج التحالف في القائمة السوداء الأممية، انتصارًا حقوقيًا، ستدفع السعودية ثمنه من الصورة التي تحاولها ترويجها لنفسها إلى العالم، بأنها دولة تعطي الحقوق لمواطنيها، أو هكذا تحاول.
اقرأ/ي أيضًا: تقرير أممي: التحالف السعودي متورط في دماء أغلب الأطفال الضحايا باليمن
وصحيح أن القائمة السوداء لا تفرض بالضرورة عقوبات على الجهات المدرجة عليها، إلا أنها تُمثّل تشهيرًا لها قد يدفع جهات دولية وأممية أخرى من باب حفظ ماء الوجه، إلى إعادة النظر في علاقاتها وربما تحالفاتها مع الجهات المدرجة على القائمة، والتي من بينها التحالف السعودي المتورط في دماء أغلبية الأطفال الضحايا في اليمن من قتلى ومصابين، يُقدر عددهم خلال العام الماضي بـ683 مقابل 414 طفلًا ما بين قتيل ومصاب على يد الحوثيين ومليشيا علي عبدالله صالح، إضافة إلى أن التحالف تسبب في هدم ما لا يقل عن 38 مستشفى ومدرسة خلال نفس العام بغاراته الجوية.
تأزم الاقتصاد السعودي.. وتتوالى الانتكاسات
وفي سياق متصل، فالحرب السعودية في اليمن، وإضافة لعبئها السياسي والعسكري، باتت تمثل عبئًا على الاقتصاد الذي يعاني عجزًا، حيث تعرف سياسة الإنفاق في السعودية خللًا بحكم توجيهها للأمن والدفاع بسبب الحرب هناك، وذلك إضافة لصفقات الأسلحة الدورية مع حلفائها، وهو ما زاد بالتتابع في خلل الميزان الاقتصادي ليفوق العجز 50 مليار دولار. وتتعدّد الأرقاء الحمراء التي تلاحق ابن سلمان ورؤيته "السعودية 2030"، ومنها تراجع احتياط النقد الأجنبي بنسبة 20%، وارتفاع البطالة إلى نسبة 13%.
ولمواجهة هذا العجز، أعلنت السعودية أنها حصلت على 12.5 مليار دولار في ثالث إصدار دولي للسندات، وذلك لتمويل عجز الميزانية، خاصة مع استمرار انخفاض أسعار النفط. وتدلّل هذه السندات على البداية المخيبة للبرنامج الاقتصادي لابن سلمان الذي يعوّل عليه للحصول على شرعية التغيير والانجاز أمام السعوديين بالأساس. كما أنه من المنتظر أن يتراجع النمو الاقتصادي السعودي إلى نحو الصّفر، وهو الأضعف منذ 2009، أي منذ ارتدادات الأزمة الاقتصادية العالمية.
وإذا أضفنا استمرار الهزيمة البيّنة في حصار قطر الذي فشل في تحقيق أدنى أهدافه، فلا مجال للشكّ بأن ابن سلمان لا يزال يعاني كثيرًا، ولعلّه لذلك ما يزال يؤجل صعوده الرّسمي للعرش، ما دام لم يؤمّن بعدُ طريق الأمان في مختلف النواحي. فحصار قطر بات عبئًا ثقيلًا على ابن سلمان سواء داخليًا من حيث تضرر القطاع الخاص الصناعي، مع التململ الشعبي لعدم القناعة بالأسباب المعلنة للحصار، وكذلك دوليًا ما دامت الادعاءات السعودية لتبرير الحصار لا تزال لم تلق آذانًا صاغية على سبيل الجديّة من القوى الدولية، لتخيب بذلك مغامرة حصار قطر، كما خابت الحرب في اليمن.
لعل توالي انتكاسات ابن سلمان هو ما يدفعه لتأجيل خطوة صعوده الرسمي للعرش، إذ لم يُؤمن بعد طريق الأمان في مختلف النواحي
وبالقليل الجازم، فقبل دخول السعودية الآن إلى القائمة الأممية السّوداء، فهي قد دخلت منذ زمن بعيد إلى القائمة السوداء بالنسبة للعرب، ودور السعودية في إجهاض الثورات العربية، هو أوضح دليل.
اقرأ/ي أيضًا:
تباطؤ النمو الاقتصادي في السعودية.. "رؤية 2030" في مهب رياح الواقع