06-سبتمبر-2023
الصين والولايات المتحدة الأمريكية

تتنوع مصادر الخلافات بين واشنطن وبكين، لكن السائد حاليًا، هو تصدر الصين للمشهد السياسي في واشنطن (Getty)

يحتل ما بات يصطلح على تسميّته أمريكيًا، بـ"التحدي الصيني" على أهمية متزايدة في برامج المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية الأمريكية العام المقبل 2024، خاصة مع إظهار استطلاعات رأي أن 15% فقط من الناخبين الأمريكيين لديهم وجهة نظر إيجابية تجاه الصين، بانخفاض بلغ 38 نقطة منذ عام 2018، وبأدنى معدل تفضيل منذ بدء الاستطلاع حول هذه القضية في عام 1979. وعلى الرغم من تباين مستوى الحدة في التعاطي مع التحدي الصيني في خطابات المرشحين، فثمة إجماع جمهوري وديمقراطي على "ضرورة التصدي للصين".

والأسبوع الماضي سلط سبعة من المرشحين الجمهوريين الثمانية الذين شاركوا في المناظرة المتلفزة في ميلووكي، الضوء على المواجهة مع الصين. وكانت وجهة النظر الأكثر إثارة للجدل تعود إلى فيفيك راماسوامي، المرشح الشعبوي المناهض للمؤسسة، الذي ندد بالمساعدات الأمريكية لأوكرانيا باعتبارها تدفع موسكو "إلى الارتماء القوي في أحضان الصين"، مضيفًا أن "التحالف العسكري الروسي الصيني هو أكبر تحالف يمكن أن يواجه الولايات المتحدة".

علاقة الولايات المتحدة المتشابكة والمتوترة بشكل متزايد مع الصين تحتل مركز الصدارة في الحملة الرئاسية لعام 2024 في حالة نادرة تستحوذ فيها السياسة الخارجية على الأضواء في السباق إلى البيت الأبيض

ويعرض الجمهوريون مجموعة من السياسات المتشددة المصممة لمواجهة "التهديد الصيني"، وذلك وسط محاولة إدارة بايدن إصلاح العلاقات مع بكين.

ومن الملاحظ، حسب تقرير للغارديان البريطانية، أنّ علاقة الولايات المتحدة المتشابكة والمتوترة بشكل متزايد مع الصين تحتل مركز الصدارة في الحملة الرئاسية لعام 2024 في حالة نادرة تستحوذ فيها السياسة الخارجية على الأضواء في السباق إلى البيت الأبيض.

فبعد نصف قرن من قيام الرئيس الجمهوري، ريتشارد نيكسون، بزيارة تاريخية إلى الصين الشيوعية لتحقيق انفتاح استراتيجي مشهود له في عام انتخابات 1972، يعرض المرشحون الجمهوريون الذين يتنافسون على خلافته في المكتب البيضاوي مجموعة من السياسات المتشددة المصممة لمواجهة التهديد المفترض من بكين على واشنطن.

ويحدث هذا التركيز الجمهوري اليوم على "التهديد الصيني"، في ظل  إدارة ديمقراطية حددت الصين باعتبارها المنافس الاستراتيجي الرئيسي للولايات المتحدة، لكنها تبعث مسؤوليها لزيارة بكين من أجل التوصل إلى تسويات تضمن استقرار العلاقات، وآخر المسؤولين الأمريكيين زيارة إلى الصين كانت وزيرة التجارة جينا ريموندو التي أجرت الأسبوع المنصرم محادثات مع القادة الصينيين حول القضايا التجارية.

وقبل وزيرة التجارة ذهب إلى الصين كل من أنتوني بلينكن، وزير الخارجية، ومدير وكالة المخابرات المركزية، وليم بيرنز، وجانيت يلين وزيرة الخزانة، وجون كيري مبعوث الإدارة للمناخ، وذلك منذ نيسان/أبريل، في ما يشبه "هجومًا دبلوماسيًا منسقًا يهدف إلى إعادة ضبط العلاقات" حسب توصيف الغارديان التي ترى أن الزيارات قد تم تحديد توقيتها مع وضع دورة الحملة الانتخابية في الاعتبار..

getty

ونقلت الغارديان عن كاري فيليبيتي، المديرة التنفيذية لتحالف فاندنبرغ، الذي يعمل مع المسؤولين المنتخبين والمرشحين في مجال السياسة الخارجية قولها: "أعتقد إن الصين ستكون قضية دائمة لأن الناس بدأوا يدركون، وخاصة الناخبين الجمهوريين، أنه على الرغم من أن السياسة الخارجية تعكس بشكل عام ما يحدث في الخارج، إلا أنه عندما يتعلق الأمر بوضع الصين الاقتصادي والعسكري، فإن ذلك يؤثر علينا بالفعل في الداخل". مردفةً القول: "إنها ليست مجرد قضية سياسة خارجية. إنها أيضًا من نواحٍ عديدة قضية سياسية داخلية".

وهو رأي تدعمه استطلاعات الرأي. حيث أظهر استطلاع أجرته مؤسسة غالوب في آذار/مارس الماضي أن 15% فقط من الناخبين لديهم وجهة نظر إيجابية تجاه الصين، بانخفاض 38 نقطة منذ عام 2018 وبأدنى معدل تفضيل منذ بدء الاستطلاع حول هذه القضية في عام 1979.

وينظر الناخبون الجمهوريون إلى الصين بقدر أعظم من العداء مقارنة بالديمقراطيين، على الرغم من نشوء إجماع نادر بين الحزبين في السنوات الأخيرة على أن صعود الصين يمثل تهديدًا، مع اختلافهم بشكل حاد حول ما يجب القيام به حيال ذلك. 

يشار إلى أنّ لجنة بالكونجرس مكونة من الحزبين عقدت اجتماعها الأول في مجلس النواب في شباط/فبراير من هذا العام، بعد أيام من تحليق منطاد صيني في المجال الجوي الأمريكي، قبل إسقاطه فوق كارولينا الجنوبية، أكدت الصين على أنه خاص بعمليات بحثية، فيما اعتبرته الولايات المتحدة مخصصًا للتجسس.

وعلى النقيض من الشكوك الشعبية في الاتحاد السوفييتي أثناء الحرب الباردة، استنادًا إلى مناخ سائد من المواجهة بين القوى العظمى، فإن العداء المتصاعد ضد الصين يتغذى على اعتقاد واسع النطاق بأنها تعادل خصمًا أكثر تطورًا على المستوى الاقتصادي ويمكن أن يؤثر بشكل ملموس على الحياة اليومية الأمريكية.

getty

ولعل المثال الأكثر وضوحًا هو ذلك المتعلق بجائحة كوفيد، التي لا يزال إرثها المؤلم محسوسًا بقوة في الولايات المتحدة. وبلور كريستوفر راي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، الغضب الأمريكي الدائم بشأن الفيروس عندما أكد أن المكتب يعتقد أن انتشار وباء كورونا كان بسبب حادث مختبري في ووهان، على الرغم من نفي الصين لذلك.

مصدر آخر للاستياء هو عقار الفنتانيل، وهو عقار اصطناعي قوي كان مسؤولًا عن 110 آلاف حالة وفاة أمريكية مرتبطة بالمواد الأفيونية في عام 2022. ويقول المسؤولون الأمريكيون إن المواد الكيميائية الأولية لهذا الدواء تنشأ في الصين، قبل أن يتم شحنها من قبل العصابات الإجرامية إلى عصابات المخدرات المكسيكية، والتي تقوم بعد ذلك بتصنيع المنتج النهائي قبل تهريبه إلى الولايات المتحدة.

كما أثار تأثير الصين على المؤسسات التعليمية الأمريكية الشكوك. وقد تم التعبير عن مخاوف في الكونجرس بشأن ظهور معاهد كونفوشيوس، التي تم إنشاؤها في الكليات الأمريكية لتدريس اللغة والثقافة الصينية بتمويل رسمي من الدولة، والذي يقول النقاد إنه يأتي بشروط - بما في ذلك قيود حرية التعبير في القضايا ذات الاهتمام الاستراتيجي للصين مثل تايوان والتبت وإقليم شينجيانغ، حيث يتهم النظام الشيوعي بارتكاب إبادة عرقية ضد أقلية الأويغور.

getty

ثم هناك TikTok، منصة التواصل الاجتماعي المملوكة للصين والتي تضم 150 مليون مستخدم أمريكي، والتي يعتبرها النقاد تهديدًا للأمن القومي وسط مزاعم بأنه يمكن استخدامها لأغراض المراقبة.

وفوق كل شيء آخر هناك مخاوف بشأن براعة الصين الاقتصادية المتزايدة - التي ينظر إليها كثيرون على أنها تحرم الأميركيين من الوظائف - والحشد العسكري، بما في ذلك زيادة الصواريخ الباليستية العابرة للقارات لمضاهاة الترسانة النووية الأميركية، وهو ما يخشى كثيرون أن يكون نذيرًا لهجوم على تايوان.

وفي هذا الصدد تقول كاري فيليبيتي، المديرة التنفيذية لتحالف فاندنبرغ: "عندما تنظر إلى القضايا التي تحتل عادة مرتبة عالية بين الناخبين المحافظين، فهي الاقتصاد والتعليم، وفي كثير من الأحيان، أعمال السلامة العامة، وبالتعمق في هذه القطاعات الثلاث يمكنك رؤية مدى التأثير الصيني".

وعلى هذه الخلفية، سلط سبعة من المرشحين الجمهوريين الثمانية الذين شاركوا في المناظرة المتلفزة التي جرت الأسبوع الماضي في ميلووكي، الضوء على المواجهة مع الصين. 

وسبق للمرشح المحتمل دونالد ترامب، الذي كان غائبًا عن مناظرة الأسبوع الماضي، أن أوضح موقفه المناهض للصين، وتعهد، بالاشتراك مع العديد من المرشحين الآخرين من الحزب الجمهوري، بإلغاء الوضع التجاري "للدولة الأكثر تفضيلًا" للبلاد و"إنهاء اعتماد الولايات المتحدة على الصين بشكل كامل".

ومع ذلك، فإن ترامب، الذي أطلق العنان لحرب تجارية خلال فترة رئاسته من خلال فرض الرسوم الجمركية على مجموعة من السلع الصينية، أرسل إشارات متضاربة وأثار قلق حتى بعض المحافظين من خلال وصف الرئيس الصيني شي جين بينغ،  بأنه "رائع"، "لأنه يدير 1.4 مليار شخص بقبضة من حديد"، وفق تعبيره.

ينظر الناخبون الجمهوريون إلى الصين بقدر أعظم من العداء مقارنة بالديمقراطيين، على الرغم من نشوء إجماع نادر بين الحزبين في السنوات الأخيرة على أن صعود الصين يمثل تهديدًا

إن مدى نجاح بايدن في النجاة من هجمات الجمهوريين على سياسته تجاه الصين قد يعتمد على تصورات الناخبين حول ما يشكل القوة مقابل الضعف في مواجهة التهديد الصيني، تقول "الغارديان".

مع الإشارة إلى أنّ إدارة بايدن اتخذت إجراءات ملموسة لـ"مواجهة التهديد" الذي تشكله الصين من قبيل القيود على ضوابط التصدير للحد من الاستثمار الخارجي في الصين، وذلك بهدف الحد من قدرة بكين على تطوير واستخدام التكنولوجيا الفائقة مثل أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي لتحقيق تقدم عسكري يمكن أن يهدد الأمن القومي للولايات المتحدة وحلفائها.