11-أغسطس-2018

يعتبر ترشيح البشير للانتخابات السودانية خرقًا للدستور (Getty)

رغم أن الرئيس السوداني عمر البشير، لم يعلن بوضوح اعتزامه الترشح إلى رئاسة البلاد مجددًا في العام 2020، وقد ضرب على نفسه منذ أشهر عزلة عن التصريحات إزاء هذه المغامرة السياسية، إلا أن الحزب الحاكم أمس الأول رصف له الطريق لخوض دورة رئاسية سادسة، في خطوة وصفت بأنها مخالفة صريحة للوائح الحزب وخرق لدستور البلاد.

 اعتمد مجلس شورى حزب المؤتمر الوطني بإجماع عمر حسن البشير رئيسًا له ومرشحًا في انتخابات 2020

وفاجأ المؤتمر الوطني الحاكم الشارع السوداني بقرار تنظيمي أثار ردود أفعال واسعة في الأوساط السياسية والشعبية، إذ اعتمد مجلس شورى الحزب بإجماع عمر حسن البشير رئيسًا له ومرشحًا في انتخابات 2020، وذلك بعد أن أجاز في جلسة مغلقة نهار الخميس تعديل النظام الأساسي للحزب الذي كان يمنع ترشيح أي مسؤول أكثر من دورتين. كما يقتضي ذلك تعديل دستور الدولة الذي يحدد ولاية الرئيس بدورتين لا تزيد عن عشر سنوات. وتواجه مساعي تعديل الدستور هذه مقاومة عنيفة من قوى المعارضة.

كانت آخر عبارة قالها الرئيس البشير وبصوت خافت جدًا، عندما سُئل حول رغبته في البقاء، إن "الدستور لا يسمح"، وتم تفسير العبارة بأنها دعوة لأجهزة الدولة لتقوم بتعديل الدستور له حتى يتمكن من الترشح. وهى الخطوة التي بدأ التمهيد لها فعليًا نهاية العام الماضي، حيث انطلقت مبادرة تدعمها بعض أجهزة الدولة وصفت نفسها بأنها اللجنة الوطنية لترشيح البشير، وتضم اللجنة مجموعة من الشباب السودانيين وبعض منظمات المجتمع المدني ورجال الطرق الصوفية ومنسوبي حركات مسلحة؛ وقال رئيس اللجنة ياسر الجميعابي "إن المبادرة جاءت من الدور الذي ظل يقوم به الرئيس البشير في خلق الاستقرار السياسي والأمني، والمضي في تنفيذ برنامج إصلاح الدولة"، باعتباره الشخص الضامن لإنفاذ مخرجات الحوار الوطني.

اقرأ/ي أيضًا: طعن دستوري ضد البشير.. حرب اليمن مرفوضة شعبيًا في السودان

ومن الجدير بالذكر أن البشير فاز من قبل بدورتين انتخابيتين في العامين 2010 و2015، وهو يجلس على سدة حُكم السودان منذ حزيران/ يونيو 1989، أي منذ أن أطاح بالتجربة الديمقراطية، وتزعم انقلابًا عسكريًا وقف خلفه تنظيم الجبهة الإسلامية بزعامة الراحل حسن الترابي.

وخاطب البشير دون أي شعور ماثل بالقلق، فعاليات مجلس الشورى، وأعلن خلال كلمته عن ترتيبات وإجراءات جاهزة للتنفيذ خلال أيام لحل الأزمة الاقتصادية في البلاد بصورة جذرية ونهائية. وقال: "خرجنا من أخطر الظروف الاقتصادية الحالية، ورفضنا الضغوط الخارجية من أجل تركيع بلادنا، ورفضنا بيع استقلالنا وكرامتنا بأي ثمن". وبدا وكأنه يشير إلى مساومة خارجية من قبل دول بعينها لم يسمها، فيما كان حريصًا خلال كلمته على استخدام شعارات إسلامية، دون أن يعلن صراحة رغبته في البقاء على سُدة السلطة، فيكتسب بذلك سمعة سيئة في نقض العهود.

 وبينما يواجه السودان أزمة اقتصادية تفاقمت عقب إجازة الموزانة المالية للعام الحالي، فإن حظوظ البشير في البقاء لدورة جديدة ربما تعززها مواقف المجتمع الدولي غالبًا، والذي ينظر للبشير بأنه شريك أساسي في مكافحة الهجرة والاتجار بالبشر. وبالمقابل يستمد البشير قوته من المؤسسة العسكرية، وبات مؤخرًا يحظى بدعم المملكة العربية السعودية والإمارات معًا، وذلك بعد قراره إغلاق السفارة الإيرانية في الخرطوم، ومشاركة الجيش السوداني مع قوات التحالف الذي تقوده السعودية، رغم الرفض الواسع من قبل الشارع لتورط الجيش في القضية اليمنية.

وسبق للرئيس البشير أن أعلن أكثر من مرة زهده في الرئاسة ورغبته في التنحي نهائيًا عن السُلطة ، لكنه سرعان ما يغير رأيه. وفي لقاء أجرته معه قناة الجزيرة قبل الانتخابات الماضية سئل البشير عن مصير عهدة الحكم بعد أن أكمل 28 عامًا في السلطة، فرد بالقول: "طبعًا بالدستور هذه آخر مرحلة، وبالنظام الأساسي للحزب أيضًا آخر مرحلة"، وأوضح بأنه كان يحاول الخروج من الحكم إلا أن الظروف التي يمر بها السودان لم تكن تسمح له بذلك.

إن حظوظ البشير في البقاء لدورة جديدة ربما تعززها مواقف المجتمع الدولي غالبًا، والذي ينظر للبشير بأنه شريك أساسي في مكافحة الهجرة 

 ومنذ ليلة الخميس، نشطت مواقع  التواصل الاجتماعي في اجترار تصريحات البشير بعدم ترشحه، في محاولة لوضع جرس التنبيه على عنقه، ونظمت صفوف المؤتمر الوطني حملة شبابية تطالب بإنهاء سيطرة البشير على الحكم وتقديم بديل له واحترام لوائح الحزب ودستور البلاد، بجانب تدشين هاشتاغ تحت عنوان #لا_لخرق_الدستور، بالإضافة لوسم آخر تحت اسم #نعم_ نحن_نشاز. وذلك على خلفية تصريحات القيادي بالمؤتمر الوطني عبد السخي عباس، والتي وصف فيها الرافضين لإعادة ترشيح البشير بأنهم "أصوات نشاز". وخرجت العديد من أصوات الحزب تردد "نحن نشاز يعني نحن ضد تكميم الأفواه وخرق الدستور".

اقرأ/ي أيضًا: محاولة جادة وأخيرة للقلق حول مصير البشير!

 واعتبرت الحملة أنها انتصرت للوعي، كما أن موقف الشورى ليس نهاية المطاف لأن دور الشورى ينحصر في رفع التوصيات للمؤتمر العام الذي سيعقد منتصف العام (2019) وليس التوجيه بالتنفيذ، وإذا استطاع المؤتمر الوطني أن يعدل نظامه، ويجدد الثقة في البشير فإن هذا لا يعني خاتمة المطاف لأن معركة الدستور مستمرة، ولا يحق للبشير الترشح بنص الدستور، وفقاً للحملة الشبابية .

ومن أبرز الأسماء التي تقف ضد إعادة ترشيح البشير، القيادي في المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية أمين حسن عمر، حيث ظل يجاهر بموقفه منذ الانتخابات السابقة. يومها وصف أمين النائب الأول السابق لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه أحد أبرز رجال الحرس القديم الداعمين للبشير، بأنه "مارس إكراهًا معنويًا لحث عضوية المؤتمر العام على ترجيح كفة البشير ضمن مرشحين آخرين"، وعاد أمين مرة أخرى لتأكيد مواقفه السابقة، ووصف في مداخلة له على تطبيق واتساب، ما جرى فى الملتقى التنظيمى وما سيجرى في الشورى إذا مضى على ذلك المنوال، بأنه "مخالف للنظام الأساس و للدستور ولا يجوز لحزب من الأحزاب أن يجعل نظامه الأساسي معارضًا للدستور". واعتبر أنه ليس من حسن العهد تقديم توصيات تخالف دستور الحزب ودستور الدولة، و"إن صح هذا الرأى فسوف نستأنف كل مخالفة للدستور لكل مستويات الحزب، وكل مستويات الدولة من بعد، ولا يجب أن يدعي أحد أنننا صدعنا بالرأي الذى نراه، فيجعلنا من خوارج  الحزب"، لسنا من الخوارج ولن نصمت عن رأي أبدًا مجاملة لأحد أو رهبة، على حد قوله.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تحالف أوروبا مع السودان ضد الهجرة.. رفع العقوبات مقابل رفع الحرج

جوازات سفر سودانية للبيع.. كيف يستغل شقيق البشير حاجة اللاجئين السوريين؟