تبذل دولة قطر جهودًا كبيرة ومتصلة لإقرار السلام في السودان، وذلك عبر وثيقة الدوحة التي تمثل إطارًا عامًا للسلام في دارفور، وقد أفلحت الوثيقة التي أُجيزت في العام 2011 في الانتقال بالأزمة من خندق المواجهة العسكرية إلى طاولة الحوار، في مصالحة أقرت، لأول مرة، مبدأ تقاسم السُلطة والثروة والعدالة والمصالحة والترتيبات الأمنية، بين الحكومة السودانية والحركات الدارفورية المتمردة.
نجحت الوساطة القطرية في حث الحكومة السودانية واثنتين من أكبر الحركات الدارفورية على التوقيع على اتفاقية أولية
وقد نجحت يوم الخميس الماضي الوساطة القطرية في حث الحكومة السودانية واثنتين من أكبر الحركات الدارفورية على التوقيع على اتفاقية أولية في العاصمة الألمانية برلين، تمهيدًا لوقف الأعمال العدائية واستئناف جولة التفاوض في الدوحة مطلع العام 2019.
العودة لمسار التفاوض
نص الاتفاق الموقع بين حركتي العدل والمساوة بقيادة جبريل إبراهيم ومني أركو مناوي ووفد الحكومة برئاسة أمين حسن عمر، على استئناف مفاوضات الدوحة بين الحكومة السودانية والحركتين، على أن تكون اتفاقية الدوحة لسلام دارفور هي الأساس للمفاوضات مع الالتزام بمناقشة كل الموضوعات التي ترى الحركتان أن ثمة حاجة لبحثها لتحقيق السلام الشامل والمستدام بدارفور، بالإضافة للالتزام بتشكيل الآليات المناسبة لتنفيذ مخرجات المفاوضات بين الحركتين وحكومة السودان، ورغم أنه لم يصدر بيان مشترك من أطراف الحوار إلا أن الخطوة أنهت بصورة واضحة حالة من التردد في العودة لمسار التفاوض المباشر.
اقرأ/ي أيضًا: حروب السودان.. تزجية فراغ مبيكي
التناغم بين الدوحة وبرلين
شهد مراسم توقيع الاتفاق وزير الدولة بالخارجية الألمانية، والمبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والمبعوث القطري الخاص مطلق القحطاني، والعديد من ممثلي الدول والبعثات الأممية. وجددت الحكومة السودانية استعدادها التام لاستئناف مفاوضات الدوحة "بذات الروح الإيجابية والبناءة من أجل استكمال السلام النهائي و المستدام في دارفور".
فيما اعتبر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس في بيان له أن "الاتفاقية التي توسطت فيها ألمانيا تضع الأسس لاستئناف مفاوضات السلام الرسمية في إطار وساطة قطر"، مشيرًا إلى أن اتفاق ما قبل التفاوض يأتي تتويجًا لنحو عامين من الوساطة غير الرسمية بين الحكومة السودانية وحركتين مسلحتين بدعم من مؤسسة بيرغوف، قائلًا: "في وقت مبكر من يناير 2019 ستبدأ مفاوضات قطر الرسمية في الدوحة وقد وافق الطرفان أيضًا على ذلك". وتعني هذه الخطوات تناغم الجهود بين برلين والدوحة لتعبر في النهاية حقل من الألغام الذي أعاق سلام دارفور ردحًا من الزمان.
اقرأ/ي أيضًا: انقلاب قصر في السودان.. حكومة صورية "لتأهيل" البشير لانتخابات 2020
لا تراجع عن وثيقة الدوحة
في هذا السياق، أعلنت حركة العدل و المساواة السودانية التزام جميع الأطراف بموجب الاتفاق بالدخول في مفاوضات جادة و صادقة لمناقشة القضايا الجوهرية التي تشمل أيضًا جذور الأزمة ومعالجة إفرازات الحرب، ويسبق استئناف التفاوض، الوصول إلى اتفاق لوقف العدائيات، كما هو مأمول.
كما رحب حزب التحرير والعدالة بالتوقيع على اتفاقية ما قبل مفاوضات الدوحة، باعتبار أنها تأتي بعد عدة جولات مارثونية من اللقاءات، مؤكدًا موقفه المعلن، من أن وثيقة الدوحة للسلام في دارفور "هي الأساس للتفاوض، لاستكمال السلام الدائم المستدام في السودان"، فيما اعتبر وزير الدولة السوداني رئيس مكتب سلام دارفور مجدي خلف الله، أن كافة الجهات أكدت منح الثقة الكاملة لدولة قطر وهي الراعي الوحيد والمشرف على المفاوضات، لافتًا إلى إن ما تحقق من اتفاق والتأكيد على تسليم راية الملف لدولة قطر، "يعد خطوة مهمة في عملية تحقيق السلام في دارفور، وأن ذلك وضح جليًا في الاهتمام الدولي الذي حظي به الحدث في برلين"، على حد وصف خلف الله.
ودفعًا لما تحقق والتزامًا من الجانب القطري بمتابعة الاتفاقية التي قطعت شوطًا كبيرًا في إحلال السلام بالسودان، سوف يلتئم مطلع الأسبوع المقبل في الخرطوم اجتماع اللجنة الدولية لمتابعة إنفاذ اتفاق الدوحة لسلام دارفور، بحضور الوسيط المشترك الأممي، ومبعوث وزارة الخارجية بدولة قطر لدارفور، والشركاء الدوليين الآخرين، وكافة أطراف وثيقة الدوحة، وإلحاقًا بذلك شددت رئيسة الفريق القطري للأمم المتحدة، منسقة المساعدات الإنسانية، والممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في السودان قوي سون، على ضرورة دعم الاستقرار في دارفور والانتقال من الإغاثة إلى إعادة الإعمار والتنمية.
يضع الفرقاء السودانيون جل ثقتهم في دولة قطر بعد كسر جمود التفاوض، بإنهاء الأزمة المستعرة منذ عقود
التصدي لجوهر الأزمة
من الهامّ الإشارة إلى أن وثيقة الدوحة للسلام تصدت لجذور الأزمة الدارفورية، وأفاضت عليها بتصور شامل يضع في الاعتبار تنمية المناطق التي تأثرت بالحرب، ورعاية المُصالحات القبلية، وبناء القرى والمدارس وحفر الآبار، والاهتمام بالأوضاع الإنسانية في إطار جهود دعم برامج العودة الطوعية، فضلًا عن التصدي لقضايا النزاع المسلح في دارفور كإقرار تعويضات للنازحين، وموضوع اللجوء ووضع الإقليم من الناحية الإدارية، وبناء على اتفاقية الدوحة التي تحظى بمباركة المجتمع الدولي، فقد تشكلت سلطة إقليمية في دارفور آلت رئاستها إلى رئيس حركة التحرير والعدالة التجاني سيسي، وقطعت مرحلة من الشراكة في الحكومة، مما أفضى إلى حالة من السلام، وعودة الاستقرار بصورة نسبية لدارفور.
وإذ يضع الفرقاء السودانيون جل ثقتهم في قطر بعد كسر جمود التفاوض، وبإنهاء الأزمة المستعرة منذ عقود، تكاد تورق شجرة السلام من جديد، على أمل أن يستظل بظلها حتمًا الأطفال المروعون من الحرب والنازحون في البوادي، والمحاصرون أيضًا باليتم المرير، أو من فقدوا المأوى.
اقرأ/ي أيضًا:
أزمة الوقود في السودان.. إنكار رسمي وطوابير ماراثونية وسخرية مؤلمة
في مواجهة كابوس التقسيم.. كيف أسقطت هوية أبطال سودانيين بسبب الانفصال؟