بعد 18 عامًا على تأسيس التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA) عام 1998، اتفق أعضاء التحالف (31 دولة) في شهر أيار/مايو 2016، على وضع تعريف مشترك لمعاداة السامية، والذي تبنته معظم حكومات العالم فيما بعد.
تشكل تهمة العداء للسامية حصانة حقيقية لإسرائيل، من أي انتقاد يوجه لها كدولة، تمارس انتهاكات بحق الفلسطينيين
لا يزال هذا التعريف يثير جدًلا واسعًا، داخل الأوساط المناهضة للاحتلال الإسرائيلي في العالم، حيث يعتبر مناصرو القضية الفلسطينية، أن هذا التعريف يجرم النقد، ويساهم في حماية إسرائيل ويهدد من يدين المجازر والانتهاكات التي تقوم بها.
وكانت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، قد نشرت مقالًا في 14 من شهر آب/ أغسطس الجاري، للباحثين راز سيغال، المحاضر في جامعة ستوكتون الأميركية، وعاموس غولدبيرغ، المحاضر في معهد الدراسات اليهودية في الجامعة العبرية، قالا فيه إن "تعريف العداء للسامية ليس مشكلة تاريخية بالنسبة للمثقفين فقط، وإنما هي مشكلة سياسية، يكون ضررها أكبر من نجاعتها، أحيانًا، مثلما هو حاصل في التعريف الصادر عن IHRA .
كما أكدا على أن تعريف التحالف هو تعريف غير تاريخي، يؤدي إلى مشاكل كثيرة، أهمها أنه ينأى عن أية ملاحقة حقيقية لظاهرة العداء للسامية، كما ينقصه الحديث عن العداء للسامية وكراهية الأجانب والعنصرية المنتشرة بالأساس في أوساط اليمين القومي المتطرف، بالإضافة إلى أن هذا التعريف أصبح يستخدم كأداة لمؤيدي إسرائيل، في محاربة أية انتقادات توجه للسياسات القومية المتطرفة، وانتهاك حقوق الإنسان.
اقرأ/ي أيضًا: حرب لوبي إسرائيل ضد جيرمي كوربين.. تهمة معاداة السامية ثمن الانتصار لفلسطين!
وهذا ما جعل الباحثين يستنتجان في النهاية أن تعريف الـ IHRA هو حصانة حقيقية لإسرائيل، من أي انتقاد يوجه لها كدولة، تمارس انتهاكات بحق الفلسطينيين، فـ"الأمر الواضح هو أن التعريف يجعل وضع الاحتلال الإسرائيلي المتواصل طبيعيًا، ويحوله إلى مشكلة معقولة، بحيث أن الانتقادات ضدها لا ينبغي أن تكون (متطرفة) أكثر من اللازم. بل إن التعريف يجعل الانتقاد الشرعي لدول أخرى محظور في حالة إسرائيل".
وفي مفارقة غريبة، تصبح المحرقة أداة "إسكات" لكل صوت يطالب بحقوق الفلسطينيين الرازحين تحت الاحتلال الإسرائيلي، بدلًا من أن تكون أداة لمناصرة كل مجموعة تتم ممارسة التمييز والظلم بحقها. وهذا ما أدى في النهاية إلى تحويل تعريف معاداة السامية من مجموعات تم التمييز ضدها من قبل أنظمة قومية أوروبية، إلى أحد الأسلحة في الدفاع عن دولة استعمار.
وتبين عدة تقارير أن المنظمات الصهيونية، قدمت أكثر من ألفي شكوى رسمية ضد شخصيات ومؤسسات عالمية اتهمتها بمعاداة السامية أو بالتساهل مع أعداء اليهود.
وخلال الفترة الماضية، تعرض زعيم حزب العمال البريطاني، جيرمي كوربن، لحملة إعلامية شديدة، بسبب مواقفه من قضايا متعلقة بالشرق الأوسط و"إسرائيل". وكانت الحملة التي وصفت بالأشرس ضد كوربن قد بدأت منذ أيام بافتتاحية مشتركة لثلاث صحف يهودية تصدر في بريطانيا، اعتبرت أن "حكومة بقيادة جيرمي كوربن ستشكل خطرًا وجوديًا على حياة اليهود في هذه الدولة"، وأكدت أن زعيم حزب العمال متسامح تجاه المعادين للسامية، بالرغم من أن الأخير كان قد قام بفصل مجموعة من نشطاء الحزب بسبب تصريحات لهم تصنف ضمن المعاداة للسامية.
السبب الرئيسي للحملة التي يقودها اللوبي الصهيوني في بريطانيا، والإعلام الإسرائيلي من ورائه، هو وضع حزب العمال تعريفًا لعداء السامية، لا ينسجم مع تعريف التحالف الدولي لذكرى المحرقة (IHRA) الذي يتبناه كثير من حكومات ومنظمات العالم.
تعرض زعيم حزب العمال البريطاني، جيرمي كوربن، لحملة إعلامية شديدة، بسبب مواقفه من قضايا متعلقة بالشرق الأوسط و"إسرائيل"
يؤكد كوربن أنه لم يرفض التعريف الدولي للعداء للسامية، وإنما رفض البند الذي يعتبر مقارنة الاحتلال الإسرائيلي بألمانيا النازية أحد أشكال المعاداة للسامية، معتبرًا أن إسرائيل "مشروع عنصري" ولا علاقة للنقد الموجه للاحتلال الإسرائيلي باليهود حول العالم.
وكذلك يرى كوربن أن ولاء اليهود المؤيدين بشدة لإسرائيل في بريطانيا، يفوق ولاءهم لبريطانيا ذاتها. وهذا ما ضاعفه قانون "القومية" الذي أقرّه الكنيست مؤخرا، إذ أصبحت الأقليات اليهودية حول العالم من ضمن مسؤوليات "إسرائيل" وليست من ضمن تبعات الأنظمة التي يعيشون في ظلها، على أسس المجتمع المدني.
ووصلت الحملة أوجها عندما شارك فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وذلك بانتقاد لكوربن على موقع التواصل الاجتماعي تويتر. وقال نتنياهو في تغريدة على حسابه الشخصي، إن "قيام زعيم العمال البريطاني جيرمي كوربن بوضع إكليل من الزهور على ضريح الإرهابيين الذين ارتكبوا مجزرة أولمبياد ميونخ، وقيامه بمقارنة إسرائيل بالنازيين يستحقان إدانة لا لبس فيها من قبل الجميع، من اليسار ومن اليمين ومن قبل جميع الأطراف التي توجد بينهما".
ويعود انتقاد نتنياهو إلى تقرير نشرته صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، يوم السبت الماضي، عن زيارة قام بها كوربن لقبور قادة فلسطينيين في تونس، ومن بينهم منفذو عملية ميونيخ عام 1972، التي قتل فيها عدد من الرياضيين الإسرائيليين على هامش دورة الألعاب الأولمبية. ونشرت الصحيفة البريطانية في تقريرها العديد من الصور للزيارة، من بينها واحدة وهو يضع إكليلًا من الزهور على قبر عاطف بسيسو ضابط المخابرات الفلسطيني الذي خطط للعملية.
وفي صورة أخرى يظهر كوربن خلال زيارته لتونس قبل توليه زعامة حزب العمال بعام واحد، أي في عام 2014، والتي زار فيها مجموعة من قبور القيادات الفلسطينية، خاصة التي أسست منظمة "أيلول الأسود" كصلاح خلف ومستشاره فخري العمري، والقائد الأمني في منظمة التحرير الفلسطينية هايل عبد الحميد، وجميعهم من ضحايا جهاز الموساد الإسرائيلي.
ورد حزب العمال على المقال قائلًا إن كوربن كان يكرّم ضحايا الغارة الإسرائيلية على مكاتب "منظمة التحرير الفلسطينية" عام 1985، والمعروفة باسم "عملية الساق الخشبية" أو "حمام الشط"، والتي راح ضحيتها 68 شخصًا وأكثر من مئة جريح من الفلسطينيين والتونسيين.
يؤكد كوربن أنه لم يرفض التعريف الدولي للعداء للسامية، وإنما رفض البند الذي يعتبر مقارنة الاحتلال الإسرائيلي بألمانيا النازية أحد أشكال المعاداة للسامية
ورد كوربن عبر حسابه على موقع فيسبوك قائلًا: "يزعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن أفعالي وكلماتي خاطئة. إن ما يستحق إدانة لا لبس فيها هو قتل أكثر من 160 متظاهرًا فلسطينيًا في غزة من قبل القوات الإسرائيلية منذ مارس/ آذار، بما في ذلك العشرات من الأطفال".
اقرأ/ي أيضًا: فيسبوك والسياسة القذرة.. خادم مطيع للأوامر الإسرائيلية والأمريكية
وتطرق كوربن إلى قانون القومية، الذي أقره الكنيست الإسرائيلي مؤخرًا، قائلًا: "يميز قانون الدولة القومية الذي ترعاه حكومة نتنياهو ضد الأقلية الفلسطينية في إسرائيل. أقف مع عشرات الآلاف من المواطنين العرب واليهود في إسرائيل الذين يتظاهرون من أجل المساواة في الحقوق في عطلة نهاية الأسبوع في تل أبيب".
ويعد كوربن من أهم داعمي حركة المقاطعة الدولية لإسرائيل BDS، ومن مناصري القضية الفلسطينية منذ أكثر من ثلاثة عقود، وطالما أيد حق عودة اللاجئين الفلسطينيين لوطنهم، وشارك في أنشطة تدعم هذا التوجه.
يعتبر كوربن أن وعد بلفور الذي قدمته الحكومة البريطانية لليهود عام 1917 كان خطيئة، ويعتبره مخادعًا ودليلًا على ازدواجية المعايير البريطانية في سياساتها الخارجية، التي تحابي الاحتلال الإسرائيلي وتظلم الشعب الفلسطيني، معتبرًا أن الوعد أساس البلاء الذي سبب ألم الشعب الفلسطيني منذ 70 عامًا.
وقدر زار زعيم حزب العمال، الذي يعد أكبر أحزاب غرب أوروبا، فلسطين أكثر من تسع مرات، كما زار المخيّمات الفلسطينية في سوريا ولبنان.
ويعتبر كوربن حركة حماس ركنًا أساسيًا في أي حل سياسي للقضية الفلسطينية، كونها وصلت للسلطة بالانتخابات الشرعية في عام 2006، ولا يمكن استثناؤها أو تهميشها من الصراع العربي الإسرائيلي، بالرغم من أن الحركة مدرجة ضمن الحركات الإرهابية في بريطانيا.
اقرأ/ي أيضًا: