باستثناء "واحة الغروب" و"لا تطفئ الشمس"، لا وجود للرواية المصرية في دراما رمضان هذا العام. في رمضان الماضي، كنا على موعد مع المسلسل الوحيد المقتبس عن أصل أدبي، وهو "أفراح القبة" المأخوذ عن رواية بنفس الاسم لنجيب محفوظ، وتابعنا كيف ساهم المسلسل في خلق شيء من الجدل الفني برحابته وتمرده النسبي عن السرديات السائدة في باقي الدراما الرمضانية.
باستثناء "واحة الغروب" و"لا تطفئ الشمس"، لا وجود للرواية المصرية في دراما رمضان هذا العام
بعض المتابعين أرجع جانبًا كبيرًا من نجاح وجماهيرية مسلسل "أفراح القبة" إلى تقديمه صورة درامية عن حقبة غير مألوفة في مسلسلات رمضان، وهي فترة الخمسينات والستينات، وقد صار هناك عُرف غير رسمي يقضي بابتعاد كتاب المسلسلات عن تناول الموضوعات التي تدور في أزمنة مختلفة عن الزمن المعاصر، ربما ظنًا منهم أنها غير جماهيرية، وغالبًا لأن خيالهم محدود بشخصيات وتفاصيل الواقع الحالي، وحتى هذا الواقع يفلت منهم في أحيان كثيرة، فيلجؤون إلى اقتباس أعمال أجنبية وتمصيرها برداءة.
اقرأ/ي أيضًا: بهجتنا الضائعة.. كيف قتلت الدراما فوازير رمضان
أن تكون "ضيفة شرف" هو أقصى ما يمكن للرواية المصرية أن تحلم به في الموسم الدرامي الرمضاني، البعض يحضر بضمان اقتباس سابق، في السينما أو في التلفاز (كما حدث في نهاية الثمانينات مع إعادة إنتاج ثلاثية نجيب محفوظ للتلفاز)، والبعض الآخر يجرّب حظه ويقدم الاقتباس الأول للرواية (كما حدث في مسلسل "فيرتيجو" عام 2012)، لكن تظل تجارب اقتباس الروايات الأدبية محدودة، واستثناء وسط كم كبير من المسلسلات المنتجة سنويًا.
هذه القلة النادرة من الأعمال الروائية المقدمة على الشاشة الصغيرة تأتي في الوقت الذي لا تتوقف شكوى صناع الدراما من ضعف "الورق"، وهو المصطلح المتعارف عليه مصريًا للسيناريو، وهو مجاز ملائم تمامًا لثمار الإنتاج الدرامي المصري، فأغلبها مجرد ورق مكتوب عليه أي كلام. التفكير في العقلية التي استبدلت مصطلح "السيناريو" بـ "الورق" يمكن أن يقود إلى استنتاج إدراك ما يربض داخل صناع الدراما المصرية، فيه استخفاف بفكرة السيناريو الذي من المفترض أن يحمل الفكرة الدرامية التي تتحول لمسلسل درامي مكون من 30 حلقة، بعدد أيام الشهر، وهذه مشكلة أخرى جوهرية ولكن لا مجال للخوض فيها الآن.
يمكن للرواية أن تكون حلًا سحريًا: توفير "ورق" شبه جاهز، لا يحتاج سوى سيناريست "شاطر" يكيّفه ويجهّزه للشاشة
لدي إيمان، أعتقد أنني أتشاركه مع آخرين، بأن الحالة السيئة التي تُظهرها أفكار وقصص أغلب المسلسلات الدرامية تؤدي بشركات الإنتاج إلى محاولة التجريب الآمن في استثمار النصوص الروائية. الأمر ليس له علاقة دائمًا بمنتِج مثقف أو فريق عمل يحمل رسالة ما، بل على الأرجح يلعب العامل الاقتصادي دورًا في تزكية ذلك الاختيار الأدبي الذي تتجه نحوه شركات الإنتاج، فبدلًا من الانتظار وتضييع الوقت من أجل العثور على "ورق" جيد، يمكن للرواية أن تكون حلًا سحريًا: توفير "ورق" شبه جاهز، لا يحتاج سوى سيناريست "شاطر" يكيّفه ويجهّزه للظهور على الشاشة. نتائج ذلك التوجه لها أن تذهب إلى أبعد من نوايا الصانعين، فمثلًا ليس هناك حل أفضل من ذلك لإنقاذ الدراما المصرية -والسينما المصرية كذلك- من تزايد الفضائح الدورية بخصوص سرقة الحبكات والقصص من أصول أجنبية، وتحويلها إلى صور مشوهة يصعب بلعها.
اقرأ/ي أيضًا: 5 ملاحظات على مسلسل "واحة الغروب".. ماذا قال بهاء طاهر؟
مصر ليست فقيرة إبداعيًا، ولم تعدم أبدًا وجود روائيين تملك نصوصهم نواة سيناريوهات محكمة للسينما والتليفزيون، وإذا كان من الصعب إقناع المنتجين بتحويل روايات الأجيال المتأخرة من الروائيين المصريين إلى أعمال درامية ناجحة؛ فما كتبه كبار أدباء مصر من السابقين يحمل الأصالة التي تفتقدها تلك المسلسلات "الماسخة" التي تقذفها الشاشات المصرية في وجوه مشاهديها فلا يجدون أنفسهم في أغلب ما يرونه. وفي كل عام، نجد أنفسنا مع الفقرة التي صارت ثابتة، فنتابع هذا المسلسل الفلاني المتأمرك، أو ذلك المسلسل العلاني المتترِّك، بينما الواقع المصري نفسه غني بالحكايات التي لا ينتبه إليها الخيال القاصر لأغلب كتاب الدراما.
اقرأ/ي أيضًا: